منتديات آي ميس يو
مداج السالكيـــــــن 1 Ezlb9t10
منتديات آي ميس يو
مداج السالكيـــــــن 1 Ezlb9t10
منتديات آي ميس يو
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


أكبر منتدى للتعليم و الإبداعات بالعالم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
المنتدى ينصح إستعمـــال برنامج opera للتصفــــــــح
طلب مديرين نشيطين للمنتدى

 

 مداج السالكيـــــــن 1

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
mimou
Admin
mimou


الدولـه : : مداج السالكيـــــــن 1 Jazaer10
ذكر عدد المساهمات : 1108
نقاط : 2272
السٌّمعَة : 0
تاريخ الميلاد : 06/12/1996
تاريخ التسجيل : 01/10/2011
العمر : 27

مداج السالكيـــــــن 1 Empty
مُساهمةموضوع: مداج السالكيـــــــن 1   مداج السالكيـــــــن 1 I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 07, 2011 3:26 pm

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين ولا حول ولا قوة إلا بالله
العلي العظيم



الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين
وأشهد أن لا إله إلاالله وحده لا شريك له رب العالمين وإله المرسلين وقيوم السموات
والأرضين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بالكتاب المبين الفارق بين الهدى والضلال
والغي والرشاد والشك واليقين أنزله لنقرأه تدبرا ونتأمله تبصرا ونسعد به تذكرا ونحمله
على أحسن وجوهه ومعانيه ونصدق به ونجتهد على إقامة أوامره ونواهيه ونجتني ثمار علومه
النافعة الموصلة إلى الله سبحانه من أشجاره ورياحين الحكم من بين رياضه وأزهاره فهو
كتابه الدال عليه لمن أراد معرفته وطريقه الموصلة لسالكها إليه ونوره المبين الذي أشرقت
له الظلمات ورحمته المهداة التي بها صلاح جميع المخلوقات والسبب الواصل بينه وبين عباده
إذا انقطعت الأسباب وبابه الأعظم الذي منه الدخول فلا يغلق إذا غلقت الأبواب وهو الصراط
المستقيم الذي لاتميل به الآراء والذكر الحكيم الذي لا تزيغ به الأهواء والنزل الكريم
الذي لا يشبع منه العلماء لا تفنى عجائبه ولا تقلع سحائبه ولا تنقضي آياته ولا تختلف
دلالاته كلما ازدادت البصائر فيه تأملا وتفكيرا زادها هداية وتبصيرا وكلما بجست معينه
فجر لها ينابيع الحكمة تفجيرا فهو نور البصائر من عماها وشفاء الصدور من أدوائها وجواها
وحياة القلوب ولذة النفوس ورياض القلوب وحادي الأرواح إلى بلاد الأفراح والمنادي بالمساء
والصباح ياأهل الفلاح حي على الفلاح نادى منادى الإيمان على رأس الصراط المستقيم
46 31 يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم




أسمع والله لو صادف آذانا واعية وبصر لو صادف قلوبا من الفساد









خالية لكن عصفت على القلوب هذه الأهواء فأطفأت مصابيحها وتمكنت
منها آراء الرجال فأغلقت أبوابها وأضاعت مفاتيحها وران عليها كسبها فلم تجد حقائق القرآن
إليها منفذا وتحكمت فيها أسقام الجهل فلم تنتفع معها بصالح العمل




واعجبا لها كيف جعلت غذاءها من هذه الأراء التي لا تسمن ولا
تغني من جوع ولم تقبل الإغتذاء بكلام رب العالمين ونصوص حديث نبيه المرفوع أم كيف اهتدت
في ظلم الآراء إلى التمييز بين الخطإ والصواب وخفى عليها ذلك في مطالع الأنوار من السنة
والكتاب




واعجبا كيف ميزت بين صحيح الآراء وسقيمها ومقبولها ومردودها
وراجحها ومرجوحها وأقرت على أنفسها بالعجز عن تلقى الهدى والعلم من كلام من كلامه لا
يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو الكفيل بإيضاح الحق مع غاية البيان وكلام
من أوتي جوامع الكلم واستولى كلامه على الأقصى من البيان




كلا بل هي والله فتنة أعمت القلوب عن مواقع رشدها وحيرت العقول
عن طرائق قصدها يربى فيها الصغير ويهرم فيها الكبير




