التحذير من أشراط الساعة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُالقمر:1، وهكذا يحذرنا ربنا في كتابه، وقال لنا نبينا صلى الله عليه وسلم: (بعثت أنا والساعة كهذه من هذه)[رواه البخاري 5301 ومسلم 2950]، وأشار بالسبابة والوسطى لقربهما من بعضهما، قال
إن كادت لتسبقني)[رواه أحمد18295]، وهذا نذير لنا من النذر العظيمة،فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ محمد:18.
أنواع أشراط الساعة وعلامات ذلك.
هناك أشراط صغرى، وأشراط كبرى، فالأشراط الصغرى تتقدم الساعة بأزمان متطاولة، وتكون من النوع المعتاد غالباً؛ كقبض العلم، وظهور الجهل، وشرب الخمر، والتطاول في البنيان، فليست في غرابتها والأعجوبة التي فيها كأشراط الساعة الكبرى التي تكون قرب قيام الساعة مباشرة، وفيها أمور عِظام، ليست بمعتادة؛ كظهور الدجال، وخروج يأجوج ومأجوج، والخسوفات الثلاثة العظيمة في العالم؛ في شرقه، وغربه، ووسطه، وظهور النار التي تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى محشرهم، وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وهكذا، ولا يشترط أن تنتهي جميع أشراط الساعة الصغرى حتى تبدأ الكبرى، فقد ترافق بعض الصغرى بداية الكبرى.
والأشراط الصغرى منها ما وقع وانتهى كانشقاق القمر، وبعثة محمد صلى الله عليه وسلم، وظهور النار بأرض الحجاز، ومنها ما وقعت مباديه وأوائله ولم تستحكم بعد؛ كتقارب الزمان، وكثرة الزلازل، وكثرة الهرج، فقد وقع شيء من هذا، ولكن سيكون المزيد من الزلازل، والمزيد من القتل، وهو الهرج.
ومن أشراط الساعة الصغرى ما لم يقع منه شيء بعد لكنه سيقع؛ كأن يحسر الفرات عن جبل من ذهب، وأن تعود جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً، وأن يخرج المهدي من عقب النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا.
وقد ظهرت أشراط كثيرة، أخبر عنها نبينا صلى الله عليه وسلم، تُنبأ المسلم أن نهاية العالم قريبة، وأن الأمر قد دنا.
ومما ظهر من الأشراط التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم وهي من دلائل صدقه ومعجزاته؛ بعثته، وموته، وفتح بيت المقدس، وكثرة التجارة، واستفاضة المال، وكثرة الشح، وظهور الفتن من المشرق، وإتباع هذه الأمة لسنن الأمم الأخرى، وتشبههم بهم، وظهور مدعي النبوة، وقتال التُرك والعجم، وضياع الأمانة، وقبض العلم، وظهور الجهل، وكثرة الشُرط، وانتشار الزنا والربا، وظهور المعازف، وكثرة شرب الخمر، وزخرفة المساجد والتباهي بها، والتطاول في البنيان، وتقارب الزمان، وذهاب البركة من الوقت، وتقارب الأسواق، وكثرة الأسواق، وسرعة العلم بما فيها، وظهور الشرك في هذه الأمة، وقطيعة الرحم، وسوء الجوار، وارتفاع الأسافل، وتشبب المشيخه، والتماس العلم عند الأصاغر، وكثرة الزلازل، وذهاب الصالحين، وأن يكون السلام للمعرفة فقط، وصدق رؤيا المؤمن، وظهور الكاسيات العاريات، وانتشار الكتابة، وانتفاخ الأهلة، وكثرة الكذب، وكثرة شهادة الزور، وكتم الحق، وكثرة النساء، وكثرة موت الفجأة، وتناكر القلوب، وأن يتمنى الموت لشدة البلاء، وسيكون مزيد من أشراط الساعة الصغرى؛ ككلام السباع والجمادات للإنس، وكثرة الروم وقتالهم للمسلمين، وفتح القسطنطينية غير الفتح الذي حصل، فإن هنالك فتحاً في آخر الزمان سيكون بالتكبير، وخروج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه، وقتال اليهود، واستحلال البيت، وهدم الكعبة، وخراب المدينة ونزول الخلافة الأرض المقدسة وبلاد الشام.
إنها أمور مخيفة، وإنها أمور تزلزل كيان الإنسان، وتؤكد له أن الدنيا فانية، وأن القدوم على الله قد اقترب، وأن خراب العالم قد دنا، ومن علم اقتراب الساعة قصر أمله، ولم تركن نفسه إلى الدنيا، وقام بالتوبة، وطرد الغفلة عن نفسه، اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَالأنبياء:1- 2.
