الحمد
لله الذى أكمل لنا الدين و أتم علينا النعمة، و رضى لنا الإسلام دينا، و
الصلاة و السلام على رسول الله، الذى قد بلغنا الرسالة، و أدى ما عليه من
أمانة، و على آله و أصحابه و من دعا بدعوته و استن بسنته إلى يوم الدين ..
أما بعد ..
فى البداية أرجو من القارىء أن يقرأ مقالى المسمى "لماذا الدين الإسلامي ؟؟؟"
يعلم جميع المسلمون أن زيادة ركعة (أو أي ركن مثلا) فى الصلاة متعمدا
يبطلها، مع أنها ركعة فيها قراءة قرآن و ذكر لله و خشوع و خضوع !!!، هل
ينكر علي أحد فى ذلك ؟؟؟!!!، اللهم لا.
و تعلم الأمة أيضا أن نقصان ركعة فى الصلاة متعمدا يبطلها، حتى لو صلى
المسلم بعدها ألف سنة و نافلة !!!، هل ينكر علي أحد فى ذلك ؟؟؟!!!، اللهم
لا.
و تعلم الأمة أن افتتاح الصلاة يكون بالتكبير "الله أكبر"، فلو قال قائل
بدلا منها "لا إله إلا الله" لم تقبل منه صلاته كلها، بالرغم من أن "أفضل
الذكر لا إله إلا الله"!.
و تعلم الأمة أيضا أن الصلاة بغير وضوء غير مقبولة حتى و إن كنت لا تحمل
على جسدك ذرة تراب، و أن الصلاة قبل وقتها مهما كانت سليمة المبنى جيدة
الخشوع لها وزر لا أجر، و أن مسح الخف من باطنه لا يجزىء (قال الإمام علي
رضى الله عنه: " لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه،
وقد رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفّيه")؛ آلاف
الأمثلة تثبت لكل مسلم بسيط أن العبادة تكون بالإتباع و الإتباع فقط "كل
أمر ليس عليه أمرنا فهو رد" (أى مردود على صاحبه) ، "كل بدعة ضلالة".
إنه كما أن بدع الزيادة فى الدين غلو و شر، فإن النقص منه تساهل و شر، و
التحريف فيه شر، و الكتمان فيه شر، فالدين كامل و فهمه موجود و سهل بدون
بدع و خرافات و سفسطات و فلسفات و مجادلات فارغة ليس عليها دليل شرعي.
إننا أمة جماعة و ليست أمة فرد يفرض نفسه أو يفرضه أتباعه و محبيه و مريديه
على الناس بدون شرعية، فيتعصب له و لو مئة مليون، هذا مثلا فى الفرق و
الجماعات، بل إن إمام المسلمين المنتظر - الخليفة الشرعي – من المفترض أن
الذى يختاره هم أهل الحل و العقد من كبار العلماء، و ليس العوام و الفساق و
البلطجية، و لن يكون الباقون فى جاهلية حتى يكون هو فى شرعية.
جماعة المسلمين، أمة واحدة
ظل رسول الله صلى الله عليه و سلم بين الصحابة طيلة حياته يعلمهم العقيدة و
الشريعة الصحيحة، و كان إذا أسلم أحد الناس يدفعه إلى بعض أصحابه ليعلموه
ما تعلموا من أركان الدين الإسلامي، مثلا: الشهادتان و الصلاة و الصوم و
الزكاة و الحج و الحلال و الحرام، و كان دائما يتخولهم النصيحة فى الجُمَع و
فى سفراته و حضراته و يعلم الجاهل منهم و يقوم المعوج، يأمرهم بالمعروف و
ينهاهم عن المنكر.
كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أسوة حسنة لكل من يريد التأسى فى أى
مجال، فكان أسوة للصحابة رضى الله عنهم و من سار على نهجهم إلى يوم الدين؛
إذا سألت عن الدين، فليس هناك أسلم من عقيدة و شريعة رسول الله؛ و إذا سألت
عن التعليم، فلن تجد معلما أفقه منه؛ وإذا سألت عن زوج مثالى بل أسمى من
المثالية نفسها فاسأل، فلن تجد ذلك إلا فى رسول الله؛ إذا سألت عن سياسة
السلام، فلن تجد دولة متماسكة فى كل مجالاتها فى فترات السلام مثل دولة
رسول الله صلى الله عليه و سلم؛ و إذا سألت عن سياسة الحرب، فلن تجد مثالا
أعظم من رسول الله صلى الله عليه و سلم كرجل حرب لم يكن هدفه انتهاب ثروات
الشعوب مثلما تفعل الدول الإستعمارية، و لم يكن هدفه الإنتصار و التشفى من
أعدائه الذين طالما عذبوه و أصحابه ثم طردوه ليس من بيته فقط، بل من بلده
بلد الله الحرام التى كان يحبها أشد الحب لحب الله إياها، بل بعد ذلك سرقوا
ماله و مال أتباعه، و حاربوه أشد الحرب، و بعد أن مكنه الله منهم عفا عن
الجميع، بل لما دخل بلدته فاتحا منتصرا، طأطأ رأسه الشريف تواضعا منه صلى
الله عليه و سلم، وعفا عن الكل صلى الله عليه و سلم، إلا عمن يسمون الآن
مجرمى الحرب و الذين لم يتوبوا بعد كل هذا.
اعطونى نموذجا ممن تتبعون هو أهدى منه أتبعه أيها الناس إن كنتم صادقين؛ و
الله تعجز الكلمات الفقيرة عن التعبير، و أستحيى و الله من عجزى و أسأل
الله العفو و المغفرة.
لم يترك رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرا من أمور الدين إلا و دلنا
عليه، نعم، كل شىء تسأل عن دليله فستجده فى الكتاب و السنة و تقريبات و
شروح العلماء، بداية من آداب قضاء الحاجة مثلا، و حتى فقه الجهاد فى سبيل
الله.
