منتديات آي ميس يو
التربية الإسلامية و تحديثات العصر Ezlb9t10
منتديات آي ميس يو
التربية الإسلامية و تحديثات العصر Ezlb9t10
منتديات آي ميس يو
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


أكبر منتدى للتعليم و الإبداعات بالعالم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
المنتدى ينصح إستعمـــال برنامج opera للتصفــــــــح
طلب مديرين نشيطين للمنتدى

 

 التربية الإسلامية و تحديثات العصر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
mimou
Admin
mimou


الدولـه : : التربية الإسلامية و تحديثات العصر Jazaer10
ذكر عدد المساهمات : 1108
نقاط : 2272
السٌّمعَة : 0
تاريخ الميلاد : 06/12/1996
تاريخ التسجيل : 01/10/2011
العمر : 27

التربية الإسلامية و تحديثات العصر Empty
مُساهمةموضوع: التربية الإسلامية و تحديثات العصر   التربية الإسلامية و تحديثات العصر I_icon_minitimeالثلاثاء يناير 31, 2012 6:47 pm

التربية الإسلامية
و
تحديات العصر
h
عبد الرحمن بن عبد الله الفاضل

بحث متطلب لمادة التربية الإسلامية وتحديات العصر يقدم لسعادة الدكتور محمد علي أبو رزيزة من قسم التربية الإسلامية والمقارنة بكلية التربية بجامعة أم القرى
ذو الحجة 1427هـ -يناير 2007م






c



c

عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قالَ: قالَ رَسُولُ الله 4 : «مَنْ لاَ يَشْكُرِ النَّاسَ لاَ يَشْكُرِ الله»(الترمذي،1994م ، جـ 6 ، ص61) .
والباحث بمقتضى هذا الحديث يتقدم بخالص الشكر والتقدير لسعادة الدكتور محمد علي أبو رزيزة ، فقد وجد الباحث منه الاهتمام والجدية في البحث والدراسة والحرص على إفادة الطلاب ، وقد استفاد الباحث منه كثيراً أثناء دراسته لمادة التربية الإسلامية وتحديات العصر ، فله من الباحث كل الثناء والتقدير ، أسأل الله أن يجزل له الأجر والمثوبة ، وأن يكتب له الخير حيث كان ، ومتى ما كان ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

g
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين ..... وبعد ،
فإن التربية الإسلامية تستمد أصولها ومسلماتها وغاياتها وأهدافها من ديننا الحنيف وتصب في هذا الإطار أساليبها وعملياتها مستخدمة ومسخرة أدوات العصر وتقنياته في خدمة هذه الغايات .
وكما أن للعصر أدوات ، وتقنيات ، فإن فيه صعوبات ، وتحديات، تواجهها التربية الإسلامية التي يمكنها تجاوز الصعوبات والانتصار على التحديات بسبب خصائصها الفريدة ، وصلاحيتها لكل زمان ومكان .
والقضايا المطروحة كمشكلات وصعوبات وتحديات تواجه التربية الإسلامية كثيرة ، والتساؤلات التي تتصل بتلك التحديات كثيرة أيضاً ، وتؤدي هذه الكثرة والتعدد إلى تباين واختلاف وجهات النظر التي تعالج هذه القضايا ، والمعالجة التي ينطوي عليها هذا البحث تفترض مرونة التربية الإسلامية وقدرتها على التعامل مع مختلف التحديات والصعوبات ، بل والإفادة منها أيضاً .
وقد حاول الباحث من خلال فصول هذا البحث أن يوضح الصلة بين عناصر الموضوع والمتمثلة في تحديات العصر ومعالجة التربية الإسلامية لها .
وتنتظم فصول هذا البحث في تسلسل يهدف إلى معالجة القضايا الرئيسة في هذا الموضوع ، حيث تناول الباحث في الفصل الأول تحدي الحرية، ومفهومها في المنهج الإسلامي، وأنواعها، وواقعها،وكيفية تفعيلها .
كما تناول الفصل الثاني تحدي الحوار ، حقيقته ، وأهميته ، وأهدافه ، وأصوله ، وتقنياته ، والتعلم من خلال الحوار .
وتناول الفصل الثالث تحدي الغلو والتطرف الديني ، مفهومه ، ونشأته ، وأنواعه ، وموقف التربية الإسلامية منه ، وإفرازاته السلبية ، وسبل الوقاية والعلاج منه .
وتناول الفصل الرابع تحدي الإرهاب الفكري ، مفهومه ، وإشكالية تحديد الإرهاب ، وأنواع الإرهاب ، وأسبابه ، وموقف التربية الإسلامية منه ، وسبل الوقاية والعلاج منه .
وتناول الفصل الخامس تحدي غياب دور المرأة ، ومكانتها في الإسلام ، والفوارق الجوهرية بين المرأة والرجل ، والمرأة المسلمة بين التهميش والتحرير ، وكيفية تفعيل دور المرأة في بناء المجتمع المسلم .
وتناول الفصل السادس تحدي العولمة ، ومفهومها ، الفرق بين العولمة وعالمية التربية الإسلامية ، وسلبيات العولمة وإيجابياتها ، وكيفية الاستفادة من إيجابياتها واتقاء سلبياتها .
وقد حاول الباحث تناول العناصر الرئيسة للبحث وعرضها بطريقة متوازنة ، ويرجوا الباحث أن يكون قد وفق في تحقيق الغرض المنشود ، والثغرات الموجودة هي نموذج من القصور الإنساني ، أسأل الله التوفيق والسداد ، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين .

أهمية البحث
تنبع أهمية البحث من أهمية التربية الإسلامية التي تعمل كموجه للعملية التربوية والمناهج التعليمية والبرامج الإرشادية للفرد والجماعة ، محققة ما نصبو إليه من إعداد الإنسان الصالح الذي يعتبر قدوة لغيره من البشر في الاستقامة والخلق ، في المجتمع الصالح الذي يعد نموذجاً لغيره من المجتمعات البشرية في الحياة الفاضلة الكريمة .

تساؤلات البحث
التساؤل الرئيس :
ما أبرز التحديات التي تواجهها وتعالجها التربية الإسلامية ؟
التساؤلات الفرعية :
ما هو تحدي الحرية ؟
ما هو تحدي الحوار ؟
ما هو تحدي الغلو والتطرف الديني ؟
ما هو تحدي الإرهاب الفكري ؟
ما هو تحدي غياب دور المرأة ؟
ما هو تحدي العولمة ؟

أهداف البحث
التعرف على أبرز التحديات المعاصرة التي تواجه التربية الإسلامية .
التعرف على تحدي الحرية .
التعرف على تحدي الحوار .
التعرف على تحدي الغلو والتطرف الديني.
التعرف على تحدي الإرهاب الفكري .
التعرف على تحدي غياب دور المرأة .
التعرف على تحدي العولمة .







