mimou Admin
الدولـه : : عدد المساهمات : 1108 نقاط : 2272 السٌّمعَة : 0 تاريخ الميلاد : 06/12/1996 تاريخ التسجيل : 01/10/2011 العمر : 27
| موضوع: آفات الـــلَسان الثلاثاء يناير 31, 2012 6:35 pm | |
| آفات اللسان
في ضوء الكتاب والسنة
تأليف الفقير إلى الله تعالى سعيد بن علي بن وهف القحطاني
مقدمة الطبعة الثالثة بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}( ). {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}( ). {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}( ). أما بعد فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. لا شك أن الله تعالى منح الإنسان نعماً عظيمة ومن أعظمها بعد الإسلام: نعمة النطق باللسان، وهذا اللسان سلاح ذو حدين: فإن استخدم في طاعة الله: كقراءة القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصر المظلوم كان هذا هو المطلوب من كل مسلم، وكان هذا شكراً لله على هذه النعمة. وإن استخدم في طاعة الشيطان، وتفريق جماعة المسلمين، والكذب وقول الزور، والغيبة والنميمة، وانتهاك أعراض المسلمين وغير ذلك مما حرمه الله ورسوله. كان هذا هو المحرم على كل مسلم فعله وكان كفراناً لهذه النعمة العظيمة. وفي اللسان آفتان عظيمتان: 1- آفة الكلام بالباطل. 2- آفة السكوت عن الحق. فالساكتُ عن الحق شيطانٌ أخرس، عاصٍ لله، مراءٍ، مداهنٍ، إذا لم يخف على نفسه القتل ونحوه، والمتكلم بالباطل شيطان ناطق، عاصٍ لله، وأكثر البشر منحرف في كلامه وسكوته بين هذين النوعين. وأهل الوسط كفّوا ألسنتهم عن الباطل، وأطلقوها فيما يعود عليهم نفعُه(1). وآفات اللسان من أخطر الآفات على الإنسان؛ لأن الإنسان يهون عليه التحفظ، والاحتراز من أكل الحرام، والظلم، والزنا، والسرقة، وشرب الخمر، ومن النظر المحرم، وغير ذلك ويصعب عليه التحفظ والاحتراز من حركة لسانه، حتى ترى الرجل يشار إليه: بالدين، والزهد، والعبادة وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله، لا يلقي لها بالاً، ينزل في النار بالكلمة الواحدة منها أبعد مما بين المشرق والمغرب، أو يهوي بها في النار سبعين سنة، وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يقطع، ويذبح في أعراض الأحياء الأموات، ولا يبالي بما يقول(1). ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وَلِخَطَرِ آفات اللسان على الفرد، والمجتمع، والأمة الإسلامية جمعت ما يسر الله لي جمعه – في هذا الموضوع الخطير – من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وقد قسمته إلى ثلاثة أبواب وخاتمة كالتالي:
الباب الأول الغيبة والنميمة الفصل الأول: الغيبة. ويشتمل على تسعة مباحث. الفصل الثاني: النميمة. ويشتمل على ثمانية مباحث.
الباب الثاني القول على الله بغير علم الفصل الأول: الكذب على الله وعلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم ويشتمل على ثلاثة مباحث. الفصل الثاني: الكذب عموماً. ويشتمل على أربعة مباحث. الفصل الثالث: شهادة الزور، ويشتمل على ثلاثة مباحث.
الباب الثالث القذف، والخصومات، وبذاءة اللسان الفصل الأول: القذف ويشتمل على مبحثين. الفصل الثاني: الخصومات والجدال ويشتمل على ثلاثة مباحث. الفصل الثالث: بذاءة اللسان، ويشتمل على خمسة وعشرين مبحثاً. الفصل الرابع: وجوب حفظ اللسان. وفد اجتهدت في جمع المادة العلمية لهذا البحث من المراجع والمصادر الموثوقة، وأعظمها، وأجلها على الإطلاق: الكتاب العزيز، والسنة المطهرة وهما المنبعان الصافيان اللذان من أخذ بهما وعض عليهما بالنواجذ فاز وأفلح ومن أعرض عنهما وعن هديهما فقد خاب وضل مسعاه... ثم إني اجتهدت في تخريج جميع الأحاديث وعزوها إلى مصادرها الأصلية، وإذا كان الحديث في غير صحيحي البخاري ومسلم، فإني أذكر ما قاله أهل العلم المحققون في درجة الحديث. وقد سميته: آفات اللسان في ضوء الكتاب والسنة، هذا ما يسر الله لي جمعه، فما كان من صواب فمن الواحد المنّان، وما كان من أخطاءٍ فمني ومن الشيطان، والله بريءٌ منه ورسولُه. وأسأل الله العظيم، رب العرش الكريم بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلى أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي {يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ، إِلاّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}. وأن ينفع به من قرأه، أو سمعه، أو طبعه، أو نشره، أو كان سبباً في نشره، ومُقرِّباً لي ولهم من جنات النعيم، وأن يجعله حجة لنا ولا يجعله حجة علينا، إنه تعالى خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا، وإمامنا، وقدوتنا، وحبيبنا محمد بن عبد الله، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم إلى يوم الدين.
