فصل
ونؤمن بأن الله تعالى بعث إلى خلقه رسلا (مبشرين
ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما)
[النساء 165] ونؤمن بأن أولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين
(إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده) [النساء 163] (ما
كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) [الأحزاب 40]
وأن أفضلهم محمد ثم إبراهيم ثم موسى ثم نوح وعيسى ابن مريم وهم المخصوصون
في قوله تعالى (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى
وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) [الأحزاب 7]
ونعتقد أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم حاوية لفضائل شرائع هؤلاء الرسل
المخصوصين بالفضل لقوله تعالى (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي
أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تفرقوا
فيه) [الشورى 13]
ونؤمن بأن جميع الرسل بشر مخلوقون ليس لهم من خصائص الربوبية شيء، قال الله
تعالى (ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك)
[هود 31] وأمر الله محمدا وهو آخرهم أن يقول (لا أقول لكم عندي خزائن الله
ولا اعلم الغيب ولا أقول إني ملك) [الأنعام 50] وأن يقول (لا أملك لنفسي
نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله) [الأعراف 188] وأن يقول (إني لا أملك لكم
ضرا ولا رشدا . قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا)
[الجن 21-22]
ونؤمن بأنهم عبيد من عباد الله أكرمهم الله تعالى بالرسالة ووصفهم
بالعبودية في أعلى مقاماتهم وفي سياق الثناء عليهم، فقال عن أولهم نوح
(ذرية م حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا) [الإسراء 3] وقال في آخرهم محمد
صلى الله عليه وسلم (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين
نذيرا) [الفرقان 1] وقال في رسل آخرين (واذكر عبادنا إبراهيم وإسحق ويعقوب
أولي الأيدي والأبصار) [ص 45] (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب) [ص
30] وقال في عيسى ابن مريم (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلنه مثلا لبني
إسرائيل)ز [الزخرف 59]
ونؤمن بأن الله تعالى ختم الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وأرسله
إلى جميع الناس لقوله تعالى (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا
الذي له ملك السموت والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله
النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلمته واتبعوه لعلكم تهتدون) [الأعراف 158]
ونؤمن بأن شريعته صلى الله عليه وسلم هي دين الإسلام الذي ارتضاه اله تعالى
لعبادة وأن الله تعالى لا يقبل م أحد دينا سواه لقوله تعالى (إن الدين عند
الله الإسلام) [آل عمران 19] وقوله (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم
نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) [المائدة 3] وقوله (ومن يبتغ غير الإسلام
دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) [آل عمران 85]
ونوى أن من زعم اليوم دينا قائما مقبولا عند الله سوى دين الإسلام من دين
اليهودية أو النصرانية أو غيرهما فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتدا،
لأنه مكذب للقرآن. ونرى أن من كفر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى
الناس جميعا فقد كفر بجميع الرسل، حتى برسوله الذي يزعم أنه مؤمن به متبع
له لقوله تعالى (كذبت قوم نوح المرسلين) [الشعراء 105] فجعلهم مكذبين لجميع
الرسل مع أنه لم يسبق نوحا رسول، وقال تعالى (إن الذين يكفرون بالله ورسله
ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون
أن يتخذوا بين ذلك سبيلا . أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا لهم عذابا مهينا)
[النساء 150-151]
ونؤمن بأنه لا نبي بعد محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ادعى النبوة
بعده أو صدق من ادعاها فهو كافر لأنه مكذب لله ورسوله وإجماع المسلمين.
ونؤمن بأن للنبي صلى الله عليه وسلم خلفاء راشدين خلفوه في أمته علما ودعوة
وولاية على المؤمنين، وبأن أفضلهم وأحقهم بالخلافة أبو بكر الصديق ثم عمر
ابن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.
وهكذا كانوا في الخلافة قدرا كما كانوا في الفضيلة، وما كان الله تعالى ـ
وله الحكمة البالغة ـ ليولي على خير القرون رجلا وفيهم من هو خير منه وأجدر
بالخلافة.
ونؤمن بأن المفضول من هؤلاء قد يتميز بخصيصة يفوق فيها من هو أفضل منه،
لكنه لا يستحق بها التفضيل المطلق على من فضله، لأن موجبات الفضل كثيرة
متنوعة.
ونؤمن بأن هذه الأمة خير الأمم وأكرمها على الله عز وجل، لقوله تعالى (كنتم
خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) [آل
عمران 110]
ونؤمن بأن خير هذه الأمة الصحابة ثم التابعون ثم تابعوهم، وبأنه لا تزال
طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي
أمر الله عز وجل.
ونعتقد أن ما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم من الفتن، فقد صدر عن تأويل
اجتهدوا فيه فمن كان منهم مصيبا كان له أجران، ومن كان منهم مخطئا فله أجر
واحد وخطؤه مغفور له. ونرى أنه يجب أن نكف عن مساوئهم فلا نذكرهم إلا بما
يستحقونه من الثناء الجميل، وأن نطهر قلوبنا من الغل والحقد على أحد منهم
لقوله تعالى فيهم (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم
درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى) [الحديد 10]
وقوله تعالى (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين
سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم)
[الحشر 10]
فصل
ونؤمن باليوم الآخر، وهو يوم القيامة الذي لا يوم
بعده، حين يبعث الله الناس أحياء للبقاء إما في دار النعيم وإما في دار
العذاب الأليم.