و سأذكر الآن بعض الأدلة النقلية (هذه طريقة السلف) و العقلية (كشرح و توضيح) على ذلك و من أراد التوسع فليرجع إلى كتب العقيدة.
1- قال تعالى {فَإنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا
وإِن تَوَلَّوْا فَإنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ
وهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ * صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ
اللَّهِ صِبْغَةً ونَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ}.
2- قال تعالى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ والْيَوْمَ الآخِرَ وذَكَرَ اللَّهَ
كَثِيراً}.
3- قال تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ}.
4- قال تعالى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ
الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا
تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.
5- قال تعالى {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ
وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ
الْمُبِينُ}.
6- قال تعالى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا
تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ
وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
7- قال تعالى {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ
بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
8- قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا
لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ
يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}.
9- حديث العرباض بن سارية رضى الله عنه حيث قال: صلّى بنا رسول اللّه صلى
اللّه عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها
العيون وَوَجِلت منها القلوب، ، فقال قائل: يارسول اللّه، كأن هذه موعظة
مودعٍ، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: "أوصيكم بتقوى اللّه والسمع والطاعة، وإن
عبداً حبشيّاً فإِنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي
وسنة الخلفاء المهديِّين الراشدين تمسكوا بها وعضُّوا عليها بالنَّواجذ،
وإياكم ومحدثات الأمور، فإِنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلُّ بدعةٍ ضلالةٌ".
10- حديث افتراق الأمم من الذين أوتوا الكتاب بعد أنبيائهم و فيه: "افترقت
اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، وافترقت النصارى
على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، وستفترق هذه الأمة على
ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة". وفي لفظ : "على ثلاث وسبعين
ملة" ، وفي رواية "قالوا : يا رسول الله من الفرقة الناجية ؟ قال : من كان
على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي" ، وفي رواية "قال : هي الجماعة يد الله
على الجماعة"
أى أن جماعة المسلمين أو الفرقة الواحدة التى على الهدى و الآخرون على ضلال
هم من كان على مثل ما كان الرسول صلى الله عليه و سلم عليه فى حياته
وأصحابه.
11- أحاديث الطائفة المنصورة، ومنها: "لاتزال طائفة من أمتى على الحق ظاهرين لايضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى تقوم الساعة".
12- وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، حَيْثُ قَالَ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ
بِمَنْ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ الْحَيَّ لَا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ،
أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانُوا
أَفْضَلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، أَبَرَّهَا قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا
وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِصُحْبَةِ
نَبِيِّهِ وَإِقَامَةِ دِينِهِ، فَاعْرَفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ،
وَاتَّبِعُوهُمْ فِي آثَارِهِمْ، وَتَمَسَّكُوا بِمَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ
أَخْلَاقِهِمْ وَدِينِهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهَدْيِ
الْمُسْتَقِيمِ.
0 تنبيه 1: حينما تقول "الكذابون فى النار" أو "الكذابون ضالون" فليس معنى
ذلك أن الكذابين كافرون مخلدون فى النار، ولكن معناه أن عملهم هذا من
الأعمال التى يعملها أهل النار.
0 تنبيه 2: التحذير من المبتدعة (فرق أو جماعات) و ضلالهم و شرهم و هكذا،
يقصد منه الفكر، العقيدة، المنهج الباطل،و كبار العلماء و ليس العوام
البسطاء، فقد يكون من بعض العوام (المتعاطفين الذين لم تقم عليهم الحجة
لضعف فى عقولهم) من هو أفضل ممن يزعم أنه سلفي (وهو أيضا من المتعاطفين أو
الجاهلين أو المنفرين أو أصحاب الأهواء أو ...).
وُجُوبُ رَدِّ الْمَسَائِلِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ
مَسَائِلُ النِّزَاعِ الَّتِي تَتَنَازَعُ فِيهَا الْأُمَّةُ، فِي
الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ - إِذَا لَمْ تُرَدَّ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ -
لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهَا الْحَقُّ، بَلْ يَصِيرُ فِيهَا الْمُتَنَازِعُونَ
عَلَى غَيْرِ بَيِّنَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ، فَإِنْ رَحِمَهُمُ اللَّهُ
أَقَرَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلَمْ يَبْغِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، كَمَا
كَانَ الصَّحَابَةُ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ يَتَنَازَعُونَ فِي
بَعْضِ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ، فَيُقِرُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلَا
يَعْتَدِي وَلَا يُعْتَدَى عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُرْحَمُوا وَقْعَ
بَيْنَهُمُ الِاخْتِلَافُ الْمَذْمُومُ، فَبَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ،
إِمَّا بِالْقَوْلِ، مِثْلَ تَكْفِيرِهِ وَتَفْسِيقِهِ، وَإِمَّا
بِالْفِعْلِ، مِثْلَ حَبْسِهِ وَضَرْبِهِ وَقَتْلِهِ. وَالَّذِينَ
امْتَحَنُوا النَّاسَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، كَانُوا مِنْ هَؤُلَاءِ،
ابْتَدَعُوا بِدْعَةً، وَكَفَّرُوا مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهَا،
وَاسْتَحَلُّوا مَنْعَ حَقِّهِ وَعُقُوبَتِهِ.
فَالنَّاسُ إِذَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ بَعْضُ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ
الرَّسُولَ: إِمَّا عَادِلُونَ وَإِمَّا ظَالِمُونَ، فَالْعَادِلُ فِيهِمْ:
الَّذِي يَعْمَلُ بِمَا وَصَلَ إِلَيْهِ مِنْ آثَارِ الْأَنْبِيَاءِ،
وَلَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ، وَالظَّالِمُ: الَّذِي يَعْتَدِي عَلَى غَيْرِهِ.
