قال الأصمعي : قصدت في بعض الأيام رجلا كنت
أغشاه لكرمه فوجدت على بابه بواباً فمنعني من الدخول إليه، ثم قال : والله يا أصمعي
ما أوقفني على بابه لأمنع مثلك الدخول إليه إلا رقه حاله وقصور يده، فكتبت رقعة
أقول فيها :
إذا كان الكريم له حجاب *** فما فضل الكريم على اللئيم
ثم قلت له : أوصل رقعتي هذه إليه ففعل، فعادت الرقعة وقد وقّع على ظهرها :
إذا كان الكريم قليل مال *** تستر بالحجاب عن الغريم
وأرسل مع الرقعة صرة فيها خمسمائة دينار، فقلت والله لأتحفن أمير المؤمنين بهذا
الخبر، (فما مرَّ بي مثله) فجئت إليه، فلما رآني قال لي : من أين يا أصمعي ؟ قلت من
عند رجل أكرم الأحياء حاشا أمير المؤمنين. قال : ومن هو ؟ قلت : رجل قراني علمه
وماله، ثم دفعت إليه الرقعة والصرة (وأعدت عليه الخبر فلما رأى الصرة لبد وجهه)
فقال : هذا ختم بيت مالي، ولا بد لي من الرجل الذي دفعها إليك، فقلت والله يا أمير
المؤمنين إني لأستحيي أن أُروّعه برسلك، فقال لبعض خواصه : امض مع الأصمعي فإذا
أراك الرجل فقل له : أجب أمير المؤمنين من غير إزعاج ولا إظهار شدة، قال : فلما حضر
الرجل بين يدي أمير المؤمنين قال : أما أنت بالأمس الذي وقفت بموكبنا وشكوت إلينا
رقة حالك وأن الزمان قد أناخ عليك بكلكله ؟ فدفعنا إليك هذه الصرة لتصلح بها حالك،
فقصدك الأصمعي ببيت شعر واحد فدفعتها إليه، فقال : والله ما كذبت فيما شكوته لأمير
المؤمنين من رقة الحال، وصعوبة الزمان، لكني استحييت من الله أن أعيد قاصدي إلا كما
أعادني أمير المؤمنين، فقال أمير المؤمنين : لله أنت فما ولدت العرب أكرم منك، ثم
أمر له بألف دينار، قال الأصمعي : فقلت ألحقني يا أمير المؤمنين فتبسم، وأمر أن
تكمل لي ألف دينار وأعاد الرجل من جملة ندمائه.