أحكام وفضائل الدعاء
حكم الدعاء
قال أهل السنَّة والجماعة: الدعاء واجبٌ، ولا يستجاب منه إلاّ ما وافق القضاء. فقد أمر الله تعالى به، وحضَّ عليه فقال: ادعوني أستجب لكم [غافر: 60]، وقال: ادعوا ربَّكم تضرُّعا وخفيةً [الأعراف: 55]، وقال: قل ما يعبأُ بكم ربِّي لولا دعاؤكم [الفرقان: 77] والآيات في الباب كثيرةٍ.
أقسام الدعاء
ينقسم الدعاء قسمين:
القسم الأول: دعاء العبادة، بجميع أنواع العبادة الظاهرة والباطنة، من الأقوال والأعمال والنيات والتروك ، التي تملأ القلوب بعظمة الله وجلاله. ومنه قوله تعالى: قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم [الفرقان: 77].
القسم الثاني: دعاء المسألة والطلب، وهو دعاء العبد ربَّه وطلبه إياه وسؤاله له ما ينفعه في دنياه وآخرته، ودفع ما يضره، وكشف ما ألمَّ به، وهذا النوع هو الذي يملأ القلوب بالرغبة والانكسار بين يدي الله تعالى ، قال الله سبحانه: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين [غافر: 60].
وهذان النوعان متلازمان، لا يجوز صرف شيء منهما إلا لله تعالى.
انظر كتاب "تصحيح الدعاء" (ص 17-18) للشيخ بكر أبو زيد، حفظه الله تعالى.
موانع استجابة الدعاء
1- الشرك فيه، فإخلاص النية شرط لصحَّة الدعاء، قال الله تعالى: فادعوه مخلصين له الدين [غافر:65]. وقد يستجيب الله تعالى لدعاء فيه شرك فتنةً منه للداعي واختبارا له، وليس حصول المطلوب من الدعاء دليلا على مشروعيته.
2- الاستعجال، وهو أن يقول: دعوت ودعوتُ فلم يستجب لي.
3- الدعاء بالإثم وقطيعة الرحم.
4- أكل الحرام وشربه ولبسه والتغذِّي به.
5- ارتكاب المحرَّمات الفعلية.
6- ترك الواجبات.
آداب الدعاء ومستحباته
1- الطهارة.
2- استقبال القبلة.
3- تحرِّي الأوقات والحالات الفاضلة، كالسجود والصيام والسفر ولقاء العدو وجوف الليل وبين الأذان والإقامة ويوم الجمعة....
4- رفع اليدين وبسط الكفَّين.
5- إظهار الفقر والمسكنة.
6- التضرُّع والخشوع.
7- اختيار أحسن الألفاظ وأنبلها وأجمعها للمعاني وأبينها.
8- الإعراب ومجانبة اللحن، ما أمكن إلى ذلك سبيلا.
9- افتتاحه بالحمد والثناء على الله -عزَّ وجلَّ- بما هو أهله، والصلاة على النبي.
10- تقديم التوبة والإستغفار والاعتراف بالذنب والإخلاص في الدعاء.
11- التوسُّل بالأسماء الحسنى والصفات العليا، قال تعالى: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها [الأعراف: 180].
12- التوسُّل بالأعمال الصالحة.
13- الإلحاح على الله فيه بتكرير ذكر ربوبيته، وهو أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء.
14- التأمين بعده، فهو كالخاتم له.
15- ملازمة الطلب، وعدم اليأس من الإجابة.
فضل الدعاء
للدعاء فضائل كثيرة، منها:
1- أنَّه سنَّة الأنبياء والمرسلين، ودأب الأولياء والصالحين، فمن تركه فقد سلك سبل الأشقياء والمتكبرين، قال الله تعالى: إنَّهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين [الأنبياء: 90]، وقال: أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيُّهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه [الإسراء: 57]، وقال: إنَّ الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنَّم داخرين [غافر: 60].
2- أنَّ الله تعالى أمر به وحثَّ عليه، وكذلك رسوله الكريم ، قال تعالى: واسألوا الله من فضله [النساء: 32]، وقال: وقال ربُّكم ادعوني أستجب لكم [غافر: 60]، وقال: فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون [غافر: 14]، وقال: ادعوا ربَّكم تضرُّعا وخفية إنَّه لا يحبُّ المعتدين إلى قوله تعالى: وادعوه خوفا وطمعا [الأعراف: 55-56].
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((من لم يسألِ اللهَ يغضبْ عليه)) أخرجه أحمد والبخاري في "الأدب المفرد" والترمذي وابن ماجه والبزار والحاكم.
3- أنَّ أهل الجنَّة علَّلوا به نجاتهم من عذاب النار فقالوا: فمنَّ الله علينا ووقانا عذاب السموم إنَّا كنَّا من قبل ندعوه إنَّه هو البرُّ الرحيم [الطور: 27-28].
4- أنَّ الله تعالى أمر نبيه أن يجالسَ ويلازمَ أهلَ الدعاء، وأن لا يعدُوَهم إلى غيرهم بالنظر فضلا عمَّا هو فوقه، قال الله تعالى: واصبِر نفسَك مع الذين يدعون ربَّهم بالغداة والعشيِّ يريدون وجهَه ولا تعدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطعْ من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فُرُطا [الكهف: 28].