1=







التربية الإسلامية
و
تحدي الحرية

 مفهوم الحرية لغةً واصطلاحاً
 مفهوم المنهج لغة واصطلاحاً
 مفهوم الحرية في المنهج الإسلامي
 ضوابط الحرية وحدودها في المنهج الإسلامي
 أنواع الحرية
 مفهوم العالم الإسلامي
 واقع الحرية في العالم الإسلامي
 كيف نفعل الحرية في تربيتنا الإسلامية

مفهوم الحرية
تعريف الحرية لغةً :
" الحر ، بالضم : نقيض العبد " (ابن منظور ، 1410هـ ، جـ 4 ، ص 181 ) .
" والحرة : نقيض الأمة ، والجمع حرائر " ( المصدر السابق ) .
" وتحرير الولد : أن يفرده لطاعة الله عز وجل وخدمة المسجد ، وقوله تعالى (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (آل عمران:35) " ( المصدر السابق ) .
" والحر من الناس : أخيارهم وأفضالهم . وحرية العرب : أشرافهم " ( المصدر السابق ).
" والحرة : الكريمة من النساء " ( المصدر السابق ) .
" الحُرِّيَّةُ : الأرضُ اللينةُ الرمليةُ " ( الفيروز بادي ،1993م )
تعريف الحرية اصطلاحاً :
يمكن تعريف الحرية اصطلاحاً بعدة تعاريف منها :
"1-(انعدام القيود)
2- (عبارة عن قدرة المرء على فعل ما يريده)
3- (إطلاق العنان للناس ليحققوا خيرهم بالطريقة التي يرونها طالما كانوا لا يحاولون حرمان الغير من مصالحهم...)
إلى غيرها من التعاريف التي لا مجال لذكرها في المقام.
ولكن بعد التأمل الدقيق ـ نجد ـ أن مرجع جميع هذه التعاريف إلى جامع واحد وحقيقة مشتركة واحدة ـ هي القدرة على الفعل والاختيار ـ دلت عليها ألفاظ متعددة، وبصور مختلفة... ولذا لم يتحصل لدى الانتقال من تعريف لآخر أمر آخر يضيف على التعريف الأول شيئاً يذكر سوى التبسيط، والتوضيح . " ( حسين ، 1421هـ، 44 )



مفهوم الحرية في المنهج الإسلامي
أولاً : مفهوم المنهج
المنهج في اللغة :
نهج
: طريقٌ نَهْج : بَـيِّنٌ واضِحٌ، وهو النَّهْج ، والـجمع نَهجات ونُهُج ونُهوج
و مَنْهَج الطريقِ : وضَحُه. والـمِنهاج : كالـمَنْهَج . وفـي التنزيل: ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً)(المائدة: من الآية48)
وأَنهَج الطريقُ: وضَحَ واسْتَبانَ وصار نَهْجا واضِحاً بَـيِّناً ، والـمِنهاج : الطريقُ الواضِحُ. واسْتَنْهَج الطريقُ: صار نَهْجا ( ابن منظور ، 1410هـ ، ج2 ، ص 383 )

المنهج في الاصطلاح :
" الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة ، تهيمن على سير العقل ، وتحدد عملياته ، حتى يصل إلى نتيجة معلومة " ( العساف ، 1424 هـ ، ص 169 )

" فن التنظيم الصحيح لسلسلة من الأفكار العديدة ، من أجل الكشف عن الحقيقة " ( أبو سليمان ، 1416هـ ، ص 60 )

" طريق كسب المعرفة ، أوهو الطريقة التي يتبعها الباحث في دراسة المشكلة لاكتشاف الحقيقة ، أو هو الخطوات المنظمة التي يتبعها الباحث في معالجة الموضوعات التي يقوم بدراستها " ( الدغيمي ، 1417هـ ،ص 33 ) .

" كان ظهور الطريقة العلمية نتيجة للجهود المختلفة التي بذلها المهتمون خلال عصور طويلة ، لكن أول ملامح هذه الطريقة ظهرت على يد فرنسيس بيكون في نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر حين اقترح بناء النتائج على أساس مجموعة كبيرة من الوقائع والملاحظات التي يمكن جمعها ، ثم تطور هذا المنهج نتيجة لجهود وأفكار نيوتن وجاليلو فظهر المنهج العلمي ، أو الطريقة العلمية التي تجمع بين الأسلوب الاستقرائي والأسلوب الاستنتاجي القياسي ، أو جمع بين الفكر الذي يمثله الأسلوب القياسي وبين أسلوب الملاحظة الذي يمثله الأسلوب الاستقرائي.
فالأسلوب العلمي أو الطريقة العلمية هي طريقة تجمع بين الفكر والملاحظة وبين القياس والاستقراء "(عبيدات ، 1424 هـ ، ص 44 )