كتبه العبد الفقير إلى الله تعالى سعيد بن علي بن وهف القحطاني يوم الأربعاء 13/11/1410هـ
الباب الأول الغيبة والنميمة الفصل الأول: الغيبة وفيه تسعة مباحث
الفصل الثاني: النميمة وفيه ثمانية مباحث الفصل الأول: الغيبة المبحث الأول تعريـف الغيبـة قال الحافظ ابن حجر: (رحمه الله تعالى) (وقد اختلف العلماء في حد الغيبة. فقال الراغب: هي أن يذكر الإنسان عيب غيره من غير محوج إلى ذكر ذلك). وقال الغزالي: (حد الغيبة أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه). وقال ابن الأثير في النهاية: (الغيبة أن تذكر الإنسان في غيبته بسوء وإن كان فيه). وقال النووي في كتابه الأذكار تبعاً للغزالي: (الغيبة ذكر المرء بما يكرهه سواء كان ذلك في بدن الشخص، أو دينه، أو دنياه، أو نفسه، أو خَلقه، أو خُلقه، أو ماله، أو ولده، أو زوجه، أو خادمه، أو ثوبه، أو حركته، أو طلاقته، أو عبوسته، أو غير ذلك مما يتعلق به، سواء ذكرته باللفظ أو بالإشارة والرمز). قال ابن التين: (الغيبة ذكر المرء بما يكره بظهر الغيب). وقال الإمام النووي (رحمه الله): (ومن ذلك قول كثير من الفقهاء في التصانيف: قال بعض من يدعي العلم، أو بعض من ينسب إلى الصلاح... ممن يفهم السامع المراد به). ومنه قولهم عند ذكره: (الله يعافينا، الله يتوب علينا، نسأل الله السلامة... فكل ذلك من الغيبة)( ). والغيبة لا تختص باللسان فحيثُ ما أفهمتَ الغير ما يكرهه المغتاب ولو بالتعريض، أو الفعل، أو الإشارة، أو الغمز، أو اللمز، أو الكتابة، وكذا سائر ما يتوصل به إلى المقصود كأن يمشي مشيه فهو غيبة بل هو أعظم من الغيبة لأنه أعظم وأبلغ في التصوير والتفهيم.
المبحث الثاني الفرق بين الغيبة والنميمة قال الحافظ ابن حجر (رحمه الله تعالى): (واختُلِفَ في الغيبة والنميمة هل هما متغايرتان أو متحدتان: والراجع التغاير وأن بينهما عموماً وخصوصاً وجيهاً. وذلك؛ لأن النميمة نقل حال شخص لغيره على جهة الإفساد بغير رضاه سواء كان بعلمه أم بغير علمه. والغيبة ذكره في غيبته بما لا يرضيه فامتازت النميمة بقصد الإفساد ولا يشترط ذلك في الغيبة. وامتازت الغيبة بكونها في غيبة المقول فيه واشتركا في ما عدا ذلك. ومن العلماء من يشترط في الغيبة أن يكون المقول فيه غائباً والله أعلم( ).
المبحث الثالث حكم الغيبة لاشك ولا ريب أن الغيبة محرمة بإجماع المسلمين وقد تظاهر على تحريمها الدلائل الصريحة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة( ).
المبحث الرابع الترهيب من وقوع في الغيبة قال الله تعالى: {لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا}( ). وقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}( ). وقال سبحانه: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ}( ). وقال عز وجل: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}( ). وقال سبحانه: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}( ). والغيبة آفة خطيرة من آفات اللسان، ولقد عرفها النبي صلّى الله عليه وسلّم بقوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ”أتدرون ما الغيبة“؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال: ”ذكرك أخاك بما يكره“ قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول: قال: ”إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته“( ). وعن أبي حذيفة عن عائشة (رضي الله عنها) قالت قلت للنبي صلّى الله عليه وسلّم: حسبك من صفية كذا وكذا – تعني قصيرة – فقال: ”لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته“ قالت: وحكيت له إنساناً فقال: ”ما أحب أني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا“( ). وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لّمّا عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم، وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل: قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويعقون في أعراضهم“( ). وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”المسلم أخو المسلم لا يخونه، ولا يكذبه، ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام: عرضه، وماله، ودمه، التقوى هاهنا، بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم“( ). وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً. المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا“ ويشير إلى صدره ثلاث مرات ”بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه“( ). ولا شك أن غيبة المسلم الميت أفحش من غيبة الحي وأشد؛ لأن عفو الحي واستحلاله ممكن بخلاف الميت( ) فقد روى أبو داود عن عائشة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”إذا مات صاحبكم فدعوه ولا تقعوا فيه“( ). وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمانُ قلبَهُ لا تغتابوا المسلمين ولا تتَّبعوا عوراتهم؛ فإنه من اتّبعَ عوراتِهم يتّبع اللهُ عورتَهُ، ومن يتبع الله عورته، يفضحهُ في بيته“( ). والحديث فيه تنبيه على أن غيبة المسلم من شعار المنافق لا