الكرة .. أفيون الشعوب المتخلفة
أن يتراجع دور العلم والعلماء ويتفوق عليه ويسود دور لاعب الكرة ، فإنها مأساة تؤدي لا محالة بالأمة إلى الهلاك والدمار ، فليس بالكرة وحدها تتقدم الأمم ، والنصر في الملاعب لن ينقل الأمة المتخلفة إلى مصاف الأمم المتقدمة . أن يصبح دخل لاعب الكره يعادل دخل جميع الأساتذة في قسم من أقسام كليات العلوم والهندسة والزراعة والطب والتربية فهذا معناه تحول مصير الأمة من العقول إلى الأقدام ، ومن المختبرات والبحوث العلمية إلى الجنون والركل بالأقدام في الملاعب .
أن تخرج الجماهير عن بكرة أبيها تهتف للكرة وتترك الشوارع غير نظيفة والقمامة مكدسة في كل مكان فهذا معناه أن الجماهير وجهت إلى ما يضرها ولم تعد تعي ما ينفعها .
أن يهتم المثقفون والإعلام بكرة القدم ويترك المرضى والعاطلون والأرامل والعجائز من دون اهتمام فهذه مأساة ما بعدها مأساة .
أن تهتف الجماهير للاعبين في الملاعب ولا تهتم بحياة العلماء والباحثين والمخترعين والمتميزين علميًا فهذا معناه أن سفينتنا ضلت طريقها وأنها تسير نحو الهاوية بعد أن دخلت في وادٍ من الشعاب المرجانية مخيف .
أن يجد السياسيون في كرة القدم طريقًا للالتفاف حولهم ولا يجدون الجماهير تهتف حولهم لنجاحهم في حل مشكلاتهم فهذا معناه أنهم نجحوا في تخدير شعوبهم وسوقها نحو حتفها وهي تغني وترقص مذبوحة من شدة الأم وتتقاتل كالمجانين , وهذه مأساة كبرى ما بعدها مأساة .
أن لا تجد الجماهير كرامة لها أو متنفسًا إلا في ركلة قدم أو ضربة جزاء صائبة أو صفارة حكم ، ولا تجدها في مدارسها وجامعاتها ومراكز بحوثها وتقدمها فهذا معناه أن الجماهير تتلذذ بركلة القدم والضرب فوق رؤوسها وهي لا تدري أنها في غيابات الجب وفي الثقب الأسود .
أن تستخدم الكرة والفضائيات والكهنوتية والسحر والشعوذة وتفسير الأحلام والجن والعفاريت في تسيير الجماهير وجذبها , فهذا معناه تخدير الجماهير وفقدان عقلها الجمعي ووعيها الاجتماعي والثقافي .
أن يتخلف العربي علميًا واقتصاديًا وبيئيًا وسياسيًا وتربويًا وتعليميًا وتسبقنا الصين والهند وماليزيا وتايوان وجنوب أفريقيا علاوة على اليابان التي دمرت بالقنابل الذرية وبدأت نهضتها مع نهضة كبرى الدول العربية , فهذا معناه أننا الآن في ذيل القاطرة وفي مقابر الشعوب المتخلفة وفي متاحف التاريخ القديم . وقد تأكد ذلك بخروج جامعتنا العربية من المنافسات الدولية وحتى الكرة التي وضعنا أملنا فيها فشلنا فيها فأين ملاعبنا من ملاعبهم ، ولاعبونا من لاعبيهم ، وحكامنا للكرة من حكامهم للكرة ، وانتصاراتنا الكروية من انتصاراتهم الكروية ونوادينا من نواديهم ؟!. لقد عمرنا ملاعبنا وخربنا مدارسنا وجامعاتنا وبيوتنا بأيدينا ، قدرنا لاعبي الكرة وأهملنا أهل العلم والعلماء .
المخرج الوحيد للأمة العربية يكمن في نهضة تعليمية علمية تربوية خلقية تعيد للأمة كرامتها وللشعوب العربية وعيها وعزتها لنخرج من الثقب الأسود الذي أُدخلنا فيه , ونكسر ونحطم القيود والأغلال التي لُفت على أيدينا وأعناقنا ، ونخرج من سجن التخلف الذي حبسنا فيه .
لقد عبر الأستاذ المحرقي في رسم كاريكاتوري بأخبار الخليج البحرينية وغيره عن مأساتنا تعبيرًا متميزًا بذاك الرسم المعبر والمبدع والمتميز وعبرت الجماهير عن ضياعها وتخديرها والتغرير بها بما يحدث وحدث في مباريات كرة القدم ، فالكل يتربص بالكل ، وضاع العقل العربي كما ضاعت ركلات الجزاء الخائبة والأوقات الضائعة في مباريات كرة القدم التافهة والفاشلة والخائبة .
أن ينسى العدو الأول والحقيقي والصهيوني للأمة العربية ويصبح المواطن العربي هو العدو اللدود للمواطن العربي فهذا معناه أن مخططات الأعداء نفدت إلى الجهاز العصبي المركزي للأمة ، وأن بوصلة الأمة لم تعد تعمل ، وأن سفينتها تتخبط في ظلمات (({أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ })) [ النور40] .
مسئولية إخراجنا من هذه الظلمات تقع على عاتق المتنفذين والتربويين والإعلاميين والمثقفين والكتاب والمخلصين بألا يتركوا الأمة تضيع بيد السفهاء والجهلاء وأنصاف المتعلمين حاملي المديّ والعصي والطوب والنار في ملاعب الكرة وفي شوارعنا ومياديننا العامة .