وَأَكْثَرُهُمْ إِنَّمَا يَظْلِمُونَ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ
يَظْلِمُونَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا
بَيْنَهُمْ}، وَإِلَّا فَلَوْ سَلَكُوا مَا عَلِمُوهُ مِنَ الْعَدْلِ،
أَقَرَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، كَالْمُقَلِّدِينَ لِأَئِمَّةِ الْعِلْمِ،
الَّذِينَ يَعْرِفُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ عَاجِزُونَ عَنْ
مَعْرِفَةِ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ،
فَجَعَلُوا أَئِمَّتَهُمْ نُوَّابًا عَنِ الرَّسُولِ، وَقَالُوا: هَذِهِ
غَايَةُ مَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ، فَالْعَادِلُ مِنْهُمْ لَا يَظْلِمُ
الْآخَرَ، وَلَا يَعْتَدِي عَلَيْهِ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ، مِثْلَ أَنْ
يَدَّعِيَ أَنَّ قَوْلَ مُقَلِّدِهِ هُوَ الصَّحِيحُ بِلَا حُجَّةٍ
يُبْدِيهَا، وَيَذُمُّ مَنْ خَالَفَهُ، مَعَ أَنَّهُ مَعْذُورٌ.
ليس كل اختلاف رحمة
قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ
رَبُّكَ}، فَجَعَلَ أَهْلَ الرَّحْمَةِ مُسْتَثْنَيْنَ مِنْ الِاخْتِلَافِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ
وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَنَّهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: "{ قُلْ هُوَ القَادِرُ
عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ
أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ويُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ
انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}، قَالَ:
هَاتَانِ أَهْوَنُ"؛ فتأمل يا عبد الله كيف أن التفرق و الشقاق، و الذى
حتما سيؤدى إلى الحروب الفكرية بل و البدنية أحيانا، كان أشد من أن يرسل
الله العذاب على هؤلاء القوم من فوقهم أو من تحت أرجلهم.
الِاخْتِلَافُ نَوْعَانِ اخْتِلَافُ تَنَوُّعٍ وَاخْتِلَافُ تَضَادٍّ
ثُمَّ إِنَّ أَنْوَاعَ الِافْتِرَاقِ وَالِاخْتِلَافِ فِي الْأَصْلِ قِسْمَانِ: اخْتِلَافُ تَنَوُّعٍ، وَاخْتِلَافُ تَضَادٍّ:
وَاخْتِلَافُ التَّنَوُّعِ عَلَى وُجُوهٍ:
مِنْهُ مَا يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ أَوِ الْفِعْلَيْنِ
حَقًّا مَشْرُوعًا، كَمَا فِي الْقِرَاءَاتِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا
الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، حَتَّى زَجَرَهُمُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «كِلَاكُمَا مُحْسِنٌ».
وَمِثْلُهُ اخْتِلَافُ الْأَنْوَاعِ فِي صِفَةِ الْأَذَانِ،
وَالْإِقَامَةِ، وَالِاسْتِفْتَاحِ، وَمَحَلِّ سُجُودِ السَّهْوِ،
وَالتَّشَهُّدِ، وَصَلَاةِ الْخَوْفِ، وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ، وَنَحْوِ
ذَلِكَ، مِمَّا قَدْ شُرِعَ جَمِيعُهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَنْوَاعِهِ
أَرْجَحَ أَوْ أَفْضَلَ.
ثُمَّ تَجِدُ لِكَثِيرٍ مِنَ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ مِنْ الِاخْتِلَافِ مَا
أَوْجَبَ اقْتِتَالَ طَوَائِفَ مِنْهُمْ عَلَى شَفْعِ الْإِقَامَةِ
وَإِيتَارِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ! وَهَذَا عَيْنُ الْمُحَرَّمِ. وَكَذَا
تَجِدُ كَثِيرًا مِنْهُمْ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْهَوَى لِأَحَدِ هَذِهِ
الْأَنْوَاعِ، وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الْآخَرِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ -: مَا
دَخَلَ بِهِ فِيمَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
وَمِنْهُ مَا يَكُونُ كُلٌّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ هُوَ فِي الْمَعْنَى
الْقَوْلُ الْآخَرُ، لَكِنِ الْعِبَارَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ، كَمَا قَدْ
يَخْتَلِفُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي أَلْفَاظِ الْحُدُودِ، وَصِيَغِ
الْأَدِلَّةِ، وَالتَّعْبِيرِ عَنِ الْمُسَمَّيَاتِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
ثُمَّ الْجَهْلُ أَوِ الظُّلْمُ يَحْمِلُ عَلَى حَمْدِ إِحْدَى
الْمَقَالَتَيْنِ وَذَمِّ الْأُخْرَى وَالِاعْتِدَاءِ عَلَى قَائِلِهَا!
وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَأَمَّا اخْتِلَافُ التَّضَادِّ، فَهُوَ الْقَوْلَانِ الْمُتَنَافِيَانِ،
إِمَّا فِي الْأُصُولِ، وَإِمَّا فِي الْفُرُوعِ، عِنْدَ الْجُمْهُورِ
الَّذِينَ يَقُولُونَ: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ. وَالْخَطْبُ فِي هَذَا أَشَدُّ،
لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ يَتَنَافَيَانِ، لَكِنْ نَجِدُ كَثِيرًا مِنْ
هَؤُلَاءِ قَدْ يَكُونُ الْقَوْلُ الْبَاطِلُ الَّذِي مَعَ مُنَازِعِهِ
فِيهِ حَقٌّ مَا، أَوْ مَعَهُ دَلِيلٌ يَقْتَضِي حَقًّا مَا، فَيَرُدُّ
الْحَقَّ مَعَ الْبَاطِلِ، حَتَّى يَبْقَى هَذَا مُبْطِلًا فِي الْبَعْضِ،
كَمَا كَانَ الْأَوَّلُ مُبْطِلًا فِي الْأَصْلِ، وَهَذَا يَجْرِي كَثِيرًا
لِأَهْلِ السُّنَّةِ.
وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدْعَةِ، فَالْأَمْرُ فِيهِمْ ظَاهِرٌ. وَمَنْ جَعَلَ
اللَّهُ لَهُ هِدَايَةً وَنُورًا رَأَى مِنْ هَذَا مَا يُبَيِّنُ لَهُ
مَنْفَعَةَ مَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنَ النَّهْيِ عَنْ
هَذَا وَأَشْبَاهِهِ، وَإِنْ كَانَتِ الْقُلُوبُ الصَّحِيحَةُ تُنْكِرُ
هَذَا، لَكِنْ نُورٌ عَلَى نُورٍ.
وَالِاخْتِلَافُ الْأَوَّلُ، الَّذِي هُوَ اخْتِلَافُ التَّنَوُّعِ،
الذَّمُّ فِيهِ وَاقِعٌ عَلَى مَنْ بَغَى عَلَى الْآخَرِ فِيهِ. وَقَدْ
دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى حَمْدِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ فِي
مِثْلِ ذَلِكَ، إِذَا لَمْ يَحْصُلُ بَغْيٌ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى
أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ}، وَقَدْ كَانُوا اخْتَلَفُوا فِي قَطْعِ
الْأَشْجَارِ، فَقَطَعَ قَوْمٌ، وَتَرَكَ آخَرُونَ.
وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ
فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا
لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ - فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا
حُكْمًا وَعِلْمًا}، فَخَصَّ سُلَيْمَانَ بِالْفَهْمِ وَأَثْنَى
عَلَيْهِمَا بِالْحُكْمِ وَالْعِلْمِ.
وَكَمَا فِي إِقْرَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ لِمَنْ صَلَّى الْعَصْرَ فِي وَقْتِهَا، وَلِمَنْ
أَخَّرَهَا إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ.
وَكَمَا فِي قَوْلِهِ: إِذَا «اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ
أَجْرَانِ، وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» وَنَظَائِرُ
ذَلِكَ.
وَالِاخْتِلَافُ الثَّانِي، هُوَ مَا حُمِدَ فِيهِ إِحْدَى
الطَّائِفَتَيْنِ، وَذُمَّتِ الْأُخْرَى، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ
بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ
مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ}.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ
فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} الْآيَاتِ.
وَأَكْثَرُ الِاخْتِلَافِ الَّذِي يَئُولُ إِلَى الْأَهْوَاءِ بَيْنَ
الْأُمَّةِ - مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ إِلَى سَفْكِ
الدِّمَاءِ وَاسْتِبَاحَةِ الْأَمْوَالِ وَالْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ.
لِأَنَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ لَا تَعْتَرِفُ لِلْأُخْرَى بِمَا
مَعَهَا مِنَ الْحَقِّ، وَلَا تُنْصِفُهَا، بَلْ تَزِيدُ عَلَى مَا مَعَ
نَفْسِهَا مِنَ الْحَقِّ زِيَادَاتٍ مِنَ الْبَاطِلِ، وَالْأُخْرَى
كَذَلِكَ. وَلِذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ مَصْدَرَهُ الْبَغْيَ فِي قَوْلِهِ:
{وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا
جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}. لِأَنَّ الْبَغْيَ
مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَذُكِرَ هَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ
لِيَكُونَ عِبْرَةً لِهَذِهِ الْأُمَّةِ.
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْبَابِ مَا خَرَّجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ
أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
«ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ
بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا
نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ
فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» .
فَأَمَرَهُمْ بِالْإِمْسَاكِ عَمَّا لَمْ يُؤْمَرُوا بِهِ، مُعَلِّلًا
بِأَنَّ سَبَبَ هَلَاكِ الْأَوَّلِينَ إِنَّمَا كَانَ كَثْرَةَ السُّؤَالِ
ثُمَّ الِاخْتِلَافَ عَلَى الرُّسُلِ بِالْمَعْصِيَةِ.
"كل محدثة - فى الدين - بدعة، و كل بدعة ضلالة، و كل ضلالة فى النار"، هى
كلمات كان يفتتح بها رسول الله صلى الله عليه و سلم خطبه، يهدد من يريد أن
يزيد أو ينقص شيئا من الدين، و الذى كما قلنا من قبل أنه لم يترك لنا شيئا
يهدينا إلى الحق إلا و دلنا عليه، و لم يترك شيئا يضلنا إلا و حذرنا منه،
فتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك؛ كل بدعة سواء
إضافة أو حذف من الدين تؤدى إلى الضلال، و الضلال يؤدى بصاحبه إلى النار
عياذا بالله تعالى.
إن المنهج السلفي هو منهج ملزم لكل مسلم، إن اتباعه فرض، هو ليس مذهبا
اختياريا يتبعه من شاء و يتركه من شاء، و إذا رجعنا إلى أئمة الإسلام
الكبار – الأربعة و غيرهم – فلن نجدهم إلا داعين إلى هذا النهج، لا إلى
اتباع ذواتهم أو مذاهبهم:
* قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى: "إذا صح الحديث فهو مذهبى"، "لا
يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه"، "حرام على من لم يعرف
دليلى أن يفتى بكلامى"، "إذا قلت قولا يخالف كتاب الله تعالى و خبر الرسول
صلى الله عليه و سلم، فاتركوا قولى".
* قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: "إنما أنا بشر أخطىء و أصيب، فانظروا
فى رأيى، فكل ما وافق الكتاب و السنة فخذوه، و كل ما لم يوافق الكتاب و
السنة فاتركوه"، "ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه و سلم إلا و يؤخذ من
قوله و يترك، إلا النبي صلى الله عليه و سلم".
* قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "أجمع المسلمون على أن من استبان له
سنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد"، "كل
مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم عند أهل النقل بخلاف
ما قلت، فأنا راجع عنها فى حياتى و بعد موتى"، "كل حديث عن النبي صلى الله
عليه و سلم فهو قولى، و إن لم تسمعوه منى".
* قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "لا تقلدنى، و لا تقلد مالكا و لا
الشافعي و لا الأوزاعي و لا الثوري، و خذ من حيث أخذوا"، "من رد حديث رسول
الله صلى الله عليه و سلم فهو على شفا هلكة".
أرأيت أخى الحبيب أن هؤلاء أصبحوا أئمة أعلام و لكن لم ينصبوا أنفسهم لنا
أصناما تعبد من دون الله؟؛ ذم الله اليهود و النصارى أنهم فعلوا ذلك فكان
الأحبار و الرهبان يحلون لهم بعض الحرام و يحرمون عليهم بعض الحلال
فيتبعونهم إشباعا لهوى النفوس المريضة، فجعلهم عبادا لهم من دون الله،
{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ ورُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ
والْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا إلَهاً
واحِداً لاَّ إلَهَ إلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}، أرأيت كيف
أن الأئمة يريدون أن يعلمونا عدم التعصب لأقوال أي أحد إلا ما صح فقهه فى
الكتاب و السنة؟، بمعنى أن نتعلم الدليل و مناطه و مرتبته و هل هو منسوخ أم
لا و هل هو مطلق أم مقيد أو هو عام أم خاص، إلى آخر ذلك من الفقه؛ حتى
تكون الخلافات التى بيننا كلها سائغة مقبولة، لا خلافات تضاد.
أرأيت و تأملت أخى الحبيب أن الأمة قد تفرقت حينما تعصبت لأقوال الرجال و
لم يتعصبوا للحق و للحق فقط إخلاصا لله ثم رجاء فى جمع الأمة من جديد كأمة
واحدة هى جماعة المسلمين على مثل ما كان النبي صلى الله عليه و سلم و
أصحابه.
و انظروا عباد الله على بداية انشقاق صف المسلمين عن طريق أناس يفهمون الدين بأهوائهم لا بفهم مجموع الصحابة رضى الله عنهم أجمعين:
* أقبل رجل غائر العينين ناتئ الجبين كث اللحية مشرف الوجنتين محلوق الرأس
(اسمه ذو الخويصرة) إلى رسول الله وهو يقسم قسما، فقال: يا محمد اتق الله؛
فقال: "فمن يطيع الله إذا عصيته، فيأمنني الله على أهل الأرض ولا
تأمنوني؟؟؟!!!!"، فسأل رجل قتله، فمنعه، فلما ولى قال: "إن من ضئضئ هذا
قوما يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام مروق السهم من
الرمية يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل
عاد". فكان هذا الشقي سببا لبدعة الخروج على الأئمة التى سار عليها فرقة
الخوارج عليهم من الله ما يستحقون.
* عن عمر بن يحيى بن عمرو بن سلمة الهمداني قال حدثني أبي قال: كنا نجلس
على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد،
فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا لا،
فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعا، فقال له أبو موسى: يا أبا
عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته ولم أر والحمد لله إلا
خيرا، قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قوما حلقا
جلوسا ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول كبروا مائة
فيكبرون مائة فيقول هللوا مائة فيهللون مائة ويقول سبحوا مائة فيسبحون
مائة، قال: فماذا قلت لهم؟ قال ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك، قال أفلا
أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء؟! ثم مضى
ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم فقال ما هذا الذي أراكم
تصنعون؟! قالوا يا أبا عبد الرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح،
قال فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة
محمد! ما أسرع هلكتكم!، هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون،
وهذه ثيابه لم تبل وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى
من ملة محمد! أو مفتتحو باب ضلالة؟؟؟!!! قالوا والله يا أبا عبد الرحمن ما
أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم حدثنا ( فذكر الحديث السابق ) وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم
ثم تولى عنهم؛ فقال عمرو بن سلمة: فرأينا عامة أولئك الحلق يطاعنوننا يوم
النهروان مع الخوارج.
... ويستفاد منه أن العبرة ليست بكثرة العبادة وإنما بكونها على السنة
بعيدة عن البدعة، وقد أشار إلى هذا ابن مسعود رضي الله عنه بقوله أيضا
"اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة"، ومنها أن البدعة الصغيرة بريد إلى
البدعة الكبيرة.
أرأيتم جحيم البدع التى تفرق الأمة كيف أنها تجعل المسلم يبغض أخاه المسلم،
بل إذا سنحت له الفرصة يحاربه، بل و يقتله؟؟؟!!!، لو تأملتم الفتن التى
قدر الله جريانها أيام الصحابة رضى الله عنهم فستجدون أن المنافقين هم
الذين كانوا يساعدون فى بذر و إنماء الفرقة بين المسلمين (راجعوا مثلا كتاب
"الفتنة بين الصحابة" للشيخ محمد حسان و كتاب "حقبة من التاريخ" للشيخ
عثمان الخميس حفظهما الله).
إننا فى الأيام المقبلة - إن شاء الله- مقبلون تدريجيا على تحقيق و عد الله
و رسوله بالخلافة التى على منهاج النبوة - رغم أنف الحاقدين -، فإياكم أن
تظنوا أن أعداء الأمة لن يساعدوا فى إنماء الفرقة التى بين المسلمين بنفس
السياسة الخبيثة التى اتبعها المنافقون "فرق تسد"، إذا علمنا ذلك و علمنا
أنه لا اعتصام إلا بحبل الله تعالى الكتاب و السنة، و علمنا أنه لا تعاون
إلا على البر و التقوى و اللذين فى الكتاب و السنة، إذن فلنرجع جميعا إلى
الكتاب و السنة بفهم سلف الأمة كما بينت سابقا، حينما لم تكن هناك لا صوفية
و لا أشعرية و لا خوارج و لا مرجئة و لا معتزلة و لا حداثة و لا عصرانية و
لا علمانية و لا جماعات إسلامية خلافاتهم خلافات تضاد.