المؤمن، وفيه الوعيد بكشف الله عيوب الذين يتبعون عورات المسلمين ومجازاتهم بسوء صنيعهم، وكشف مساويهم ولو كانوا في بيوتهم مخفيين من الناس( ) ولا حول ولا قوة إلا بالله. وعن المستورد بن شداد رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”من أكَلَ برجلٍ مسلمٍ أُكْلةً فإن الله يُطعِمُهُ مثلها من جهنم، ومن كُسِيَ ثوباً برجلٍ مسلمٍ فإن الله يكسوه مثله من جهنم، ومن قام برجلٍ مقام سمعةٍ ورياءٍ؛ فإن الله يقوم به مقام سُمعة ورياء يوم القيامة“( ). وهذا الحديث فبه الوعيد لمن أكل أكلةً برجل مسلم: أي بسبب اغتيابه والوقيعة فيه أو بتعرضه له بالأذية عند من يعاديه، أو كُسِيَ ثوباً بسبب إهانته. فإن الله عز وجل يطعمه من جهنم مثل ما طعم بهذا الرجل المسلم، ويكسوه من جهنم مثل ما كُسِيَ؛ لأن الجزاء من جنس العمل(1). والله أعلم. ومعنى ”من قام برجل مسلم...“ ذكروا له معنيين: المعنى الأول: أن الباء للتعدية أي قام رجلاً مقام سمعة ورياء ووصفه بالصلاح، والتقوى، والكرامات، وشهره بها وجعله وسيلة إلى تحصيل أغراض نفسه وحطام الدنيا فإن الله يقوم بعذابه وتشهيره، لأنه كان كاذباً. والمعنى الثاني: أن الباء للسببية وقيل: هو أقوى وأنسب أي من قام برجلٍ من العظماء من أهل المال والجاه مقاماً يتظاهر فيه بالصلاح والتقوى ليعتقد فيه ويصير إليه المال والجاه أقامه الله مقام المرائين ويفضحه ويعذبه عذاب المرائين(1). وقد يحتمل أن تكون الباء في (برجل) للتعدية والسببية فإن كانت للتعدية يكون معناه: من أقام رجلاً مقام سمعة ورياء يعني من أظهر رجلاً بالصلاح والتقوى، ليعتقد الناس فيه اعتقاداً حسناً ويعزونه ويخدمونه لينال بسببه المال والجاه فإن الله يقوم له مقام سمعة ورياء بأن يأمر ملائكته بأن يفعلوا معه مثل فعله ويظهروا أنه كذاب. وإن كانت للسببية فمعناه: أن من قام وأظهر من نفسه الصلاح والتقوى لأجل أن يعتقد فيه رجلٌ عظيم القدر كثير المال؛ ليحصل له مال وجاه..(2). وعن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: شهدت الأعراب يسألون النبي صلّى الله عليه وسلّم أعلينا حرج في كذا؟ أعلينا حرج في كذا؟ [لأشياء ليس بها بأس] فقال لهم: ”عباد الله وضع الله الحرج إلا من اقترض من عرض أخيه شيئاً فذلك الذي حرج وهلك..“(1). ومعنى: اقترض: أي اقتطع. والمراد أنه نال من أخيه المسلم بالطعن فيه. وعن سعيد بن زيد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إن من أربى الرِّبا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق“(2). بيّن النبي صلّى الله عليه وسلّم أن من أربى الربا إطالة اللسان في عرض المسلم باحتقاره، والترفع عليه, والوقيعة فيه بقذف، أو سب، ونحو ذلك، فإن ذلك أكثر الربا، وأشده تحريماً؛ لأن العرض أعز على النفس من المال. وقد أدخل صلّى الله عليه وسلّم العرض في جنس المال على سبيل المبالغة وجعل الربا نوعين: متعارف: وهو ما يؤخذ من الزيادة على ماله من المديون. وغير متعارف: وهو استطالة الإنسان في عرض المسلم بغير حق وبين أنّ أشد النوعين تحريماً هو الاستطالة في عرض المسلم بغير حق(1). أما إذا كانت الاستطالة بحق فيجوز لصاحب الحق بشروط وبقيود بيّنها أهل العلم وسيأتي بيان ما تجوز فيه الغيبة إن شاء الله تعالى. وفي حديث أبي هريرة عند الحافظ أبي يعلى وغير قصة ماعز الذي جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وطلب منه أن يطهِّره من الزنا فأعرض عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى قالها أربعاً فلما كان في الخامسة قال: ”زنيتَ“؟ قال: نعم. ثم سأله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى ثبت عنده زنا ماعز فأمر برجمه فرجم. فسمع النبي صلّى الله عليه وسلّم رجلين يقول أحدهما لصاحبه: أم ترَ إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رُجِمَ رَجمَ الكلب ثم سار النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى مر بجيفة حمار فقال: ”أين فلان وفلان؟ انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار“ قلا: غفر الله لك يا رسول الله وهل يؤكل هذا؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: ”فما نلتما من أخيكما آنفاً أشدُّ أكلاً منه، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها“(1). وعن جُندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”من سمّع سمَّع الله به يوم القيامة“ قال: ”ومن شاق شقق الله عليه يوم القيامة“ فقالوا: أوصنا فقال: ”إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيباً فليفعل، ومن استطاع أن لا يُحال بينه وبين الجنة بملء كفٍّ من دم هراقه فليفعل“(1) والمراد بالحديث النهي عن القول القبيح في المؤمنين وكشف مساويهم وعيوبهم وترك مخالفة سبيل المؤمنين ولزوم جماعتهم، والنهي عن إدخال المشقة عليهم والأضرار بهم(2). وقد روى مسلم في صحيحه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”اللهم من وَلِيَ من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه. ومن وَلِيَ من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفُقْ به“(3).