الفوائد التي نستفيدها من أشراط الساعة.
لكن يا عباد الله، ماذا نستفيد من إخبارنا بأشراط الساعة؟
- التهيء لها، والعمل الصالح، والتوبة، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (بادروا بالأعمال ستاً)، أي: قوموا بالأعمال قبل أن تظهر ست خصال، وعند ذلك قد لا ينفع العمل، (طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم، أو أمر العامة) [رواه مسلم2947]، وقال لما سأله الأعرابي متى الساعة؟
وماذا أعددت لها)[رواه البخاري 3688]، هذا هو السؤال الكبير، فإذا استشعر العبد قُرب قيام الساعة انشغل قلبه خوفاً من ربه، ورجاء له، وتوكلاً عليه، وإنابة إليه، وصدقاً معه.
- أشراط الساعة تؤكد علينا الثبات على الدين، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام
بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا)[رواه مسلم118].
- أشراط الساعة تعلمنا قضية العبادة حتى لو اضطربت الأمور، وعمت الفوضى، قال عليه الصلاة والسلام: (العبادة في الهرج)، أي: الفتن وكثرة القتل،(كهجرة إليّ)[رواه مسلم2948]، أي: في الأجر والثواب، فإذا غفل الناس، وانشغلوا، وقام هذا يعبد ربه معنى ذلك أن قلبه معمور بمحبته، والإنابة إليه، والصدق معه، والانشغال بذكره، وهكذا المؤمن في وقت الهرج والمرج متصل بالله تعالى.
- إذا عرفت ، حديث
من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال)[رواه مسلم 809]، وأنت تعلم أن قيام الساعة قريب؛ فتحفظ هذه العشرة، وتتعرف على معانيها، وتذكر نفسك أنه مهما جاءت فتن كبار فعندك من الآيات العظام ما تتلى أمام هذه الفتن الكبار فتكف بأسها عنك، (ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي)[رواه أحمد:1449 وهو حديث صحيح]، معنى ذلك: التباعد من الفتن، وعدم المشاركة فيها، وكذلك: (من سمع بالدجال فلينأ عنه)[رواه أبو داود 4319 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير 6301]، فلا تحسن الظن بنفسك، فلا تدري إذا اقتربت من الفتن قد تهوي، وإذا تعرضت لها قد تقع فيها، فابتعد عن فتن الشهوات، وفتن الشبهات؛ لأنك لا تدري إذا فتحت الشاشات، ونظرت بالعينين في هذه الصور والأشكال، وإذا سمعت بأذنك لتلك الشبهات فقد تتأثر وتفتتن بها.
- أشراط الساعة تعلمنا كيف أن علم ربنا العظيم أعجز علوم البشر،يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةًالأعراف:187
الساعة لا تقوم إلا فجأة، الساعة لا تقوم وهناك أحد يتوقع قيامها، تباغت الجميع، وتفاجئ الجميع عند قيامها.
- لما نرى انطباق أشراط الساعة في الواقع يزداد المسلم إيماناً،هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًاالأحزاب:22 .
- أشراط الساعة تعلمنا التماس المكسب الحلال؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر
بين يدي الساعة يظهر الربا)[رواه الطبراني في الأوسط 7695 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة3415]،ينتشر على الشاشات، وبالبطاقات، والحسابات، وفي الأعمال، والوظائف، والصفقات، ينتشر كأنه غبار يطير، ويدخل كل منخر، ولذلك أشراط الساعة تعلمك يا عبد الله أن تتفقه في أحكام المعاملات، البيع والشراء، والإجارة، والكفالة، والحوالة، والرهن، فلا تدخل في باب من أبواب المعاملة إلا بعد أن تعرف أحكامها كما قال عمر:"لا يبع في سوقنا إلا من قد تفقه في الدين"، لماذا؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال عن أشراط الساعة: (ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن حلال أم من حرام)، [رواه البخاري2083].
حتى أموال الصدقات والزكوات بعضها أُكل، وصارت قضية الأخذ من الحرام ربا، وميسر، وسحب جوائز، وتغرير الناس بقيمة المكالمات، والاشتراكات، تدفع خمسة ريال في رسالة جوال، لعلّك تحصل على سيارة، وصار الميسر والقمار الذي لعن الله ورسوله فاعله صار شيئاً عادياً، الناس اعتادوه، وألفوه، وسمعوه، وغاصوا فيه، واشتركوا فيه، ومكالمات لها قيمة عن القنوات، على السمع والبصر، تُعرض على الناس.