ثانيا : مفهوم الحرية في المنهج الإسلامي

"خص المولى تبارك وتعالى "الإنسان" بالعقل والإدراك والتمييز , وأمر بحفظ حقه في حرية التفكير والتعبير مادام ذلك في حدود الشرع ومصلحة الجماعة , لا يقهر على أمر , ولا يقسر على رأي , ولا يمنع من إبداء الرأي والاجتهاد فيه , لأن هذا قوام :"نموه العقلي" واتساع مداركه وشحذ تفكيره , ومبادئه الإيجابية في بناء حياته الخاصة وفلسفته ونظرته للحياة , وتحقيق طموحاته المستقلة , ومساهمته الفعالة في بناء حياة الجماعة وتطوير نظمها وتراثها الفكري واعلمي والحضاري ,وتمكينها من بلوغ أهدافها المرجوة لخير جميع أفرادها .
ولأن في الحفاظ على حرية "الإنسان" في فكره وتعبيره , صونا "لآدميته" المكرمة من الله تعالى ,ودعما لكيانه المستقل والمتميز عن غيره , وتنمية لشخصيته لتكون قوية متماسكة ,وتعزيزا لاعتداده بذاته وثقته بنفسه , وراحة وسعادة له في حياته , وإعطاء هذه الحياة معاني الكرامة وأسباب الهناء.
والمولى سبحانه وتعالى , وهو يضرب لعباده المثل , وله وحده المثل الأعلى , أقر للإنسان حريته حتى فيما يتعلق بأمور الإيمان والعقيدة والتوحيد ، وهي أسمى الأمور ، وحمله مسؤولية حريته في إيمانه وكفره ، وهذا هو العدل التام ، وأقام عليه الحجة بما أعطاه من حرية قوامها الإرادة والاختيار والعقل " (الزنتالي ، 1993م ، ص196 ) .
قال تعالى : (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا)(الكهف: من الآية29)
وقال تعالى : (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)(البقرة: من الآية256)
وقال عز وجل : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)(يونس: من الآية99)
وقال جل جلاله : (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ) (الغاشية: 21،22)
ومن أسرار الشريعة الإسلامية حرصها على تعميم الحرية في الإسلام بكيفية منتظمة ، فإنّ الله لمّا بعث رسوله بدين الإسلام كانت العبودية متفشيّة في البشر، وأقيمت عليها ثروات كثيرة، وكانت أسبابها كثيرة: وهي الأسر في الحروب، والخطف في الغارات، وبيع الآباء والأمّهات أبناءهُمْ، والرهائن في الخوف، والتداين. فأبطل الإسلام جميع أسبابها عدا الأسر .
ضوابط الحرية
" على أن الحرية في التربية الإسلامية ليست سائبة ,ولا مطلقة العنان حتى تهوي بصاحبها إلى قاع الضلال الروحي ودرك الانحطاط الأخلاقي ,بل هي حرية واعية منضبطة ,فإذا خرج بها الإنسان عن أحكام الدين ونطاق العقل وحدود الأخلاق وصلحة الجماعة , تمت مساءلته ومحاسبته وإيقافه عند حده ورده عن غيه , منعا لضرر الفرد والجماعة, وفساد الدين والدنيا." (الزنتالي ، 1993م ، ص459)
ومن تعاريف الحُرِّيَّة أنها التصرّف بالملك بدون عدوان على النفس أو الغير، سواء أكان الملك حسياً أو معنوياً.
فلا يُعتبر الاعتداء على النفس أو الملك الشخصي حرية للإنسان، لذلك حرم " دين الإسلام " الانتحار أو الإضرار بشيء من الجسد أو الملك في غير مصلحة صحيحة مبنية على مكارم الأخلاق، وكذلك فإن الناس يمنعون الأفراد الذين يريدون الانتحار أو الإضرار بأملاكهم من ذلك.
كما لا يُعتبر الاعتداء على الغير سواء باللسان ( كالسَّبِّ ) أو الأركان ( كالضرب ) من الحرية.
فمن فعل ذلك فهو من الأشرار لا الأحرار.
ومن حدود الحرية: قول الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ، وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ، وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ، وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ *يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (الحجرات:11،13).


أنواع الحرية

" من أهم الخصائص التي تتميز بها التربية الإسلامية عن غيرها من أنواع التربية القديمة والحديثة ، وتسجل بها قصب السبق عليها ، هي خاصية الحرية ، حرية التفكير وحرية التعلم وحرية السعي ، بما يعزز الشخصية الإنسانية ويدعم استقلالها واعتدادها بذاتها في حدود الشرع والأخلاق " (الزنتالي ، 1993م ،ص 456 ) .
"ويمكن تقسيم الحريات إلى :
1- الحريات الشخصية أو المدنية: ومن أمثلة هذا الصنف: حرية السكن وحرمته، وحرية المراسلات. كما تدخل فيها الحريات العائلية).
2-الحريات الاقتصادية: وتشمل: حق الملكية، وحرية العمل، وحرية التجارة والصناعة... الخ.
3- الحريات الفكرية: وتشمل: الحريات الفلسفية، والدينية، والفنية، والأدبية."(حسين ، 1421هـ ، 44 )
ويندرج تحت التقسيمات السابقة عدة أنواع من الحقوق والحريات كحق الإنسان في الحياة ، وحقه في تولي الوظائف العامة ، وحقه في إنشاء الأسرة والرضا في الزواج ، وحق المرأة في الموافقة على الزواج أو رفضه ، وحرية التنقل والسفر .....الخ .

واقع الحرية في العالم الإسلامي

أولاً : مفهوم العالم الإسلامي
" يقصد بالعالم الإسلامي الدول التي تزيد فيها نسبة المسلمين عن 50% من سكانها ، أو يمثل المسلمون فيها الأغلبية " ( الجاسر ، 1427هـ ، ص 12 )
" ويغطي العالم الإسلامي مساحة كبيرة تقدر بأكثر من 32 مليون كم2 أي ما يعادل خمس مساحة اليابسة ، ويزيد عدد المسلمين حالياً عن أكثر من 1300 مليون مسلم يعيشون في 56 دولة إسلامية تقريباً ونسبة منهم يعيشون كأقليات إسلامية في دول غير إسلامية ، وهذا يعني أن عدد المسلمين يقارب ربع سكان العالم البالغ 6 مليارات نسمة تقريباً " ( المصدر السابق )
ثانياً : واقع الحرية في العالم الإسلامي :
"مازال الحوار يرتفع ويثور حول الكثير من المفردات التي تدخل ضمن نطاق حقوق الإنسان. فحرية الفكر والعقيدة وحق التنظيم والإعدام خارج القضاء وحالات الاختفاء والعزل السياسي والحق في محاكمة عادلة والامتناع عن التعذيب، كلها مصطلحات لها دلالات مختلفة بالنسبة للحكومات والأيديولوجيات والسياسات. ومشكلات مثل المجاعة والبطالة وتلوث البيئة ونتائج الحروب والوجود العسكري الأجنبي، تشغل حيزاً غير قليل من فكرة حقوق الإنسان، مثلما هي قضايا حق تقرير المصير والسيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، إضافة إلى قضايا حقوق المرأة والعنصرية والتطرف وحقوق الأقليات، يقابلها المشاركة والانتخابات، دون إهمال لحرمة المنازل وسرية الرسالة والهاتف والاتصالات والحقوق الفردية الأخرى. وإذا كانت تلك المفردات قد وجدت طريقها إلى التقنين الدولي في إطار حقوق الإنسان، فإن عالمنا العربي ما زال يعاني الكثير من النقص والقصور إزاء تناول هذه المشكلات " ( شعبان ، 2001م ، ص 3 ) .
ويمكن القول إن مستوى الحرية في العالم الإسلامي بصفة عامة ما زال منخفضاً ، وذلك بالنظر إلى أصغر مؤسسات الدولة كأنموذج يُنقل الحكم منه إلى غيره من مؤسسات المجتمع وأنظمته ، ويمثل تلك المؤسسة المدرسة ، حيث يمكن ملاحظة النظام المركزي في إدارة المدرسة من قبل مديرها من حيث التسلط ، والتعسف الإداري ، ومحاباة بعض المعلمين على حساب غيرهم ، وإلزام المعلم بما يكلفه به مدير المدرسة دون نقاش واستطلاع لرأيه، والتصرف في جدول المعلمين بما يرضي مدير المدرسة دون النظر إلى رغبات المعلمين ، وينتقل ذلك إلى تصرفات المعلمين مع الطلاب ومنعهم من الكلام والحركة ، واستخدام طرق التدريس التي لا تساعد على الحوار وإبداء الرأي والتشجيع على التفكير ، وكل ذلك يسفر عن قلة الوعي ، والتقليد الأعمى لأصحاب المناصب الأعلى ، وعدم التنبه لنتائج كبت الحريات ؛ كالتمرد على الأنظمة ، وضعف الإنتاج ، والتخلف الفكري والاجتماعي ؛ نسأل الله السلامة والعافية .