المبحث الخامس ما ينبغي لمن سمع غيبة أخيه المسلم قال الإمام النووي (رحمه الله تعالى): (اعلم أنه ينبغي لمن سمع غيبة مسلم أن يردها، ويزجر قائلها، فإن لم ينزجر بالكلام زجره بيده، فإن لم يستطع باليد، ولا باللسان فارق ذلك المجلس، فإن سمع غيبة شيخه أو غيره ممن له عليه حق، أو من أهل الفضل والصلاح، كان الاعتناء بما ذكرناه أكثر)(1). وعن عتبان (رضي الله عنه) في حديثه الطويل المشهور قال: قام النبي صلّى الله عليه وسلّم يصلي، فقالوا أين مالك بن الدخيشن أو ابن الدخشن فقال بعضهم: ذلك منافق لا يحب الله، ورسوله. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”لا تقل ذلك ألا تراه قد قال: لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله“ قال: قالوا: الله ورسوله أعلم. قال فإنما نرى وجهه ونصيحته للمنافقين. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”فإن الله قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله“(1). وعن جابر بن عبد الله وأبي طلحة (رضي الله عنهم) قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”ما من امرئٍ يخذل امرءاً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطنٍ يحب فيه نصرته. وما من امرئٍ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطنٍ يحب فيه نصرته“(2). وعن أبي الدرداء (رضي الله عنه) عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة“(3). وعن أسماء بنت يزيد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”من ذب عن لحم أخيه بالغيبة كان حقاً على الله أن يعتقه من النار“(1). وعن كعب بن مالك في حديثه الطويل في قصة توبته قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو جالس في القوم في تبوك: ”ما فعل كعب بن مالك“؟ فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله، حبسه برداه والنظر في عطفيه فقال له معاذ بن جبل: (رضي الله عنه) (بئس ما قلت: والله يا رسول الله، ما علمناه عليه إلا خيراً) فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم(2).
المبحث السادس الأسباب الباعثة على الغيبة عندما ينظر الإنسان المسلم العاقل ويفكر في الأسباب التي تدفع المغتاب إلى الغيبة وتدفع النمام إلى النميمة فسوف يجد لذلك أسباباً منها ما يأتي: السبب الأول: هو محاولة الانتصار للنفس والسعي في أن يشفي المغتاب الغيظ الذي في صدره على غيره فعند ذلك يغتابه أو يبهته، أو ينقل عنه النميمة. السبب الثاني: الحقد للآخرين والبغض لهم فيذكر مساوئ من يبغض؛ ليشفي حقده ويبرِّد صدره بغيبة من يبغضه ويحقد عليه. وهذا ليس من صفات المؤمنين كاملي الإيمان نسأل الله العافية. السبب الثالث: إرادة رفعة النفس وخفض غيره كأن يقول: فلان جاهل، أو فهمه ضعيف، أو سقيم، أو عبارته ركيكة تدرجاً إلى لفت أنظار الناس إلى فضل نفسه وإظهار شرفه بسلامته عن تلك النقائص التي ذكرها في مَنْ اغتابه. وهذا من الإعجاب بالنفس نعوذ بالله من ذلك وهو من المهلكات التي بيّنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. السبب الرابع: موافقة الجلساء والأصحاب، والأصدقاء ومجاملتهم فيما هم عليه من الباطل؛ لكي يُكسَب رضاهم حتى ولو كان ذلك بغضب الله عز وجل وهذا من ضعف الإيمان وعدم مراقبة الله عز وجل. السبب الخامس: إظهار التعجب من أصحاب المعاصي: كأن يقول الإنسان: ما رأيت أعجب من فلان كيف يخطئ وهو رجل عاقل أو كبير أو عالم أو غير ذلك وكان من حقه عدم التعيين. السبب السادس: السخرية والاستهزاء بالآخرين والاحتقار لهم: السبب السابع: الظهور بمظهر الغضب لله على من يرتكب المنكر فيظهر غضبه ويذكر اسمه مثل أن يقول فلان لا يستحيي من الله يفعل كذا وكذا ويقع في عرضه بالغيبة. السبب الثامن: الحسد فيحسد المغتاب من يُثني عليه الناس ويحبونه فيحاول المغتاب الحسود قليل الدين والعقل أن يزيل هذه النعمة فلا يجد طريقاً إلى ذلك إلا بغيبته والوقوع في عرضه حتى يزيل نعمته أو يقلل من شأنه عند من يثنون عليه. وهذا من أقبح الناس عقلاً وأخبثهم نفساً نسأل الله العافية. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أي الناس أفضل؟ قال: ”كل مخموم القلب صدوق اللسان“ قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: ”هو التقيُّ النّقيُّ، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد“(1). السبب التاسع: إظهار الرحمة والتّصنُّع بمواساة الآخرين كأن يقول لغيره من الناس: مسكين فلان قد غمني أمره وما هو فيه من المعاصي... السبب العاشر: التصنع، واللعب، والهزل، والضحك فيجلس المغتاب خبيث النفس فيذكر عيوب غيره مما يضحك به الناس فيضحك الناس فعند ذلك يرتاح ويزيد من الكذب والغيبة على سبيل الهزل والنكت والإعجاب بالنفس. وهذا ينطبق عليه حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي قال فيه: ”ويلٌ للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويلٌ له، ويلٌ له“(1). السبب الحادي عشر: هو أن ينسب إليه فعلاً قبيحاً فيتبرأ منه ويقول: فلان الذي فعله ومحاولة إلقاء اللوم والتقصير على غيره؛ ليظهر بمظهر البريء من العيوب. السبب الثاني عشر: الشعور بأن غيره يريد الشهادة عليه أو تنقيصه عند كبير من الكبراء، أو صديق من الأصدقاء، أو سلطان فيسبقه إلى هذا الكبير ويغتابه؛ ليسقط من عينه، وتسقط عدالته، أو مروءته(1).