5- أنَّه من أفضل العبادات، قال الله تعالى: وقال ربُّكم ادعوني أستجب لكم إنَّ الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنَّم داخرين وقال النبيُّ : ((الدعاء هو العبادة)).
6- أنَّ الله تعالى نهى عن الإساءة إلى أهل الدعاء تشريفا وتكريما لهم فقال: ولا تطردِ الذين يدعون ربَّهم بالغداة والعشِيِّ يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردَهم فتكونَ من الظالمين [الأنعام: 52].
7- أنَّ الله تعالى لمَّا ذكر جملةَ ما أمر به ذكر من بين ذلك الدعاء فقال تعالى: قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كلِّ مسجدٍ وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون [الأعراف: 29].
8- أنَّ الله تعالى وصف به أهل الإيمان فقال تعالى: إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكِّروا بها خرُّوا سجَّدا وسبَّحوا بحمد ربِّهم وهم لا يستكبرون تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربَّهم خوفا وطمعا وممَّا رزقناهم ينفقون [السجدة: 15-16].
9- أنَّ من لزم الدعاء فلن يدركه الشقاء، قال الله تعالى عن زكريَّا: ولم أكن بدعائك ربِّ شقيًّا [مريم: 4]، وقال عن خليله إبراهيم: عسى ألاَّ أكون بدعاء ربِّي شقيًّا [مريم: 48].
10- أنَّه من صفات أهل الجنة في الجنة، قال تعالى: دعواهم فيها سبحانك اللهمَّ وتحيَّتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله ربِّ العالمين [يونس: 10].
11- أنَّه ليس شيء أكرم منه على الله تعالى فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((ليس شيء أكرم على الله من الدعاء)) أخرجه الترمذي وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم.
12- أنَّ الله تعالى يحبُّه ويحبُّ الملحِّين فيه، عن ابن مسعود مرفوعا: ((سلوا الله من فضله، فإنَّ الله يحبُّ أن يسأل)) أخرجه الترمذي، وعن عائشة مرفوعا: ((إنَّ الله يحبُّ الملحِّين في الدعاء)) أخرجه الطبراني في "كتاب الدعاء".
13- أنَّ الدعاء كلَّه خير، فعن أبي سعيد رفعه: ((ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلاَّ أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إمَّا أن يُعجِّل له دعوته، وإمَّا أن يدَّخرها له في الآخرة، وإمَّا أن يصرف عنه من السوء مثلها)) أخرجه أحمد وصححه الحاكم.
14- أنَّ الله تعالى وعد بإجابة الدعاء فقال: وإذا سألك عبادي عنِّي فإنِّي قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان [البقرة: 186]، وقال: أمَّن يجيب المضطرَّ إذا دعاه ويكشف السوء [النمل: 62]، وقال: ادعوني أستجب لكم .
ما يكره في الدعاء
1- الجهر الشديد بالصوت.
2- الإشارة بأصبعين، وإنَّما يشير بالسبَّابة من يده اليمنى فقط.
3- الاعتداء فيه، [أي تجاوز الحد فيه كسؤال الله محرما أو إثما] وليس من الاعتداء الإكثار منه.
4- الدعاء بالمحال [كطلب الخلود في الدنيا]، وطلب ما لا مطمعَ فيه.
5- الدعاء بالمعصية.
6- الدعاء بالأدعية المبتدعة المخترعة المنكرة.
7- السجع وتكلُّف صنعة الكلام له، [والمكروه منه هو المتكلَّف، لأنَّه لا يلائم الضراعةَ والذلَّة والخشوع المطلوب في الدعاء].
8- الاستثناء فيه، أي تعليق الدعاء بمشيئة الله تعالى (مثل قول اللهم اغفر لي إن شئت) لما في ذلك من شائبة الاستغناء عن المطلوب والمطلوب منه، ولما في ذلك أيضا من الإشعار بأنَّ لله مكرها له، تعالى الله عن ذلك.
9- التوسُّل البدعيُّ فيه، كالتوسُّل بجاه النبي أو بذاته الشريفة، أو بغيره من الأنبياء والملائكة والصالحين.
أولى ما يُدعى به
أولى ما يدعى به وما يُستعمل منه ما صحَّت به الرواية عن رسول الله وثبت عنه بالأسانيد الصحيحة، فإنَّ الغلط يعرض كثيرا في الأدعية التي يختارها الناس، لاختلاف معارفهم، وتباين مذاهبهم في الاعتقاد والانتحال.
قال الطبراني مبينا سبب تأليفه "كتاب الدعاء": هذا الكتاب ألفته جامعا لأدعية رسول الله ، حداني على ذلك أني رأيت كثيرا من الناس قد تمسكوا بأدعية سجع، وأدعية وضعت على عدد الأيام مما ألفها الوراقون، لا تروى عن رسول الله ، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن أحد من التابعين بإحسان، مع ما روي عن رسول الله من الكراهية للسجع في الدعاء، والتعدي فيه. فألفت هذا الكتاب بالأسانيد المأثورة عن رسول الله اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "القاعدة الجليلة" (1/336 -مجموع الفتاوى-): وينبغي للخلق أن يدعوا بالأدعية المشروعة التي جاء بها الكتاب والسنة، فإنَّ ذلك لا ريب في فضله وحسنه، وأنَّه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقا. اهـ