حزمت أمتعتي ووضعتها بالسيارة وتوكلت على الله تعالى
لأقضي إجازتي في بلدي وكان هذا الصيف حرارته قد تجاوزت فوق الاحتمال ولكن عزاءنا بوجود جهاز التكييف بالسيارة
وانتهينا من معاملات الحدود ، وأخذت المركبة تشق طريقها بالصحراء وما بين مدينة وأخرى عشرات الكيلوات .
وفي منتصف الطريق شد انتباهي لمؤشر الحرارة يرتفع رويدا
رويدا...................وتحاملت على نفسي وأغلقت جهاز التكييف ......ولكن
دون جدوى........
أوقفت السيارة بجانب الطريق ، وإذ بها خلل لا يمكن السير بها ......................
وبدأت الدقائق ساعات من طول الانتظار عسى أن تنقذني سيارة أو حافلة أو حتى
لو..............بعير.............أجد عند راكبه ماء.......
وبعد اللجوء لله سبحانه وتعالى ......فرجت لله الحمد...........ووصلت
للمدينة التالية ودخلت احدى الفنادق ،بعد هذا العذاب ، وألقيت جسدي لا أعلم
بأي زاوية من الغرفة ألقيته...........
استيقظت بعد ساعات وأصلحت سيارتي......وجلست أتناول غذائي.....وأخذت ذاكرتي
تستعرض ما حصل لنا ...وكيف نفذ الماء الذي كان لدينا وأخذ الظمأ حقه من
أجسادنا .
هذه رحلة يسيرة استغرقت ساعات وإن زاد يوم فقط وحصل ما حصل .لنا ......
فكيف يوم الحشر ويقول جل جلاله في كتابه الكريم ( و إن يوما عند ربك كألف
سنة مما تعدون ) سوره الحج ايه 47
نعم ماذا أعددت لهذا اليوم .... الرحيل الأخير....
اخواني أخواتي بالله
لحظة تأمل وأنت تقف على الصراط المستقيم .... ماذا أعددت لهذا الموقف العظيم ......ماذا أعددت لهذه الرحلة وأي رحلة ..........
رحلة الخلود .. رحلة السعادة أو رحلة الشقاء ..
أقف على درب ( الصراط ) كحد السيف وتحته جهنم التي لها شهيق وزفير من الغيظ
.........وهذا الصراط عليه القناطر أولها قنطرة التوحيد وآخرها قنطرة
المظالم.......
نعم أول قنطرة التوحيد لله الحمد جاوزنا هذه القنطرة بأنا لم نشرك ( بالله ) أحدا بفضل الله عز وجل
وتأتي تباعا الصلاة ...........الزكاة ..........الصيام.............الحج ..........الاغتسال والوضوء ...........................
والقنطرة الاخيرة..............قنطرة المظالم................
قنطرة المظالم :
القناطر السابقة تخطيناها .............بفضل الله تعالى
أخواني : تخيلوا الواحد منا واقف على تلك القنطرة وطابور من البشر لهم حقوق عليك .............
هذه الأم تلك الشمعة التي أحرقت نفسها من أجلك هل وفيت لها حقها ؟
( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ
كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا
حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ
أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى
وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي
ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) الأحقاف
: 15
وهذا الأب هل أكرمته كما أكرمك وجعلك رجلا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى
...........أم سخط عليك لتركك له على كبره ووكلت الخدم لرعايته أم تركته
بدور الرعاية والمسنين .
ألم يذكر لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم إذ قال :
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثلاث
دعوات يستجاب لهن لاشك فيهن دعوة المظلوم ، ودعوة المسافر ، ودعوة الوالد
لولده ) الترمذي وغيره ، وحسنه الألباني .
وهذا الابن هل قمت بتربيته تربية صالحة تنشأ على أصول الدين الحنيف .....أم
تركته تعصف به رياح السموم من سهر خارج البيت دون رقيب أو حسيب مع صحبة
فاسدة تجعل عقله وجسده مرتع لآفات العصر من مخدرات ولهو ومجون وأغاني وغيره
مما يجعل منه من أشباه الرجال ..........
وهذه الابنة هل زرعت بها العفة والوقار وتكون الأم بالمستقبل القريب لتخرج
رجال لهذه الأمة .....أمة محمد صلى الله عليه وسلم ........أم تركتها لذئاب
الشوارع ..... تنهش بجسدها الشبه عاري ......
وهذا اليتيم التي شاءت الأقدار أن تكون وصيا عليه هل حفظت له ماله ؟ ( فأما اليتيم فلا تقهر ) الضحى (9) .......
وهذا الجار هل حافظت على أصول الجيرة .... أم كنت أتلذذ بأجود أنواع
الأطعمة وهو محروم ؟ والأمر كان يشم رائحة طعامك .... أم كنت تسهر لمشاهدة
التلفاز والمذياع بأصواته الصاخبة وجارك مريض لا يعرف النوم......
.............
أم كنت تسترق النظر الى محارمه ............
وهذه الزوجة هل منحتها حقوقها الزوجية ....هل استوليت على اموالها ...... هل افشيت اسرارها الزوجية ما ستر بالليل
واعلنته بالنهار..... هل أعطيتها مؤخرها أم ألقيت بها على قارعة الطريق بدون ذنب .......
وهذا الصديق إن كان هذا الزميل بالعمل أو الديوانية هل استغبته أو حقرته بحضوره أو غيابه ..........
( ويل لكل همزة لمزة ) الهمزة 1
أحبائي بالله : كلنا أولاد آدم عليه السلام ومن منا لم تزل جوارحه وأعظمها
... اللسان ... و قد قال رسول الله لمعاذ بن جبل : ( أَلاَ أُخْبِرُكَ
بِمَلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ . قُلْتُ بَلَى يَا نَبِىَّ اللَّهِ قَالَ :
فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ : كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا. فَقُلْتُ يَا نَبِىَّ
اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ :
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِى النَّارِ
عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ
أَلْسِنَتِهِمْ ). قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
من منا لم يغتب هذا ويسب هذا ويهمز ويلمز لهؤلاء....... وخاصة أخواتي بالله كل واحدة منهن تعلم ما يحصده لسانها
في اليوم ........
أحبابي : لا أريد أن يكون هذا الموضوع ثقيلا على قلوبنا ولكن إن الذكرى تنفع المؤمنين ... ومن منا لا يغفل عن هذه
الأمور بل يستهين بها ومنا للأسف يستمتع بأكل لحم أخيه والخوض بأعراض المسلمين .
والكثير يتقرب لنيل رضا الناس بالخوض في أعراض الغير وخاصة التقرب لأصحاب
السلطة والنفوذ للحصول على أمر من امور الدنيا ...... وينسى أو يتناسى تلك
القنطرة العظيمة وما عليها من أصحاب حق ومظاليم قد سحقتهم بجبروتك وسلطتك
وبطش يدك وحدة لسانك .
أحبائي بالله ... أحبائي بالدين ... أحبائي تحت لواء لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ... وقفة مع النفس وحاسبها
قبل أن تحاسب وكلنا سوف نرحل ... الرحيل الأخير... وأبحث عن مسكين نهرته ،
ويتيم قهرته ، وعامل حقرته ، وموظف أهنته ، وغيرهم وغيرهم ......
وسألت نفسي ماذا أفعل بالذين ظلمتهم .....نعم أرد لهذا حقه من مال أو أرض
.....وأتصدق عن الذي رحل ..... وأترحم عليهم .......وأستغفر لهم
.......والأهم التوبة الصادقة مع الله الرحمن الرحيم الغفور .........