المبحث السابع عـلاج الغيبـة الغيبة لها علاجان: العلاج الأول: هو أن يعلم الإنسان أنه إذا وقع في الغيبة فهو متعرض لسخط الله تعالى ومقته كما دلت عليه الأحاديث السابقة وغيرها من الأحاديث الصحيحة كقوله عليه الصلاة والسلام: ”إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلُغ ما بلغت فيكتُبُ الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن أحدكم ليتكلمُ بالكلمة من سخط الله ما يظنُّ أن تبلُغ ما بلغت فيكتُب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه“(1). ويعلم أن حسناته يؤخذ منها يوم القيامة لمن اغتابه بدلاً عما استباح من عرضه فإن لم تكن له حسنات نقل إليه من سيئات خصمه فربما ترجح كفة سيئاته فيدخل النار وقد يحصل ذلك للإنسان بإذهاب حسنة واحدة من حسناته أو بوضع سيئة واحدة من سيئات خصمه وعلى تقدير أن لا يحصل هذا الرجحان فكفى بنقص الحسنات عقاباً مع المخاصمة والمطالبة، والسؤال، والجواب، والحساب. ولا حول ولا قوة إلا بالله. فإذا آمن الإنسان المسلم بالأخبار الواردة في الغيبة وتدبرها حق التدبر لم ينطق لسانه بغيبة، وتدبر نفسه، وعيوبها، وتقصيرها، وأن يتدبر في إصلاح نفسه عن عيوب الناس والكلام فيهم، وعلى من به عيب أن يستحيي من الله تعالى الذي لا تخفى عليه خافية حين يرى نفسه على العيوب ويذكر عيوب غيره بل ينبغي له أن يلتمس لأخيه عذراً ومخرجاً ويعلم أن عجزه عن تطهير نفسه من ذلك العيب كعجزه هو عن تطهير نفسه من عيوبها فإن كان الذم له بأمر خَلْقي كان ذماً للخالق؛ فإن ذم الصنعة يستلزم ذم صانعها فليتق الله عز وجل ويصلح نفسه عن عيوبها وكفى بذلك شُغلاً! العلاج الثاني: عليه أن ينظر في السبب الباعث له على الغيبة فإن علاج العلة إنما يتم بقطع سببها المستمدة هي منه. فإذا كان سبب الغيبة الغضب فعليه أن يقول: إن أمضيت غضبي عليه فأنا أخشى الله أن يمضي غضبه عليَّ بسبب الغيبة فإن الله قد نهاني عنها فعصيته واستخففت بنهيه. وإذا كان سبب الغيبة موافقة للآخرين وطلب رضاهم فعليك أن تعلم أن الله يغضب عليك إذا طلبت سخطه برضا المخلوقين، فكيف ترضى لنفسك أن تسخط مولاك من أجل إرضاء المخلوقين الذين لا ينفعون ولا يضرون وإن كان الغضب لله فلا تذكر المغضوب عليه بسوء لغير ضرورة بل ينبغي أن تغضب على من اغتابه إلا إذا كان من باب تحذير المسلمين عن الشر. وهذا سيأتي فيما يجوز من الغيبة. وإذا كان سبب الغيبة: هو تنزيه النفس ونسبة الخيانة إلى غيرك. فاعلم أن التعرض لمقت الله أشد من التعرض لمقت الخلق وأنت بالغيبة قد تعرضت لسخط الله يقيناً ولا تدري هل تسلم من سخط الناس أو لا تسلم والذي يرضي الناس بسخط الله يسخط الله عليه ويسخط عليه الناس...! وإذا كان: سبب الغيبة هو الرغبة في أن تزكي نفسك بزيادة الفضل وذلك بقدحك في غيرك حتى تشعر الناس أنك تتصف بخلاف ما يتصف به من اغتبته