كيف نفعل الحرية في تربيتنا الإسلامية

"التربية الإسلامية تؤكد "مفهوم الحرية" وتنادي بالحفاظ عليه , تشريفا للإنسان وتكريما له وإعلاء لشأنه وفق ما اقتضته إرادة الله تعالى بتفضيله على كثير ممن خلق , سواء فيما يتعلق بأمور الدين أو أمور الدنيا " ( الزنتالي ، 1993م ، ص 456 )
"وسبيلها في ذلك فتح الباب أمام الإنسان ليمارس حريته وإرادته واختياره الواعي المسؤول دينيا وخلقيا ,وتمكينه من تكوين شخصيته على نحو متكامل وسوي ومتزن خال من الاضطراب العقلي والتوتر العصبي والقلق النفسي , وإتاحة الفرص العادلة المتكافئة أمامه لينمي عقله ويصقل قدراته وميوله ومواهبه , وتشجيعه على المبادءات الذاتية والنشاط الذاتي حتى يشارك بفعالية في بناء نفسه بنفسه من خلال العملية التربوية والتعليمية.ووسيلتها في تكوين الإنسان وتنشئته:الإقناع والحجة والبرهان ,والدعوة بالتي هي أقوم والمجادلة بالتي هي أحسن , والتذكير الواعي والنصح الرشيد , وتبصيره بشكل بناء إيجابي يخاطب عقله , ويستنير ذهنه ويقدح تفكيره , فتكون قناعاته بغير جبر أو إكراه , ويتحمل مسؤوليات حريته واختياره في دنياه وأخراه" ( المصدر السابق )
قال تعالى:
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )(النحل: من الآية125)
وقال سبحانه:
(فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ )(الكهف: من الآية29)
وقال عز وجل:
(لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ )(البقرة: من الآية256)
وقال جل جلاله:
(قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)(البقرة: من الآية111)
وقال جل شأنه:
(وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً) (الفرقان:73)
"وقد عزز الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة وسيرته العطرة , مبدأ "الحرية" سواء في التفكير أم في التعبير أم في إعمال الرأي والاجتهاد في أمور الدين والدنيا , حرصا منه على تكوين الشخصية المستقلة المتماسكة القوية لدى المسلم .
فأثناء الاستعداد لمعركة "بدر الكبرى" والتخطيط لها , قال الصحابي الجليل "الحباب بن المنذر" رضي الله عن :"يا رسول الله , إن هذا المكان الذي أنت فيه ليس بمنزل, فانطلق بنا إلى أدنى ماء إلى القوم , فإني عالم بها وبقلبها , بها قليب قد عرفت عذوبة ماءه لا ينزح , ثم نبني عليه حوضا فنشرب ونقاتل . ونغور ماسواه من القلب فنزل جبريل عليه السلام على رسول صلى الله عليه وسلم فقال:
"الرأي ما أشار به الحباب " .فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل ذلك .
ولما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبعث الصحابي الفقيه "معاذ بن جبل" رضي الله عنه إلى اليمن ,ليعلم الذين دخلوا إلى الإسلام ويفقههم , قال عليه الصلاة والسلام :"كيف تقضي إذا عرض لك قضاء ؟"قال أقضي بكتاب الله قال "فإن لم تجد في كتاب الله " قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .قال فإن لم تجد في سنة رسول الله ولا في كتاب الله ؟"قال: أجتهد برأي ولا آلو.فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ,فقال:"الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله إلى مايرضي رسول الله" وعن عائشة وعن أنس بن ثابت رضي الله عنهما ,أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أنتم أعلم بأمور دنياكم" (الزنتالي ، 1993م ، ص458)
"عن محارب بن دِثَارٍ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِرَجُلٍ : «مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ: أَنَا قَاضِي دِمَشْقَ، قَالَ: وَكَيْفَ تَقْضِي ؟ قَالَ: أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِذَا جَاءَ مَا لَيْسَ في كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: أَقْضِي بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِذَا جَاءَ مَا لَيْسَ في سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ بِرَأْيٍ وَأُؤَامِرُ جُلَسَائِي، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَحْسَنْتَ "( السيوطي ، 1994م ، جـ13 ، ص 472 )









2=



التربية الإسلامية
وتحدي الحوار







 مفهوم الحوار
 حقيقة الحوار في المنهج الإسلامي
 أهمية الحوار
 أهداف الحوار
 أصول الحوار
 آداب الحوار
 التعلم من خلال لغة الحوار

مفهوم الحوار
الحوار في اللغة :
"وتَحاوَرُوا : تَراجَعُوا الكلامَ بينهمْ." ( الفيروزبادي ، 1993م )

"حاورته : راجعته الكلام "(الفيومي،1987م ،ص 60 )

"وكلَّـمته فما رَجَعَ إِلَـيَّ حَوَاراً وحِواراً ومُـحاوَرَةٌ وحَوِيراً ومَـحُورَة ، بضم الـحاء، بوزن مَشُورَة أَي جواباً. وأَحارَ علـيه جوابه: ردَّه. وأَحَرْتُ له جواباً وما أَحارَ بكلـمة، والاسم من الـمُـحَاوَرَةِ الـحَوِير ، تقول: سمعت حَوِيرَهما وحِوَارَهما . والـمُـحَاوَرَة : الـمـجاوبة. والتَّـحاوُر : التـجاوب؛ وتقول: كلَّـمته فما أَحار إِلـيَّ جواباً وما رجع إِلـيَّ حَوِيراً ولا حَوِيرَةً ولا مَـحُورَةً ولا حَوَاراً أَي ما ردَّ جواباً. واستـحاره أَي استنطقه. ( ابن منظور،1410 هـ ،جـ 4، ص218 )

" والـمُـحَاوَرَة : مراجعة الـمنطق والكلام فـي الـمخاطبة، " ( المصدر السابق ، ص218) .