أختم بذكر بعض المسائل التى قد تشتبه على حضراتكم
لا نختلف معك أن المنهج السلفي هو المنهج الحق، بل نرفض الفرق و الجماعات
المتطرفة أو المميعة للدين، و لكن أليس من الحنكة السياسية و الفقه أن
نتعاون معا ضد أعداء الإسلام الأصليين و الباطنيين المعروف كفرهم و ضلالهم؟
و أقول بعون الله تعالى، فرقوا بين شيئين واضحين و الله لكل ذى لب، أولهما
الرضا بالمناهج الباطلة، و ثانيهما التعاون معهم على مصلحة مشتركة حين
الضرورة.
الأول: هل نرضى بالكفار من يهود و نصارى و بوذيين و هندوس و ...، أو
بالمناهج الكافرة مثل الليبرالية و العلمانية و الشيوعية و الرأسمالية مثلا
؟ الجواب بحمد الله "لا و ألف لا"، فالإسلام هو دين الله الحق و لن نرضى
بدونه بديلا.
الثانى: هل يجوز التعامل و التعاون معهم على مصلحة بل مصالح مشتركة تجلب
الخير للبلاد و العباد بحيث لا تمس الدين الإسلامي و المسلمين بسوء، الجواب
"نعم و ألف نعم"؛ و السؤال الآن هل حينما نتعاون أو نتعامل معهم فى هذه
الحالة نكون راضين عما هم عليه من عقائد باطلة؛ الجواب لا.
إذن يجب على الأمة أن تحرص على جلب مصالحها و درء ما يضرها، و إذا ما
تعاونت مع أى جهة كانت بحيث تكون المصلحة للطرفين أو للمسلمين وحدهم فيجب
ألا تمس العقيدة بسوء ولا تقدم تنازلات دينية، كيف أنه بعقيدته الفاسدة
يؤمن أننى لست مؤمنا و لن أدخل الجنة حسب اعتقاده، و أنا كمسلم أعطى الدنية
لدينى ؟!، لماذا إذا تعاوننا لإطفاء الفتنة الطائفية فى مصر مع أى طرف تجد
من رق دينهم بجهل يحمل المصحف الشريف فى يده و الصليب فى اليد الأخرى!، و
لماذا لا تحمل شعارات و رموز الماسونية و نجمة داوود المزعومة لحل مشاكلنا
مع اليهود و أمريكا ؟؟؟!!!
يجب عل المسلمين تعلم عقيدة الولاء و البراء، و ليس معنى ذلك أننا لا
نتعايش سلميا مع أى طائفة غير محاربة سواء اليهود و النصارى و الشيعة و
الهندوس و غيرهم {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ
يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ ولَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن
تَبَرُّوهُمْ وتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ .
إنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ
وأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وظَاهَرُوا عَلَى إخْرَاجِكُمْ أَن
تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، قد
يقول قائل أوليس هؤلاء يحاربوننا؟، أقول فرق بين اليهودي و النصراني و
العلماني و الليبرالي و غيرهم ممن يعيشون بيننا مسالمين غير محاربين، و بين
من يحاربك باللسان أو بالسنان، هؤلاء المسالمين أيا كانت أفكارهم و
مناهجهم و عقائدهم فالواجب علي دعوتهم إلى الإسلام بالحكمة و الموعظة
الحسنة و المجادلة بالتى هى أحسن؛ إن التصفية العرقية ليست من الإسلام
أبدا، بل الإسلام يدعوا إلى الرحمة و التعايش السلمي لكل المواطنين أيا
كانت ألوانهم أو أجناسهم أو أديانهم، و لكن الرضا القلبي و التمييع العملي
للعقيدة يلحق المسلم بمن يتولاه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ
تَتَّخِذُوا اليَهُودَ والنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ إنَّ اللَّهَ لاَ
يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ . فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم
مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ
فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ
فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ . ويَقُولُ
الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ
أَيْمَانِهِمْ إنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا
خَاسِرِينَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن
دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَهُ
أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ
اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ . إنَّمَا
ولِيُّكُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وهُمْ رَاكِعُونَ . وَمَن يَتَوَلَّ
اللَّهَ ورَسُولَهُ والَّذِينَ آمَنُوا فَإنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ
الغَالِبُونَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ
اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً ولَعِباً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ
مِن قَبْلِكُمْ والْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ واتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم
مُّؤْمِنِينَ . وإذَا نَادَيْتُمْ إلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً
ولَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ}.