فاعلم أنك بما ذكرته أبطلت فضلك عند الله تعالى إن كان لك فضل وأنت من اعتقاد الناس فضلك لست على يقين وعلى تقدير أنهم يفضلونك فأنت سينقص فضلك أو يزول بالكلية إذا عرفوك بغيبة الناس والوقوع في أعراضهم فأنت بعت ما عند الله يقيناً بما عند الناس وهماً ولو اعتقدوا فضلك لم يغنوا عنك من الله شيئاً لأن قلوبهم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء فعليك أن تتدبر دقائق الأمور ولا تغتر بظواهرها. وإذا كان الباعث على الغيبة: هو الحسد فأنت قد جمعت بين عذابين؛ لأنك حسدته على نعمة الدنيا فكنت معذباً بالحسد وذلك لأن الحاسد يجد الهم والغم وضيق الصدر ثم لا يقنع بذلك حتى يضاف إليه عذاباً آخر يوم القيامة فالحاسد قد جمع خسران الدنيا والآخرة وهو في الحقيقة صديق للمحسود عدو لنفسه؛ لأنه يضيف حسناته إلى حسنات المحسود ويتحمل من سيئاته إن لم يكن للحاسد حسنات مع أن الحسد، والغيبة لا تضر المحسود بل ربما كان ذلك سبباً لانتشار فضله. وإذا كان البعث على الغيبة هو الاستهزاء والسخرية فينبغي للحاسد أن يعلم أنه متى استهزأ بغيره عند الناس فإن ذلك يكون مخزياً لنفسه عند الله ثم عند خلقه وهذه هي الخسارة بعينها. وإذا كان المغتاب يقصد بغيبته الرحمة لغيره فهذا مقصود فاسد؛ لأنه أراد الرحمة فوقع في الغيبة المحرمة فلو كان صادقاً في رحمته لنصح له ووجّهه وأرشده.. أما إذا كان السبب الباعث على الغيبة هو التعجب والضحك، فإنه ينبغي للمغتاب أن يتعجب من نفسه كيف أهلك نفسه بنفس غيره وكيف نقص دينه بكمال دين غيره أو بدنياه. فهو مع ذلك لا يأمن عقوبة الدنيا ويخشى على المغتاب أن يهتك الله ستره ويفضحه في الدنيا قبل الآخرة كما هتك بالتعجب ستر أخيه. فإذا نظر الإنسان العاقل في أسباب الغيبة وعلاجها واستعمل هذا الدواء الذي ذكر هنا سلم إن شاء الله من ضرر الغيبة وكان ممن اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره، وصان لسانه عن النطق إلا بالخير فبذلك يفوز بخيري الدنيا والآخرة. وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعلنا جميعاً ممن يقول بالحق ويكون أسبق الناس إلى العمل به كما يحب ربنا ويرضى إنه أكرم مسؤول(1).
| |
|
mimou Admin
الدولـه : : عدد المساهمات : 1108 نقاط : 2272 السٌّمعَة : 0 تاريخ الميلاد : 06/12/1996 تاريخ التسجيل : 01/10/2011 العمر : 27
| موضوع: رد: آفات الـــلَسان الثلاثاء يناير 31, 2012 6:37 pm | |
| المبحث الثامن طريق التوبة من الغيبة وطريق التوبة بالنسبة لمن اغتاب المسلمين هو أن يتحلله ويطلب منه العفو إذا أمِنَ الفتنة أما إذا كان هذا يسبب الشحناء أو يسبب منكراً آخر أو فتنة فإن المغتاب يذكره بالخير الذي فيه في المجالس التي ذكره فيها بسوء ويرد عنه الغيبة بجهده وطاقته فتكون تلك بتلك إن شاء الله مع مراعاة شروط التوبة وبالله التوفيق(1).