الحوار اصطلاحاً :
" ويراد بالحوار والجدال في مصطلح الناس : مناقشة بين طرفين أو أطراف ، يُقصد بها تصحيح كلامٍ ، وإظهار حجَّةٍ ، وإثبات حقٍ ، ودفع شبهةٍ ، وردُّ الفاسد من القول والرأي ." ( ابن حميد ، د : ت ، ص 3 )

ويفهم من تعريف الحوار والمجادلة أنهما يشتركان في مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين إلا أن المجادلة تأخذ طابع القوة والغلبة والخصومة،.والجدل لم نؤمر به، ولم يمدح في القران على الإطلاق، وإنما قيد بالحسنى كقوله تعالى Sad وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(النحل: من الآية125) وقال تعالى(وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(العنكبوت: من الآية46)

فلفظ الجدل مذموم إلا إذا قيد بالأحسن، ومما يؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : وما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم قرأ الآيةSad مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ )(الزخرف: من الآية58) (الترمذي ، 1994م ، جـ9،ص106 )



حقيقة الحوار في المنهج الإسلامي

أولاً : مفهوم المنهج
المنهج في اللغة :
نهج
: طريقٌ نَهْج : بَـيِّنٌ واضِحٌ، وهو النَّهْج ، والـجمع نَهجات ونُهُج ونُهوج
و مَنْهَج الطريقِ : وضَحُه. والـمِنهاج : كالـمَنْهَج . وفـي التنزيل: ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً)(المائدة: من الآية48)
وأَنهَج الطريقُ: وضَحَ واسْتَبانَ وصار نَهْجا واضِحاً بَـيِّناً ، والـمِنهاج : الطريقُ الواضِحُ. واسْتَنْهَج الطريقُ: صار نَهْجا ( ابن منظور ، 1410هـ ، ج2 ، ص 383 )

المنهج في الاصطلاح :
" الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة ، تهيمن على سير العقل ، وتحدد عملياته ، حتى يصل إلى نتيجة معلومة " ( العساف ، 1424 هـ ، ص 169 )

" فن التنظيم الصحيح لسلسلة من الأفكار العديدة ، من أجل الكشف عن الحقيقة " ( أبو سليمان ، 1416هـ ، ص 60 )

" طريق كسب المعرفة ، أو هو الطريقة التي يتبعها الباحث في دراسة المشكلة لاكتشاف الحقيقة ، أو هو الخطوات المنظمة التي يتبعها الباحث في معالجة الموضوعات التي يقوم بدراستها " ( الدغيمي ، 1417هـ ،ص 33 ) .