فنؤمن بالبعث وهو إحياء الله تعالى الموتى حين ينفخ إسرافيل في الصور
النفخة الثانية (ونفخ في الصور صعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء
الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم ينظرون) [الزمر 68] فيقوم الناس من قبورهم
لرب العالمين، حفاة بلا نعال عراة بلا ثياب غرلا بلا ختان (كما بدأنا أول
خلق نعيده وعد علينا إنا كنا فعلين)ز [الأنبياء 104]
ونؤمن بصحائف الأعمال تعطى باليمين أو من وراء الظهور بالشمال (فأما من
أوتي كتابه بيمينه . فسوف يحاسب حسابا يسيرا. وينقل إلى أهله مسرورا. وأما
من أوتي كتابه بشماله فسوف يدعو ثبورا. ويصلى سعيرا) [الانشقاق 7-12] (وكل
إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا.
اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) [الإسراء 13-14]
ونؤمن بالموازين توضع يوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا (فمن يعمل مثقال ذرة
خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) [الزلزلة 7،8] (فمن ثقلت موازينه
فأولئك هم المفلحون. ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم
خالدون. تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون) [المؤمنون 102-104] (من جاء
بالحسنة فه عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا
يظلمون). [الأنعام 160]
ونؤمن بالشفاعة العظمى لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة. يشفع عند الله
تعالى بإذنه ليقضي بين عباده حين يصيبهم من الهم والكرب مالا يطيقون
فيذهبون إلى آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى حتى تنتهي إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم. ونؤمن بالشفاعة فيمن دخل النار من المؤمنين أن
يخرجوا منها وهي للنبي صلى الله عليه وسلم وغيره من النبيين والمؤمنين
والملائكة. وبأن الله تعالى يخرج من النار أقواما من المؤمنين بغير شفاعة
بل بفضله ورحمته.
ونؤمن بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى
من العسل وأطيب من رائحة المسك، طوله شهر وعرضه شهر وآنيته كنجوم السماء
حسنا وكثرة، يرده المؤمنون من أمته، من شرب منه لم يضمأ بعد ذلك.
ونؤمن بالصراط المنصوب على جهنم يمر الناس عليه على قدر أعمالهم، فيمر
أولهم كالبرق ثم كمر الريح ثم كمر الطير وشد الرجال، والنبي صلى الله عليه
وسلم قائم على الصراط يقول: يا رب سلم سلم، حتى تعجز أعمال العباد ، فيأتي
من يزحف، وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة تأخذ من أمرت به، فمخدوش
ناج ومكردس في النار.
ونؤمن بكل ما جاء في الكتاب والسنة من أخبار ذلك اليوم وأهواله، أعاننا الله عليها.
ونؤمن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الجنة أن يدخلوها، وهي للنبي خاصة.
ونؤمن بالجنة والنار، فالجنة دار النعيم التي أعدها الله للمؤمنين المتقين،
فيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (فلا تعلم
نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) [السجدة 17]
والنار دار العذاب أعدها الله تعالى للكافرين الظالمين، فيها من العذاب
والنكال ما لا يخطر على البال (إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها
وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا)
[الكهف 29]
وهما موجودتان الآن، ولن تفنيا أبد الآبدين (ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا
يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له
رزقا)[الطلاق 11] (إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا . خالدين فيها أبدا
لا يجدون فيها وليا ولا نصيرا. يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا
أطعنا الله وأطعنا الرسولا) [الأحزاب 64-66]
ونشهد بالجنة لكل من شهد له الكتاب والسنة بالعين أو بالوصف. فمن الشهادة
بالعين الشهادة لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ونحوهم ممن عينهم النبي صلى الله
عليه وسلم. ومن الشهادة بالوصف الشهادة لكل مؤمن أو تقي.
ونشهد بالنار لكل من شهد له الكتاب والسنة بالعين أو بالوصف، فمن الشهادة
بالعين الشهادة لأبي لهب وعمر بن لحي الخزاعي ونحوهما، ومن الشهادة بالوصف
الشهادة لكل كافر أو مشرك شركا أكبر أو منافق.
ونؤمن بفتنة القبر، وهي سؤال الميت في قبره عن ربه ودينه ونبيه فـ( يثبت
الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الآخرة) [إبراهيم 27]
فيقول المؤمن: ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد. وأما الكافر والمنافق
فبقول: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته.
ونؤمن بنعيم القبر للمؤمنين (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) [النحل 32]
ونؤمن بعذاب القبر للظالمين الكافرين (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت
والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم
تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون) [الأنعام 93]والأحاديث
في هذا كثيرة معلومة، فعلى المؤمن أن يؤمن بكل ما جاء به الكتاب والسنة من
هذه الأمور الغيبية وأن لا يعارضها بما يشاهد في الدنيا، فإن أمور الآخرة
لا تقاس بأمور الدنيا لظهور الفرق الكبير بينهما. والله المستعان