المبحث التاسع ما يباح من الغيبة قال الله تعالى: {لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا}(2). وعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: قالت هند أم معاوية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إن أبا سفيان رجل شحيح فهل علي جناح أن آخذ من ماله سراً)؟ قال: ”خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف“(1). وعن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال: والله مالك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكرت ذلك له فقال: ”ليس لك عليه نفقة“ فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال: ”تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند ابن أم مكتوم: فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فآذنيني“ قالت: (فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه(2) وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد“ فكرهته ثم قال: ”انكحني أسامة“ فنكحته فجعل الله فيه خيراً واغتبطت“(1). وعن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها أخبرته قالت: استأذن رجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”ائذنوا له، بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة“. فلما دخل ألان له الكلام. قلت: يا رسول الله، قلت الذي قلت ثم ألنت له الكلام. قال: ”أي عائشة إن شر الناس من تركه الناس - أو ودعه الناس - اتقاء فحشه“(2). وقد ترجم البخاري (رحمه الله) في صحيحه بقوله: (باب ما يجوز من ذكر الناس نحو قولهم: الطويل، والقصير، وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”ما يقول ذو اليدين“ وما لا يراد به شين الرجل)(3). قال الإمام النووي (رحمه الله تعالى): تباح الغيبة لغرض شرعي... لستة أسباب: 1- التظلم. فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان أو القاضي. أو غيرهما ممن له ولاية. فيقول: ظلمني فلان أو فعل بي كذا. 2- الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب. فيقول. لمن يرجو قدرته: فلان يعمل كذا فازجره عنه أو نحو ذلك. 3- الاستفتاء. بأن يقول للمفتي: ظلمني فلان أو أبي، أو أخي... بكذا فهل له ذلك؟ وما طريقي في الخلاص منه؟ ودفع ظلمه عني؟ فهذا جائز للحاجة. والأجود أن يقول: في رجل، أو زوج، أو والد، أو ولد، كان أمره كذا، ومع ذلك فالتعيين جائز لحديث هند وقولها: إن أبا سفيان رجل شحيح...(1). 4- تحذير المسلمين من الشر وذلك من وجوه منها: أ- جرح المجروحين من الرواة، والشهود والمصنفين، وذلك جائز بالإجماع، بل واجب صوناً للشريعة. ب- ومنها الإخبار بعيب عند المشاورة(1). ج – ومنها إذا رأيت من يشتري شيئاً معيباً أو عبداً سارقاً، أو شارباً أو نحو ذلك تذكره للمشتري بقصد النصيحة لا بقصد الإيذاء والإفساد. د- ومنها إذا رأيت متفقهاً يتردَّدُ إلى فاسقٍ، أو مبتدعٍ يأخذ عنه علماً وخفت عليه ضرره فعليك بنصيحته، ببيان حاله قاصداً للنصيحة. ه- ومنها أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها لعدم أهليته، أو لفسقه، فيذكره لمن له عليه ولاية؛ ليستدل به على حاله فلا يغتر به، ويلزم الاستقامة. 5- أن يكون مجاهراً بفسقه، أو بدعته... فيجوز ذكره بما يجاهر به ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر. 6- التعريف. فإذا كان معروفاً بلقب كالأعمش، والأعرج، والقصير، والأعمى، والأقطع... ونحوها جاز تعريفه به ويحرم ذكره به تنقصاً، ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى والله أعلم(1). قال الإمام البخاري رحمه الله (باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب...)(2) قال الحافظ بعد ذلك: ويستنبط منه(3) أن المجاهر بالفسق والشر لا يكون ما يذكر عنه من ذلك من الغيبة المذمومة... ثم قال: قال العلماء: تباح الغيبة في كل غرض صحيح شرعاً... كالظلم، والاستعانة على تغيير المنكر، والاستفتاء، والمحاكمة، والتحذير من الشر، ويدخل فيه تجريح الرواة، والشهود، وإعلام من له ولاية عامة بسيرة من هو تحت يده، وجواب الاستشارة في نكاح أو عقد من العقود، وكذا من رأى متفقهاً يتردد إلى مبتدع...(1). قلت وقد جمع بعضهم هذه الأمور الستة في قوله: القدح ليس بغيبة في ستة متظلم، ومعروف، ومحذر
ومجاهر فسقاً، ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر(1)
الفصل الثاني: النميمة
المبحث الأول تعريف النميمة قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى نقلاً عن الإمام الغزالي (رحمه الله) ما ملخصه: (النميمة في الأصل نقل القول إلى المقول فيه ولا اختصاص لها بذلك، بل ضابطها كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه، أو المنقول إليه، أو غيرهما، وسواء كان المنقول قولاً، أم فعلاً، وسواء كان عيباً أم لا، حتى لو رأى شخصاً يخفي ماله فأفشى كان ينميه)(1). وقال الإمام النووي (رحمه الله تعالى): (... في رواية لا يدخل الجنة نمام وفي أخرى قتات وهو مثل الأول فالقتات هو النمام. ثم قال: قال الجوهري وغيره يقال: (نم الحديث ينمه، وينُمه، بكسر النون وضمها، نما، والرجل نمّامٌ، وقته يقته بضم القاف قتا. قال العلماء: النميمة نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد بينهم)(1). والنم إظهار الحديث بالوشاية. وأصل النميمة الهمس والحركة(2). وقد بوب البخاري رحمه الله تعالى باباً قال فيه: (باب ما يكره من النميمة). ثم قال ابن حجر (رحمه الله تعالى): كأنه أشار بهذه الترجمة إلى بعض القول المنقول على جهة الإفساد يجوز إذا كان المقول فيه كافرًا مثلاً، كما يجوز التجسس في بلاد الكفار ونقل ما يضرهم)(3). المبحث الثاني حكـم النميمـة النميمة محرمة بإجماع المسلمين، وقد تظاهر على تحريمها الدلائل الصريحة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة(1).