ثانياً : حقيقة الحوار في المنهج الإسلامي

الحوار قيمة من قيم الحضارة الإسلامية المستندة أساسا إلى مبادئ الدين الحنيف وتعاليمه السمحة وهو موقف فكرى يعبر عن أبرز سمات الشخصية الإسلامية السوية وهي سمة التسامح .
الحوار في المنهج الإسلامي أسلوب من أساليب التربية وطريقة للفهم والإقناع والدعوة إلى الله عز وجل بالعقل والمنطق ،" ويمكننا تمييز ستة أشكال من الحوار ذكرت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وهي :
1-الحوار الخطابي : وقد يتطرق إلى الناحية التعبدية ، وقد يتطرق إلى التذكير بنعم الله ، قال تعالى : (سَلْ بَنِي إِسْرائيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ)(البقرة: من الآية211) وقد يتطرق إلى التنبيه والإيضاح مثل قوله تعالى : (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ*عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ*الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) (النبأ:1-3) ، وقد يتطرق إلى إثارة العواطف الإنسانية والانفعالات الوجدانية مثل الخشوع لله والخوف من العذاب والشعور بالندم وشكر النعم ، قال تعالى : (فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) (الطور:29) .
2-الحوار الوصفي : ويقصد به وصف حالة نفسية أو واقعة بين المتحاورين ، وهدفه التربوي الاقتداء بصالح الأعمال والابتعاد عن سيئها ، وفي القرآن الكريم كثير من الآيات التي توضح حواراً يصف أهل الجنة أو أهل النار ، قال تعالى : (وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ *هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ*احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ*مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ) (الصافات:20-23) .
3-الحوار القصصي : ويأتي في إطار قصة واضحة في شكلها وتسلسلها القصصي ، ويغلب عليه الإخبار ، وتأثيره التربوي يستند إلى الإيحاء وتربية العواطف وإدراك التصور الرباني لأمور الحياة ، ومن أمثلته الحوار الذي دار بين شعيب وقومه في سورة هود .
4-الحوار الجدلي لإثبات الحجة : وغايته إثبات الحجة على المشركين للاعتراف بضرورة الإيمان بالله وتوحيده ، ومن أمثلته قوله تعالى : (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى*مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى*وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلاَ وَحْيٌ يُوحَى*عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) (لنجم:1-5) ومن آثاره التربوية تربية العقل على التفكير السليم وتحري الصواب والرغبة في الوصول إلى الحقيقة " ( غبان ، 1415هـ ، ص 121 )
أهمية الحوار
" استخدم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم هذا الأسلوب ( أسلوب الحوار ) في عديد من المواقف ، لذا حرص المربون المسلمون على إتباع هذا الأسلوب والإشادة بأهميته . وفي هذا المجال يؤكد ابن خلدون أن الطريقة الصحيحة في التعليم هي التي تهتم بالفهم والوعي والمناقشة لا الحفظ الأعمى عن ظهر قلب ، ويشير إلى أن "ملكة العلم" إنما تحصل بالمحاورة والمناظرة والمفاوضة في مواضيع العلم ، ويعيب طريقة الحفظ عن ظهر قلب ويعتبرها مسئولة عن تكوين أفراد ضيقي الأفق عقيمي التفكير لا يفقهون شيئاً ذي بال في العلم " ( غبان ،1415هـ ، ص 122)
" والواقع أن المربين المسلمين قد اهتموا بأسلوب المناظرة والحوار في التدريس واعتبروه أسلوباً مفضلاً مجدياً في التعليم ، حيث يقول الزرنوجي :"إن قضاء ساعة واحدة في المناقشة والمناظرة أجدى على المتعلم من قضاء شهر بأكمله في الحفظ والتكرار " ( المصدر السابق ، ص 122 )
" والحوار الهادئ ينمي عقل الطفل ، ويوسع مداركه ، ويزيد من نشاطه في الكشف عن حقائق الأمور ، ومجريات الحوادث والأيام ، وإن تدريب الطفل على المناقشة والحوار يقفز بالوالدين إلى قمة التربية والبناء ، إذ عندها يستطيع الطفل أن يعبر عن حقوقه ، وبإمكانه أن يسأل عن مجاهيل لم يدركها ، وبالتالي تحدث الانطلاقة الفكرية له ، فيغدو في مجالس الكبار ، فإذا لوجوده أثر ، وإذا لآرائه الفكرية صدى في نفوس الكبار ، لأنه تدرب في بيته مع والديه على الحوار، وأدبه ، وطرقه ، وأساليبه ... واكتسب خبرة الحوار من والديه ." ( سويد ، 1422هـ ، ص 119 )
ويرى الشيخ سلمان العودة أن أهمية الحوار تبرز من جانبين:
الجانب الأول: دعوة الناس إلى الإسلام والسنة:
"فتعقد لذلك محاورات مع غير المسلمين؛ لإقناعهم بأن دين الله تعالى حق لا شك فيه، أو مع مبتدعين منحرفين عن السنة؛ لدعوتهم إلى السنة، وأمرهم بالتزامها. والقرآن الكريم حافل بنماذج من مثل هذه الحوارات التي جرت بين أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام وبين أقوامهم، حتى إن قوم نوح قالوا له: (يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [هود:32]، فأكثر جدالهم حتى تبرَّموا من كثرة جداله لهم، والجدال نوع من الحوار.
إننا بحاجة إلى أن نحاور أصحاب المذاهب والنظريات والأديان الأخرى؛ بهدف دعوتهم إلى الله تعالى، فالحوار وسيلة من وسائل الدعوة.
ولا يجوز أبدًا أن نعتقد -كما يعتقد الكثيرون- أن العالم اليوم يعيش حالة إفلاس من النظريات والعقائد والمبادئ والمثل، فهذا غير صحيح؛ بل العالم اليوم يعيش حالة تخمة من كثرة النظـريات والمبادئ والعقائد والمثل والفلسـفات وغيرها، صحيح أنها باطلة، ولكن هذا الركام الهائل من الباطل مدجج بأقوى أسلحة الدعوة والدعاية، والدعاة الذين تدرَّبوا وتعلَّموا كيف يدافعون عن الباطل حتى يصبح في نظر الناس حقًّا.
أما أهل الحق فكثير منهم لا يحسن الطريقة المثلى للحوار؛ لإقناع الخصم بما لديه من الحق والسنة .
وقد لا يحسن هؤلاء أن يناقش بعضهم بعضًا، إلا من خلال فوهات المدافع والبنادق، فإن لم يملكوها، فمن خلال الأفواه التي تطلق من الكلمات الحارة الجارحة، ما هو أشد فتكًا من الرصاص والقذائف.
إذن، فإن الهدف الأول من الحوار هو دعوة الكفار إلى الإسلام، أو دعوة الضالين من المبتدعة إلى السنة." ( العودة ، د : ت ، ص18 )
.الجانب الثاني: فصل الخلاف في الأمور الاجتهادية:
"فالحوار يُعد وسيلة للوصول إلى اليقين والحق في مسألة اجتهادية اختلفت فيها أقوال المجتهدين، فيتكلم اثنان في محاورة أو مناظرة للوصول إلى الحق في مسألة اجتهادية ليس فيها نص صريح، أو إجماع لا يجوز تعديه.
وليس من الضروري -أيها القارئ الكريم- أن تعتقد أن نتيجة الحوار لابد أن تكون إقناعك الطرف الآخر بأن ما عندك حق، وما عنده باطل، فليس هذا بلازم، فقد تقنع إنسانًا بذلك، فإن لم تتمكن، فأقل شيء تكسبه من الحوار - إذا التزمتَ بالشروط الموضوعية له - أن يعلم خصمك أن لديك حجة قوية، وأنك محاور جيد، وأن يأخذ انطباعًا بأنك موضوعي متعقل، بعيد عن التشنج والهيجان والانفعال.
فكثير من الناس يظنون أن الآخرين لا يملكون الحق، وليس عندهم شيء، وأنهم مجرد مقلِّدين، فإذا حاوروهم وناظروهم علموا أن لديهم حججًا قوية، فأقل ما تكسبه أن تجعل أمام مناظرك علامة استفهام.
فقد تلتقي بنصراني داعية إلى النصرانية، فتناقشه، فمن المحتمل أن يسلم، وهذا خير كثير، وهو أرقى وأعلى ما تتمناه، لكن قد لا يسلم، فهل تعتبر أنك قد خسرت المناظرة؟ لا؛ لأنه وإن لم يسلم، فربما صار عنده تفكير في الإسلام يدعوه إلى أن يبحث، ثم قد يسلم ولو بعد حين، وإذا لم يفكر في ذلك، فعلى الأقل صار عنده شكوك في دينه، وإذا لم يحصل هذا، فعلى أقل تقدير فتر شيء من الحماس الذي كان يحمله لدينه، وصار عنده تردد في مذهبه الباطل.
ونحن نجد أن المسلمين الذين يكثرون الاحتكاك بأهل الكتاب أو بالمنحرفين عن الإسلام ويسمعون منهم الكثير؛ نجد أن هؤلاء المسلمين وإن لم يتركوا دينهم إلا أن حماسهم يقل ويفتر لدينهم حتى وهم على الحق؛ وذلك من كثرة ما سمعوا من أعدائه، فما بالك بأهل الباطل إذا سمعوا نقد باطلهم؟ لابد أن يفتر حماسهم له، أو يشكّوا فيه، أو يتراجعوا عنه. " ( المصدر السابق ، ص 20 )

أهداف الحوار وغاياته
"الغاية من الحوار إقامةُ الحجة ، ودفعُ الشبهة والفاسد من القول والرأي . فهو تعاون من المُتناظرين على معرفة الحقيقة والتَّوصُّل إليها ، ليكشف كل طرف ما خفي على صاحبه منها ، والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق . يقول الحافظ الذهبي : ( إنما وضعت المناظرة لكشف الحقِّ ، وإفادةِ العالِم الأذكى العلمَ لمن دونه ، وتنبيهِ الأغفلَ الأضعفَ ) .
هذه هي الغاية الأصلية ، وهي جليَّة بيِّنة ، وثَمَّت غايات وأهداف فرعية أو مُمهِّدة لهذا الغاية منها :
- إيجاد حلٍّ وسط يُرضي الأطراف .
- التعرُّف على وجهات نظر الطرف أو الأطراف الأخرى ، وهو هدف تمهيدي هام .
- البحث والتنقيب ، من أجل الاستقصاء والاستقراء في تنويع الرُّؤى والتصورات المتاحة ، من أجل الوصول إلى نتائج أفضل وأمْكَنَ ، ولو في حوارات تالية ." ( ابن حميد ، د : ت ، ص 4 )
ومن أهداف الحوار :
أولاً: أن في الحوار مع الآخر اكتشاف الإنسان لما في نفسه من النقص والضعف والسلبيات التي لا تخلوا منها شخصية إنسانية.
ثانيا ً: أن في الحوار مع الآخر حصول الاحتكاك الفكرى والثقافى والتدافع الحضارى بين الناس .
ومن دون ذلك يركد الذهن ويفقد الدافع إلى المعرفة ، قال الله تعالى : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)(البقرة: من الآية251).
ثالثاً : تحقيق الذات وإثبات الهوية .
رابعاً : الحصول على التغذية الراجعة .
خامساً : الإبداع والابتكار .
سادساً : إزالة الضغائن والمشاحنات .
أصول الحوار الهادف
ذكر الشيخ ابن حميد ثمانية أصول للحوار :
الأصل الأول :
سلوك الطرق العلمية والتزامها ، ومن هذه الطرق :
1- تقديم الأدلة المُثبِتة أو المرجِّحة للدعوى .
2- صحة تقديم النقل في الأمور المنقولة .
وفي هذين الطريقين جاءت القاعدة الحوارية المشهورة : ( إن كنت ناقلاً فالصحة ، وإن كنت مدَّعيّاً فالدليل ) .
وفي التنزيل جاء قوله سبحانه : { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } وفي أكثر من سورة :البقرة :111 ، والنمل 64 . { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي } (الانبياء:24) . { قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (آل عمران:93) .
الأصل الثاني :
سلامة كلامِ المناظر ودليله من التناقض ؛ فالمتناقض ساقط بداهة .
ومن أمثلة ذلك ما ذكره بعض أهل التفسير من :
1- وصف فرعون لموسى عليه السلام بقوله : { سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } (الذريات:39) .
وهو وصف قاله الكفار – لكثير من الأنبياء بما فيهم كفار الجاهلية – لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم . وهذان الوصفان السحر والجنون لا يجتمعان ، لأن الشأن في الساحر العقل والفطنة والذكاء ، أما المجنون فلا عقل معه البته ، وهذا منهم تهافت وتناقض بيّن .
2- نعت كفار قريش لآيات محمد صلى الله عليه وسلم بأنها سحر مستمر ، كما في قوله تعالى : { وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ } (القمر:2) .
وهو تناقض ؛ فالسحر لا يكون مستمراً ، والمستمر لا يكون سحراً .