ما ذكرته بالأعلى عن علاقة التعاون و التعايش بين المسلم بالكافر، فماذا عن
التعاون المبني على زيادة رفعة المسلمين و نصرة الإسلام بين المسلم السلفي
و المسلم المبتدع و أيضا من هو على منهج جماعة ضالة تشق صف المسلمين أو
تشوه شكل الدين الإسلامي الصحيح أو تشذ فى بعض أو كل أصول الإسلام؟
ليس هناك خلاف أنه فى زمن التمكين للمسلمين و وضوح الرؤية (زماننا زمن فتنة
و ضبابية و غربة نسأل الله أن يزيلها عما قريب) أن أصحاب المناهج الباطلة و
الفرق الضالة يتم الحجر على أفكارهم و لا يسمح لهم بنشر البدع و الخرافات و
الضلال بين الناس (طبعا هذا يمارسه الطرف الآخر ضد السلفيين أيضا و لكن
بالكذب و التضليل)، و لكن فى زمن الفتنة و عدم وجود إمام صالح مُمَكَّن و
وقوع معظم المسلمين فى الجهل المركب الذى صرفهم عن حقيقة دينهم بسبب المكر
الذى يمارس بالليل و النهار ضدهم، فلا بد من زيادة الدعوة إلى الله و توعية
الناس، و لا تمارس سنة هجر المبتدع و زجره إلا مع علماء أهل البدع و
رؤسهم، مع الأخذ فى الإعتبار المصالح و المفاسد و تقديرها تقديرا حكيما
صحيحا، هذه المصالح التى يكون من جرائها تعليم المسلمين دينهم الصحيح بيسر و
بشكل تبلغه أفهام من له بال منهم، فلن ترضى الناس جميعا، هذا محال، تأتى
لتنكر أمرا و اضحا كالشمس على ضال من الضالين المضلين، فتجد من اتباعه
الجهلة من يرد عليك بجهل و حماقة و قد يكون الرد بعيدا كل البعد عن محل
الخلاف بل عن الموضوع الأصلى، بل و تجد السب و اللعن و ما إلى ذلك مما يؤكد
لك على ضحالة علمه و حماقته، قد يكون هذا بسبب ردك على من يتعصب له (بسب
عيب فيه) قد إزداد بعدا عن الحق، ولكنك قد أتيت بخير كثير ممن لهم بصيرة و
علم قد أزيلت الشبهات من رؤسهم، و أيضا فإن ردك العلمي السلفي قد كسر شوكة
هؤلاء المبتدعة خصوصا من تجده يتحدى من يواجهه.
من له بصيرة فسيعلم أن الخلافات الموجودة فى الساحة الآن بين من يسمون زورا
بالجماعات الإسلامية فى أكبر المسائل الفقهية و العقدية التى قد تحدد مصير
الأمة ليست خلافات تنوع بل هى خلافات تضاد، هذا رأيه لا يمكن أن يقبل مع
رأى الآخر، فهذا شرق و هذا غرب، هذا قد يكون حلالا و هذا قد يكون حراما، و
إذا كان ذلك كذلك فماذا نصنع { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا
اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن
تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ والرَّسُولِ إِن كُنتُمْ
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وأَحْسَنُ
تَأْوِيلاً . أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا
بِمَا أُنزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن
يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ
ويُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً . وإذَا قِيلَ
لَهُمْ تَعَالَوْا إلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وإلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ
المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً . فَكَيْفَ إذَا أَصَابَتْهُم
مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ
بِاللَّهِ إنْ أَرَدْنَا إلاَّ إحْسَاناً وتَوْفِيقاً . أُوْلَئِكَ
الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ
وعِظْهُمْ وقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً . وَمَا
أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ بِإذْنِ اللَّهِ وَلَوْ
أَنَّهُمْ إذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ
واسْتَغْفَرَ لَهُـمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً .
فَلا ورَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ
بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ
ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً . وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ
اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إلاَّ
قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ
خَيْراً لَّهُمْ وأَشَدَّ تَثْبِيتاً . وإذاً لآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا
أَجْراً عَظِيماً . ولَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً . وَمَن
يُطِعِ اللَّهَ والرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ
عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ
والصَّالِحِينَ وحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً . ذَلِكَ الفَضْلُ مِنَ
اللَّهِ وكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً}، نعم الحكم بيننا هو كتاب الله و سنة
رسوله، ليس رأيى و لا رأيك و لا رأى فلان من الناس، ماذا نفعل حينما نسمع
عن بعض الجماعات التى تريد أن تتحاكم إلى الطاغوت (ديمقراطية، علمانية،
ليبرالية، رأسمالية، شيوعية)، الإجابة فى الآيات السابقة، هل نسكت و ندفن
رأسنا فى الرمال أم أنه لا بد من الرد خصوصا إن كان هذا رأى رؤوس الجماعة.
ما الذى جعلنا نفرق بين الصوفية و الأشعرية و المعتزلة، و ما يسمى
بالجماعات الإسلامية، ولا بد أن تعلم أولا أن هناك فرقا كبيرا بين جمعية أو
جماعة منظمة تحت مظلة أهل السنة و الجماعة لها هدف محدد و مشروع معين ،
وبين الجماعات الموجودة الآن و التى تشق صف المسلمين، بأن جعلت لنفسها
منهجا خاصا لفهم النصوص و تنزيلها على الواقع، فلها عقيدة و شريعة مختلفة
عن عقيدة السلف الصالح، و تزعم كل واحدة منها أنها هى جماعة المسلمين من
مات و هو خارجها مات ميتة جاهلية !.
ما الذى جعلنا نرفض رفضا شديدا حزب "المدخلية" و أمثالهم - إن صحت التسمية -
و نقبل بكل سرور حزب "جماعة الإخوان المسلمين" مثلا، بل و يدعوا كثيرون من
السلفيين الآن لعدم إنكار المنكر عليهم !، و فضح كبار منظريهم من "التيار
الإصلاحي" كما يسمونه - إصلاح الدين بالعلمانية !!! - ؛ هل نترك شبهاتهم
موجودة على الإنترنت مثلا و لا توجد ردود علمية قوية على هذه الشبهات.
أين سيذهب جمهور المغرر بهم ممن سيظلون يسمعون تنظيرهم للعلمانية، بل و لصق
العلمانية بالإسلام تحريفا و لم يسمعوا ردودا على ضلالاتهم هذه، و إنى قد
كتبت المقال المسمى "أحدث صيحة .. الإسلام العلماني !!!"، و قد كنت أظن
أنهم سيظهرون ما يبطنون بعد خمسين سنة مثلا، فإذا هم يصرحون الآن!!!، تجد
الواحد من كبار أعضائهم بل المرشد العام نفسه يحارب السلفية على الفضائيات و
مواقع الإنترنت و الصحافة، و فى نفس الوقت إذا هم يؤكدون على ولائهم
لأحبابهم من الشيعة، حتى انشق إخوان إيران عن التنظيم الدولي للإخوان
المسلمين بسبب ذلك.