المبحث الثالث الترهيب من الوقوع في النميمة قال الله تعالى: {هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ، مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ}(2). وقال سبحانه: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ}(3). وعن حذيفة قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”لا يدخل الجنة قتات“(4). والقتات هو النمام. ووقع في رواية أبي وائل عن حذيقة عند مسلم(1) وقيل. الفرق بين القتات والنمام أن النمام الذي يحضر القصة فينقلها، والقتات الذي يستمع من حيث لا يعلم به ثم ينقل ما سمعه(2). وقال حذيفة سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”لا يدخل الجنة نمام“(3). قال الحافظ ابن حجر: قوله: "لا يدخل الجنة" أي في أول وهلة كما في نظائره(4). قلت هذا مذهب أهل السنة والجماعة؛ فإنهم لا يكفرون أحداً من أهل القبلة بشيء من المعاصي ما لم يستحله، إلا ما خصه الدليل. وعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: إن محمداً صلّى الله عليه وسلّم قال: ”ألا أنبئكم ما العضه؟ هي النميمة القالة بين الناس“ وأن محمداً صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إنَّ الرجل يصدق حتى يكتب صديقاً. ويكذب حتى يكتب كذاباً“(1). وذكر ابن عبد البر عن يحيى بن أبي كثير قال: ”يفسد النمام والكذاب في ساعة ما لا يفسد الساحر في سنة“ والنميمة من أنواع السحر، لأنها تشارك السحر في التفريق بين الناس وتغيير قلوب المتحابين وتلقيح الشرور(2). وعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم من بعض حيطان المدينة، فسمع صوت إنسانين يعذبان، في قبريهما فقال: ”يعذبان وما يعذبان في كبيرة، وإنه لكبير: كان أحدهما لا يستتر من البول، وكان الآخر يمشي بالنميمة، ثم دعا بجريدة فكسرها بكسرتين- أو اثنتين – فجعل كسرة في قبر هذا، وكسرة في قبر هذا فقال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا“(1). وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على قبرين فقال: ”إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير: أما هذا فكان لا يستتر من بوله، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة“ ثم دعا بعسيب رطب فشقه باثنين فغرس على هذا واحدًا وعلى هذا واحدًا، ثم قال: ”لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا“( ).
المبحث الرابع ما ينبغي لمن حملت إليه النميمة قال الإمام النووي: (وكل من حملت إليه نميمة، وقيل له: فلان يقول فيك، أو يفعل فيك كذا فعليه ستة أمور: الأول: أن لا يصدق، لأن النمام فاسق. الثاني: أن ينهاه عن ذلك، وينصحه، ويقبح له فعله. الثالث: أن يبغضه في الله تعالى؛ فإنه بغيض عند الله تعالى ويجب بغض من أبغضه الله تعالى. الرابع: أن لا يظن بأخيه الغائب السوء. الخامس: أن لا يحمله ما حكي له على التجسس والبحث عن ذلك. السادس: أن لا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه فلا يحكي نميمته عنه فيقول: فلان حكى كذا، فيصير به نماماً، ويكون آتياً ما نهى عنه...)( ).
المبحث الخامس ذو الوجهيـن
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إن شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه“(1). قال ابن حجر وهو من جملة صورة النمام. وإنما كان ذو الوجهين أشر الناس لأن حاله حال المنافق إذا هو متملق بالباطل وبالكذب من مدخل للفساد بين الناس فيأتي كل طائفة بما يرضيها على جهة الإفساد ويظهر له أنه منها ومخالف لضدها وهذا عمل النفاق والخداع وكذب وتحيل على أسرار الطائفتين وهي مداهنة محرمة. فأما من يقصد الإصلاح بين الناس فذلك محمود وهو أنه يأتي كل طائفة بكلام فيه صلاح الطائفة الأخرى ويعتذر لكل واحدة عند الأخرى وينقل إليها من الجمل ما أمكنه ويستر القبيح أما المذموم فهو بالعكس(1). وعن عمار رضي الله عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار“(2). المبحث السادس الدوافع الباعثة على الوقوع في النميمة لا شك أن دوافع النميمة هي دوافع الغيبة كما تقدم. ويضاف إلى الدوافع السابقة: الكراهة، والتقرب للمحكي له، والرغبة في إشعال النيران، وإثارة الفتن، وتفريق المجتمعات، وزرع البغضاء في قلوب الناس(3).
المبحث السابع علاج النميمة علاج النميمة هو علاج الغيبة كما تقدم فارجع إليه(1).
المبحث الثامن ما يباح من النميمة قال الإمام النووي (رحمه الله تعالى): (فإن دعت حاجة... (إلى النميمة) فلا مانع منها وذلك كما إذا أخبره أن إنساناً يريد الفتك به، أو بأهله أو بماله، أو أخبر الإمام، أو من له ولاية بأن إنساناً يفعل كذا ويسعى بما فيه مفسدة. ويجب على صاحب الولاية الكشف عن ذلك وإزالته. فكل هذا وما أشبهه ليس بحرام وقد يكون بعضه واجباً، وبعضه مستحباً على حسب المواطن والله أعلم)(2). قال الإمام البخاري: (رحمه الله تعالى): (باب من أخبر صاحبه بما يقال فيه) ثم ساق بسنده عن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: قسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قسمة، فقال رجل من الأنصار: والله ما أراد محمد بهذا وجه الله، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته، فتمعر وجهه وقال: ”رحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر“(1). والمذموم من نقلة الأخبار من يقصد الإفساد وأما من يقصد النصيحة، ويتحرى الصدق، ويجتنب الأذى فلا، وقل من يفرق بين البابين فطريق السلامة في ذلك لمن يخشى عدم الوقوف على ما يباح من ذلك، مما لا يباح الإمساك عن ذلك...(2).
| |
|