الأصل الثالث :
ألا يكون الدليل هو عين الدعوى ، لأنه إذا كان كذلك لم يكن دليلاً ، ولكنه اعادة للدعوى بألفاظ وصيغ أخرى . وعند بعض المُحاورين من البراعة في تزويق الألفاظ وزخرفتها ما يوهم بأنه يُورد دليلاً . وواقع الحال أنه إعادة للدعوى بلفظ مُغاير ، وهذا تحايل في أصول لإطالة النقاش من غير فائدة .
الأصل الرابع :
الاتفاق على منطلقات ثابتة وقضايا مُسَلَّمة . وهذه المُسَلَّمات والثوابت قد يكون مرجعها ؛ أنها عقلية بحتة لا تقبل النقاش عند العقلاء المتجردين ؛ كحُسْنِ الصدق ، وقُبحِ الكذب ، وشُكر المُحسن ، ومعاقبة المُذنب .
أو تكون مُسَلَّمات دينية لا يختلف عليها المعتنقون لهذه الديانة أو تلك .
وبالوقوف عند الثوابت والمُسَلَّمات ، والانطلاق منها يتحدد مُريد الحق ممن لا يريد إلا المراء والجدل والسفسطة .
ففي الإسلام الإيمان بربوبية الله وعبوديَّته ، واتَّصافه بصفات الكمال ، وتنزيهه عن صفات النقص ، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، والقرآن الكريم كلام الله ، والحكم بما أنزل الله ، وحجاب المرأة ، وتعدد الزوجات ، وحرمة الربا ، والخمر ، والزنا ؛ كل هذه قضايا مقطوع بها لدى المسلمين ، وإثباتها شرعاً أمر مفروغ منه .
إذا كان الأمر كذلك ؛ فلا يجوز أن تكون هذه محل حوار أو نقاش مع مؤمن بالإسلام لأنها محسومة .
فقضية الحكم بما أنزل الله منصوص عليها بمثل : { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ... } (النساء:65) . { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } (المائدة:45) .
وحجاب المرأة محسوم بجملة نصوص :
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ } (الأحزاب:59) .
وقد يسوغ النقاش في فرعيات من الحجاب ؛ كمسألة كشف الوجه ، فهي محل اجتهاد ؛ أما أصل الحجاب فليس كذلك .
الربا محسوم ؛ وقد يجري النقاش والحوار في بعض صوره وتفريعاته .
ومن هنا فلا يمكن لمسلم أن يقف على مائدة حوار مع شيوعي أو ملحد في مثل هذه القضايا ؛ لأن النقاش معه لا يبتدئ من هنا ، لأن هذه القضايا ليست عنده مُسَلَّمة ، ولكن يكون النقاش معه في أصل الديانة ؛ في ربوبيَّة الله ، وعبوديَّة ونبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ، وصِدْق القرآن الكريم وإعجازه .
ولهذا فإننا نقول إن من الخطأ – غير المقصود – عند بعض المثقفين والكاتبين إثارة هذه القضايا ، أعني : تطبيق الشريعة – الحجاب – تعدد الزوجات – وأمثالها في وسائل الإعلام ، من صحافة وإذاعة على شكل مقالات أو ندوات بقصد إثباتها أو صلاحيتها . أما إذا كان المقصود : النظر في حِكَمِها وأسرارها وليس في صلاحيتها وملاءمتها فهذا لا حرج فيه ، إذْ :{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ }(الأحزاب:36)
وأخيراً فينبني على هذا الأصل ؛ أن الإصرار على إنكار المُسلَّمات والثوابت مكابرة قبيحة ، ومجاراة منحرفة عن أصول الحوار والمناظرة ، وليس ذلك شأن طالبي الحق .
الأصل الخامس :
التجرُّد ، وقصد الحق ، والبعد عن التعصب ، والالتزام بآداب الحوار :
إن إتباع الحق ، والسعي للوصول إليه ، والحرص على الالتزام ؛ وهو الذي يقود الحوار إلى طريق مستقيم لا عوج فيه ولا التواء ، أو هوى الجمهور ، أو الأتْباع .. والعاقل – فضلاً عن المسلم – الصادق طالبٌ حقٍّ ، باحثٌ عن الحقيقة ، ينشد الصواب ويتجنب الخطأ .
يقول الغزاليّ أبو حامد : ( التعاون على طلب الحق من الدّين ، ولكن له شروط وعلامات ؛ منها أن يكون في طلب الحق كناشد ضالّة ، لا يفرق بين أن تظهر الضالّة على يده أو على يد معاونه . ويرى رفيقه معيناً لا خصماً . ويشكره إذا عرَّفه الخطأ وأظهره له ) .
ومن مقولات الإمام الشافعي المحفوظة : ( ما كلمت أحداً قطّ إلا أحببت أن يُوفّق ويُسدّد ويُعان ، وتكون عليه رعاية الله وحفظه .وما ناظرني فبالَيْتُ ! أَظَهَرَتِ الحجّةُ على لسانه أو لساني ) .
وفي ذمّ التعصب ولو كان للحق ، يقول الغزالي :
( إن التعصّب من آفات علماء السوء ، فإنهم يُبالغون في التعصّب للحقّ ، وينظرون إلى المخالفين بعين الازدراء والاستحقار ، فتنبعث منهم الدعوى بالمكافأة والمقابلة والمعاملة ، وتتوفر بواعثهم على طلب نُصرة الباطل ، ويقوى غرضهم في التمسك بما نُسبوا إليه . ولو جاؤوا من جانب اللطف والرحمة والنصح في الخلوة ، لا في معرض التعصب والتحقير لأنجحوا فيه ، ولكن لمّا كان الجاه لا يقوم إلا بالاستتباع ، ولا يستميل الأتْباع مثلُ التعصّب واللعن والتّهم للخصوم ، اتخذوا التعصب عادتهم وآلتهم )
والمقصود من كل ذلك أن يكون الحوار بريئاً من التعصّب خالصاً لطلب الحق ، خالياً من العنف والانفعال ، بعيداً عن المشاحنات الأنانية والمغالطات البيانيّة ، مما يفسد القلوب ، ويهيج النفوس ، ويُولد النَّفرة ، ويُوغر الصدور ، وينتهي إلى القطيعة .
وهذا الموضوع سوف يزداد بسطاً حين الحديث عن آداب الحوار إن شاء الله .
الأصل السادس :
أهلية المحاور :
إذا كان من الحق ألا يمنع صاحب الحق عن حقه ، فمن الحق ألا يعطى هذا الحق لمن لا يستحقه ، كما أن من الحكمة والعقل والأدب في الرجل ألا يعترض على ما ليس له أهلاً ، ولا يدخل فيما ليس هو فيه كفؤاً .
من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من كان على الباطل .
من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من لا يعرف الحق .
من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من لا يجيد الدفاع عن الحق .
من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من لا يدرك مسالك الباطل .
إذن ، فليس كل أحد مؤهلاً للدخول في حوار صحي صحيح يؤتي ثماراً يانعة ونتائج طيبة .
والذي يجمع لك كل ذلك : ( العلم ) ؛ فلا بد من التأهيل العلمي للمُحاور ، ويقصد بذلك التأهيل العلمي المختص .
إن الجاهل بالشيء ليس كفؤاً للعالم به ، ومن لا يعلم لا يجوز أن يجادل من يعلم ، وقد قرر هذه الحقيقة إبراهيم عليه السلام في محاجَّته لأبيه حين قال :{ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً}(مريم:43).
وإن من البلاء ؛ أن يقوم غير مختص ليعترض على مختص ؛ فيُخَطِّئه ويُغَلِّطه .
وإن حق من لا يعلم أن يسأل ويتفهم ، لا أن يعترض ويجادل بغير علم ، وقد قال موسى عليه السلام للعبد الصالح :
{ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } (الكهف:66) .
فالمستحسن من غير المختص ؛ أن يسأل ويستفسر ، ويفكر ويتعلم ويتتلمذ ويقف موقف موسى مع العبد الصالح .
وكثير من الحوارات غير المنتجة مردُّها إلى عدم التكافؤ بين المتحاورين ، ولقد قال الشافعي رحمه الله : ( ما جادلت عالماً إلا وغلبته ، وما جادلني جاهل إلا غلبني ! ) . وهذا التهكم من الشافعي رحمه الله يشير إلى الجدال العقيم ؛ الذي يجري بين غير المتكافئين .
الأصل السابع :
قطعية النتائج ونسبيَّتها :
من المهم في هذا الأصل إدراك أن الرأي الفكري نسبيُّ الدلالة على الصواب أو الخطأ ، والذي لا يجوز عليهم الخطأ هم الأنبياء عليهم السلام فيما يبلغون عن ربهم سبحانه وتعالى . وما عدا ذلك فيندرج تحت المقولة المشهورة ( رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي الآخر خطأ يحتمل الصواب ) .
وبناء عليه ؛ فليس من شروط الحوار الناجح أن ينتهي أحد الطرفين إلى قول الطرف الآخر . فإن تحقق هذا واتفقنا على رأي واحد فنعم المقصود ، وهو منتهى الغاية . وإن لم يكن فالحوار ناجح . إذا توصل المتحاوران بقناعة إلى قبول كلٍ من منهجيهما ؛ يسوغ لكل واحد منهما التمسك به ما دام أنه في دائرة الخلاف السائغ . وما تقدم من حديث عن غاية الحوار يزيد هذا الأصل إيضاحاً .
وفي تقرير ذلك يقول ابن تيمية رحمه الله : ( وكان بعضهم يعذر كل من خالفه في مسائل الاجتهادية ، ولا يكلفه أن يوافقه فهمه ) ا هـ . من المغني .
ولكن يكون الحوار فاشلاً إذا انتهى إلى نزاع وقطيعة ، وتدابر ومكايدة وتجهيل وتخطئة .
الأصل الثامن :
الرضا والقبول بالنتائج التي يتوصل إليها المتحاورون ، والالتزام الجادّ بها ، وبما يترتب عليها .
وإذا لم يتحقق هذا الأصل كانت المناظرة ضرباً من العبث الذي يتنزه عنه العقلاء .
يقول ابن عقيل : ( وليقبل كل واحد منهما من صاحبه الحجة ؛ فإنه أنبل لقدره ، وأعون على إدراك الحق وسلوك سبيل الصدق .
قال الشافعي رضي الله عنه : ما ناظرت أحداً فقبل مني الحجَّة إلا عظم في عيني ، ولا ردَّها إلا سقط في عيني ) ( ابن حميد ، د : ت ، ص 8 )