- أشراط الساعة تُربي فينا منهج الاستعفاف، فمهما كان الشيء كبيراً إذا كان فيه محظور شرعي فنحن أغنياء عنه، كما جاء في الحديث
لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو)[رواه مسلم2894]، ولذلك قال بعض الرواة لهذا الحديث يوصي ابنه: "إن رأيته فلا تقربنَّه"، ليس فقط لا تأخذ منه شيئاً، لا تقربنه.
- أشراط الساعة تربينا على استقلالية الشخصية الإسلامية، وعدم التشبه باليهود والنصارى والكفار، لا في ملابسهم، ولا في قصاتهم، ولا في عاداتهم، ولا في أعيادهم، أي شيء من خصائص تلك الأديان لا نتشبه بهم فيها؛ لأنه عليه الصلاة والسلام حذرنا فقال: (لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، فقيل يا رسول الله: كفارس والروم؟ قال: ومن الناس إلا أولئك) [رواه البخاري7319]، وفي رواية: (اليهود النصارى؟ قال: فمن) [رواه مسلم2669]، أي: من غيرهم، فهذا نهي عن التشبه بمجوس فارس، واليهود، والنصارى، وماذا سيكون ويحل بهؤلاء من الإثم، وشرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة.
هذا ما أخبر عنه نبيكم صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة لنحذر الشر الذي فيها، ومن ذلك ما يكون في آخر الزمان من خسف، وذهاب بعض الأرض تحت بعضها، وانشقاقها، وذهاب ما فيها وغورها، فقال: (يكون في آخر الأمة خسف ومسخ)، أي: تُغير الخلقة إلى صور الخنازير والقردة،(وقذف)، أي: رمي من السماء بحجارة ونحوها، فقالت عائشة: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم، إذا ظهر الخبث) [رواه الترمذي 2185وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير 8156]، وقد أخبر عن أسباب الخسف والقذف والمسخ، فقال: (إذا ظهرت القينات)، أي: المغنيات، والرقصات،(والمعازف وشربت الخمور)، [رواه الترمذي2212وصححه الألباني4/393].
- ولذلك يجب علينا أن نتعلم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وننشر العلم، والدورات العلمية، وكتب العلم، ونغشى حلق العلماء، وطلبة العلم؛ لأنه قال: (إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل)[رواه البخاري 80 ومسلم2671].
- وكذلك أشراط الساعة تربينا على الرجوع إلى الأكابر من أهل العلم، (إن من أشراط الساعة قال: أن يلتمس العلم عند الأصاغر) [رواه الطبراني في الكبير 908وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير 2207]، أي: ليس صغار السن، وإنما أهل البدع، والذين عندهم قلة في العلم، وكذلك حذرنا من أناس سيظهرون يفتوننا بغير ما أحل وما حرم سبحانه، قال عليه الصلاة والسلام
سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم)[رواه مسلم:6]، عجائب وغرائب الفتاوى، أحاديث موضوعة مكذوبة تنتشر بالبريد الإلكتروني، ورسائل الجوال.
- وكذلك علمنا عليه الصلاة والسلام أنه إذا نزلت الملمات والمدهلمات أن نرجع إلى أهل العلم، هاجت ريح حمراء بالكوفة، فجاء رجل ليس له هجيرى، يعني: شأن، إلا يا عبد الله بن مسعود جاءت الساعة، وكان ابن مسعود متكأً فقعد فقال:"إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة"[رواه مسلم 2899]، وهكذا، أهل العلم يبينون.
- وكذلك فإن أشراط الساعة تذكرنا بصلة الرحم، وحسن الجوار، وإفشاء السلام على الجميع؛ لأن من أشراطها انتشار العقوق، وسوء الجوار، وعدم السلام إلا للمعرفة.
- أشراط الساعة تحثنا على أن نكون أمناء، ونضع الأمناء في مواقع الأمانة؛ لأنه(إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة)[رواه البخاري 6496]هذه أبرز علامة من علامات الساعة الصغرى التي علمها للأعرابي،(إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)[رواه البخاري 6496].
- أن نقوم على أهلينا، وزوجاتنا، وبناتنا، وأخواتنا بأمرهن بالعفاف، والستر، والحجاب، والحشمة؛ لأنه ذكر لنا من أشراط الساعة، (نساء كاسيات، عاريات، مميلات، مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها)[رواه مسلم 2128].
- أن نحذر الفوضى، والدخول في سفك الدماء؛ لأنه قال لنا: (والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيما قتل، ولا المقتول فيما قُتل) [رواه مسلم 2908]، الهرج الهرج.
- أن نحذر من التفاخر بالدنيا؛ لأنه قال: (وإذا تطاول رعاع البهم في البنيان فذاك من أشراطها) [رواه البخاري 50 ومسلم 9]، ليس العيب أن تنشأ عمارات طُولية لحل أزمة السكان؛ لأن البناء الرأسي مع قلة الأراضي وحاجة الناس حل من الحلول، لكن العيب والذم أن يحدث التباهي والتفاخر بذلك، والتعلق بالدنيا.
- البصيرة البصيرة، يعلمنا إياها الشاب الذي يخرج للدجال، شاب من خيرة أهل المدينة، هو أخيرهم في ذلك الوقت يقول للدجال: أنت الدجال الذي أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيشقه الدجال نصفين ويعيده كما كان، فيقول الشاب: "ما ازدت فيك إلا بصيرة، أنت الدجال"، الباطل لابد أن يعرف أنه باطل، وأن يقر أنه باطل، وأن يتضح أمر الباطل حتى لا يروج على الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن فرج للمسلمين عظيم في آخر الزمان، عندما ينزل عيسى بن مريم من السماء في خضم الأزمة، وشدة الكرب، وإمام المسلمين المهدي من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم يؤمهم، وفيهم عيسى، وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم تحكم إلى آخر الزمان، حتى عيسى يحكم بها، وهكذا تتم المعركة الفاصلة بين المسلمين واليهود، فلا يهود بعد ذلك اليوم، والمعركة الفاصلة بين المسلمين والنصارى فلا نصارى بعد ذلك اليوم، فنتعلم ترقب الفرج من ربنا سبحانه وتعالى.
أهمية العبرة من أشراط الساعة.
لابد أن نعتبر، وهناك عبر كثيرة تحدث الآن، لكن ما أكثر العبر، وما أقل المعتبرين،وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ آل عمران:140، لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ الانشقاق:19، غنى بعد فقر، وفقر بعد غنى، شدة بعد رخاء، ورخاء بعد شدة، مرض بعد صحة، وصحة بعد مرض، وخوف بعد أمن، وأمن بعد خوف، والدنيا تتقلب بأهلها، والله يصرف الأمور سبحانه وتعالى، ومن العبر كيف أهلك الله الطغاة من فرعون وقومه، وقوم نوح، وقوم عاد، وقوم ثمود، وبعدهم قارون الذي أرسل الله إليه موسى وهارون، فكفر مع فرعون، فأهلك الله قارون.
كم من ظالم تعدى وجار، فما راعى الأهل ولا الجار، بينا هو يعقد عقد الإصرار، حل به الموت فحل من حلته الأزرار، ما صحبه سوى الكفن إلى بيت البلى والعفن، لو رأيته وقد حلت به المحن، وشين ذلك الوجه الحسن، فلا تسل كيف صار، سال في اللحد صديده، وبلي في القبر جديده، وهجره نسيبه ووديده، وتفرق حشمه وعبيده والأنصار، أين مجالسه العالية، أين عيشته الصافية، أين لذاته الحالية، كم تسفي على قبره سافية، ذهبت العين وأخفيت الآثار، تقطعت به جميع الأسباب، وهجره القرناء والأحباب، وصار فراشه الجنادل والتراب، وربما فتح له في اللحد باب النار، خلا والله بما كان صنع، واحتوشه الندم وما نفع، وتمنى الخلاص وهيهات قد وقع، وخلاه الخليل المصافي وانقطع، واشتغل الأهل بما كان جمع، وتملك الضد المال والدار، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم *** غلب الرجال فلا تنفعهم القلل
واستنزلوا بعد عز عن معاقلهم *** وأسكنوا حفراً يا بأس ما سكنوا
نادهم صارخ من بعد ما دفنوا *** أين الأسرة والتيجان والحلل
أين الوجوه التي كانت محجبة *** من دونها تضرب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حين سائلهم *** تلك الوجه عليها الدود يقتتل
قد طالما أكلوا فيها وما شربوا *** فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا
وطالما كنزوا الأموال وادخروا *** فخلفوها على الأعداء وارتحلوا
وطالما شيدوا دوراً لتحصنهم *** ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا
أضحت مساكنهم وحشاً معطلة *** وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا
أين الكنوز التي كانت مفاتحها *** تنوء بالعصبة المقوين لو حملوا
أين العبيد التي أرصدتهم عُدداً *** أين الحديد وأين البيض والأسل
أين الفوارس والغلمان ما صنعوا *** أين الصوارم والخطية الذبل
هيهات ما كشفوا ضيماً *** ولا دفعوا عنك المنية إذا وافى بك الأجل
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.