أإنكارنا المنكر عليهم يفرق الأمة، و تحالفهم مع الشيعة و العلمانيين دون
بيان لخطر عقيدتهم بل يدعون إليها فى خسة و هوان لا يفرق الأمة!، يا إخوة،
لقد سمع العالم كله سب أصحاب نبيه و قذف أمهات المؤمنين من هؤلاء، و سمعوا
طعنهم فى القرآن، و سمعوا و سمعوا، أليس منكم رجل رشيد يقول لا أوالى من
والى أعداء الله.
إن النبي صلى الله عليه و سلم قد تعاون مع اليهود، و لكن كان عوام المسلمين
و عوام اليهود و خواصهم يعلمون أنهم ملعونون و مكفرون فى عقيدة المسلمين،
بل إن ذلك مسطر و متلو إلى قيام الساعة، و لم يميع رسول الله الدين من أجل
هذا التعاون و يقول أنتم إخواننا، أنتم مؤمنون بالله، الخلافات بيننا
فرعية، و ما إلى ذلك!؛ إن النبي صلى الله عليه و سلم قد قال عن حلف الفضول
"لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لى به حمر النعم،
ولو أدعى به في الإسلام لأجبت"، و لكن كان المسلمون يعلمون أن هؤلاء
المشركين مشركين كفارا و قد ظلموهم حقوقهم و عذبوهم و قتلوا ذويهم و
أحبابهم، لا بد أن يكون التعاون على بينة و نصيحة، و ليس مبنيا على "أسكت
عنى و أسكت عنك"، إننا فى زمان الفضائيات و الإنترنت و أصبح عوام الأوربيين
و الأمريكان يعلمون الفروقات التى بين الجماعات الإسلامية المزعومة، و
يحاولون تصنيفها و بعضهم يضع تصنيفات قريبة إلى حد كبير من الواقع، فلا
داعى أبدا لكتمان العلم و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
أعود و أأكد ردا على قول البعض: إنك ترى الآن كل القوى المعادية للإسلام
تجهر بالعداء الصريح لكل ما هو إسلامي أفلا نتشارك جميعا فى صد عدوانهم و
نترك خلافاتنا بيننا نحن المسلمون إلى وقت آخر؟، و الجواب الآن أصبح واضحا
جليا - إن شاء الله تعالى - أن توسيع رقعة الخلافات السائغة المقبولة
(خلافات التنوع لا التضاد) و عقد الولاء و البراء عليها فى هذه الأوقات من
أكبر الحماقات، أما الخلافات الغير مقبولة فهذا أفضل وقت لحلها و إظهار
الحق للناس فيها، ثانيا إن كل مسلم متبع أم مبتدع يجد أنه رغما عنه لا بد و
أن يساعد فى رفع راية الإسلام ضد أعدائه، فالذين تراهم الآن يقفون فى صف
أعداء الدين ضد السلفيين و محاولة تشويه صورتهم أمام العالم يكفى أن نقول
لهم "و حسبكموا هذا التفاوت بيننا و كل إناء بالذى فيه ينضح".
هل لا يجوز أن ننكر على الجماعات الإسلامية (كما تسمى) فى هذه الأوقات!،
رسول الله صلى الله عليه و سلم ينكر على المخطىء من الصحابة و هم ذاهبون
للغزوة، و تذكروا حادثة ذات أنواط:
«عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ -وَنَحْنُ
حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ-، ولِلْمُشْرِكِينَ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ
عِنْدَهَا، ويَنُوطُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ
أَنْوَاطٍ، قَالَ: فَمَرَرْنَا بِالسِّدْرَةِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ
اللهِ, اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: اللهُ
أَكْبَرُ، إِنَّهَا السُّنَنُ، قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا
قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ
قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [الأعراف: 138]، لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ
مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» مع أنهم أرادوا المشابهة فقط، و لم يريدوا أن
يعبدوها، فكان في زجره صَلَّى اللهُ عليه و سَلَّم لهم عن هذه المشابهة
خشية أن يؤول أمرها إلى الشرك الأكبر، فقطع مادة المشابهة من أساسها
وجذورها حملاً لهم على السُّنَّة والمعتقد السليم؛ لأنَّ البدع بريد الشرك
الأكبر؛ فكيف نسكت الآن عمن يقولون "الديمقراطية من الإسلام"، "الحرية
مقدمة على تطبيق الشريعة"،"نحن مؤمنون و المسيحيون مؤمنون بوجه آخر" و
يوالون الشيعة و كل أهل البدع و يعادون السلفية، و غير ذلك من الخبال و
الضلال.
أيضا نأخذ من هذه الغزوة فائدة أخرى، أننا لا ننصر بالعدد، فالمسلمون بعد
فتح مكة دخل فيهم من كان قريب العهد بالجاهلية، فقالوا إن المسلمين كانوا
ينتصرون فى المعارك و هم قلة، و اليوم نحن كثرة، و "لن نهزم اليوم من قلة"،
نعم غر بعض الصحابة رضى الله عنهم جميعا عددهم، فأشرف الجميع على الهزيمة
إذ وكلوا إلى أنفسهم فى البداية تعليما من الله ثم نصرهم الكريم لطفا منه و
رحمة، قال الله {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ
ويَوْمَ حُنَيْنٍ إذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ
شَيْئاً وضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ ولَّيْتُم
مُّدْبِرِينَ . ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وعَلَى
المُؤْمِنِينَ وأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وعَذَّبَ الَّذِينَ
كَفَرُوا وذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ . ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ
بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
فإن قال قائل إن هذا من السياسة و الحكمة فى هذا الوقت كما قال النبي صلى
اللهُ عليه و سَلَّم "أخشى أن يقول الناس إن محمدا يقتل أصحابه" حينما طلب
منه أحد الصحابة قتل رأس النفاق و الفتنة، من باب درء المفسدة مقدم على جلب
المصلح