آداب الحوار

إن آداب الحوار الصحيح، هي بإيجاز:
أولاً: حسن المقصد:
فليس المقصود من الحوار العلو في الأرض، ولا الفساد، ولا الانتصار للنفس، ولكن المقصود الوصول إلى الحق .
والله تعالى يعلم من قلب المحاور ما إن كان يهدف إلى ذلك أم يهدف إلى الانتصار، والتحدث في المجالس أنه أفحم خصمه بالحجة.
ثانيًا: التواضع بالقول والفعل:
من آداب الحوار: التواضع، وتجنُّب ما يدل على العجب والغرور والكبرياء.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "الكبر بطر الحق وغمط الناس"
ثالثًا: الإصغاء وحسن الاستماع:
وهكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم، فربما تحدَّث معه بعض المشركين بكلام لا يستحق أن ي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3oloum.7olm.org
 
التربية الإسلامية و تحديثات العصر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» التربية الإسلامية و تحديات العصر الجزء 2
»  هل يمهلني الله إلى العصر
» المقاصد الشريعية الإسلامية
»  المواطنة.. في ظل المرجعية الإسلامية
»  جامعة العلوم الإسلامية العالمية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات آي ميس يو :: المــنــتــدى العـــامــ :: الأقســام الثانوية :: المنتدى العام-
انتقل الى: