في تلك القرية الصغيرة والبيوت القديمة وفي ربوع الوديان التي تبتسم بها الرمال
والحقول الواسعة مع تغريد العصافير وشروق الشمس التي بدأت ترسل خيوط أشعتها
الذهبية على ذلك الوادي ومع أصوات المواشي وصياح ذلك الديك من البيت الصغير
الذي نشأ فيه ذلك الشاب المتواضع ذلك الشاب النبراس .. القدوة إنه الشاب ..
أحمد ..
بدأ أحمد مسيرة حياته بالعلم وأنهاها بذلك فقد بدأ بنشر سلاح الحياة في تلك
القرية وحاول جاهداً تطويرها ... ثم مرت عليه الأيام سعيداً حيث كان يعيش مع
أمه وأبيه وأخوته في سعادة غامرة .. عاش الطفولة بكل براءة .. ثم عاش الشباب
بكل معانيه السامية ..
وعندما كبر أحمد وترعرع في تلك القرية واشتد عضده فكر أن يغير قريته الصغيرة
إلى عالم واسع فتزوج من ابنة عمه التي أصبحت عوناً له وسنداً عند الشدائد ثم
انتقل بعد ذلك للرياض ليبحث عن لقمة العيش له ولأولاده ، لكن عندما ذهب كان
يحمل بين طيات جسده ذلك المرض الذي يعلم بأمره .. ومرت عليه الأيام تلو الأيام
والسنة تلو الأخرى ، ولكن كان يتخللها شعور بالألم الفظيع يسري في عروقه ولكنه
صبر وكافح واجتهد في هذه الحياة ليجلب لأهله ما يكفيهم لقوت يومهم ولما اطمأن
أحمد على أهله من جميع النواحي واستقرت حالته الصحية والمالية ودخلوا في بوابة
يملؤها الأمان والاستقرار والسعادة .. وفجأة .. إذا بهم يخرجون منها ليدخلوا
دوامة الرعب والأسى لمنظر أحمد الطريح على فراشه ذهب أحمد للطبيب في أحد الأيام
وإذا به يسمع ما لم يكن في الحسبان من قبل لقد قال له الطبيب قولاً زاد في
تهويل ذلك المرض عليه لقد أخبره الطبيب بأنه يعاني من مرض خبيث في القدم وأنه
لا بد من استئصاله .. عندها حاول أحمد عبثاً معالجة نفسه وأجريت له عدة عمليات
ولكن كانت قدرة الله فوق كل تدبير وتنظيم فقد عاد أحمد من عمله في أحد الأيام
ورقد على فراشه ولم ير أهله وأبناءه نضارة وجهه بعد ذلك ولا عذوبة ابتسامته فقد
اشتد عليه الألم أكثر مما كان يتوقعه ولم يعد يستطيع الوقوف على قدميه حتى
للصلاة ثم أنه كان يصبر كل السنون دون علم حتى زوجته بأمر مرضه ولكن عندما اشتد
عليه المرض حضر إليه إخوانه من كل بلد وعلموا بأمر مرضه وذهبوا به للمستشفى
فكانت الفاجعة لقد أمر الطبيب ببتر الجزء المصاب بالمرض قبل أن ينتشر في جسده
كله ولكن ذلك الجزء من الصعب التخلي عنه ولكن أحمد صبر وظل بلا قدم ولا ساق
طيلة ما يقارب الشهرين وهكذا حتى جاء ذلك اليوم الحزين عندما أيقظه إخوانه
للصلاة في الفجر وهو على فراشه لذا اضطروا لإحضار إبريق الماء إليه عندها جلس
أحمد ليتوضأ فلما فرغ من الوضوء وكبر للصلاة غشي عليه وهكذا ثلاث مرات عندها
قام فتوضأ وصلى فلما فرغ من صلاته غفا قليلاً في البداية استغرب إخوانه من
حالته ولكنهم علموا فيما بعد أن أحمد كان يعالج سكرات الموت وبعد برهة من الزمن
استيقظ أحمد وأخذ ينادي إخوته وبالأخص محمد فيقول يا محمد ضعني على جنبي الأيمن
فترك أخوه ما في يده ثم وضع أحمد على جنبه الأيمن ثم لفظ أحمد بشهادة أن لا إله
إلا الله وأن محمداً رسول الله وفاضت روحه إلى بارئها .. نعم .. لقد فارق
الحياة أحمد ولم يعد كما قبل دقائق معدودة .. إن أحمد لم يعد يتكلم ولم يعد حتى
يتنفس أخذ أحمد ينادي أخوه أحمد ويقول أخي لماذا لا ترد عليَّ .. ولكن .. دون
جدوى ذهبت زوجته لتراه وترى حاله وعندما نظرت إليه وتمعنت فيه فإذا هي ترى ما
لم تتوقعه لقد أصبح وجهه مشرقاً واشتد بياضه وعادت ابتسامته العذبة على شفتيه
التي طالما انتظرها أهله منه في مرضه والتي افتقدوها منه منذ فترة ليست وجيزة ،
لقد ابتسم أحمد في تلك اللحظة نتيجة لأعماله الصالحة التي كان يزرعها في الدنيا
ليحصدها طيبة مباركة في أحرج لحظة ..
ولكن مات أحمد وترك لزوجته العناء والشقاء خلف لها سبعة أبناء أصغرهم في ذلك
الحين لا يتجاوز الـ 6 أشهر وأنا أحدهم فأجزل الله لها المثوبة والعطاء ورحمك
الله يا والدي الحبيب ..
من كتاب ( فضاءات حالمة )
إصدارات وهج الحياة للإعلام
-------------------------------
تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت
الملائكة : ولك بمثل »