وظنت خفافيش البصائر أنها الغاية التي يتسابق إليها المتسابقون
والنهاية التي تنافس فيها المنافسون وتزاحموا عليها وهيهات أين السهى من شمس الضحى
وأين الثرى من كواكب الجوزاء وأين الكلام الذي لم تضمن لنا عصمة قائله بدليل معلوم
من النقل المصدق عن القائل المعصوم وأين الأقوال التي أعلا درجاتها أن تكون سائغة الإتباع
من النصوص الواجب على كل مسلم تقديمها وتحكيمها والتحاكم إليها في محل النزاع وأين
الآراء التي نهى قائلها عن تقليده فيها وحذر من النصوص التي فرض على كل عبد أن يهتدي
بها




ويتبصر وأين المذاهب التي إذا مات أربها فهي من جملة الأموات
من النصوص التي لا تزول إذا زالت الأرض والسموات




سبحان الله ماذا حرم المعرضون عن نصوص الوحي واقتباس العلم من
مشكاته من كنوز الذخائر وماذا فاتهم من حياة القلوب واستنارة البصائر قنعوا بأقوال
استنبطتها معاول الآراء فكرا وتقطعوا أمرهم بينهم لأجلها زبرا وأوحى بعضهم إلى بعض
زخرف القول غرورا فاتخذوا لأجل ذلك القرآن مهجورا



درست معالم القرآن في قلوبهم فليسوا يعرفونها ودثرت معاهده عندهم
فليسوا يعمرونها ووقعت ألويته وأعلامه من أيديهم فليسوا يرفعونها وأفلت كواكبه النيرة
من آفاق نفوسهم فلذلك لا يحبونها وكسفت شمسه عند اجتماع ظلم آرائهم وعقدها فليسوا يبصرونها




خلعوا نصوص الوحي عن سلطان الحقيقة وعزلوها عن ولاية اليقين
وشنوا عليها غارات التأويلات الباطلة فلا يزال يخرج عليها من جيوشهم كمين بعد كمين
نزلت عليهم نزول الضيف على أقوام لئام فعاملوها بغير ما يليق بها من الإجلال والإكرام
وتلقوها من بعيد ولكن بالدفع في صدورها والأعجاز وقالوا مالك عندنا من عبور وإن كان
ولا بد فعلى سبيل الإجتياز أنزلوا النصوص منزلة الخليفة في هذا الزمان له السكة والخطبة
وماله حكم نافذ ولا سلطان المتمسك عندهم بالكتاب والسنة صاحب ظواهر مبخوس حظه من المعقول
والمقلد للآراء المتناقضة المتعارضة والأفكار المتهافتة لديهم هو الفاضل المقبول وأهل
الكتاب والسنة المقدمون لنصوصها على غيرها جهال لديهم منقوصون 2 13 وإذا قيل لهم آمنوا
كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون




حرموا والله الوصول بعدولهم عن منهج الوحي وتضييعهم الأصول





وتمسكوا بأعجاز لا صدور لها فخانتهم أحرص ما كانوا عليها وتقطعت
بهم أسبابها أحوج ما كانوا إليها حتى إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور وتميز
لكل قوم حاصلهم الذي حصلوه وانكشفت لهم حقيقة ما اعتقدوه وقدموا على ما قدموه 39
48 وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون وسقط في أيديهم عند الحصاد لما عاينوا غلة
ما بذروهفياشدة الحسرة عند ما يعاين المبطل سعيه وكده هباءا منثورا وياعظم
المصيبة عند ما يتبين بواراق أمانيه خلبا وآماله كاذبة غرورا فما ظن من انطوت سريرته
على البدعة والهوى والتعصب للآراء بربه يوم تبلى السرائر وما عذر من نبذ الوحيين وراء
ظهره في يوم لا تنفع الظالمين فيه المعاذر

[/right]أفيظن المعرض عن كتاب ربه وسنة رسوله أن ينجو من ربه بآراء الرجال
أو يتخلص من بأس الله بكثرة البحوث والجدال وضروب الأقيسة وتنوع الأشكال أو بالإشارات
والشطحات وأنواع الخيال

[/right]


هيهات والله لقد ظن أكذب الظن ومنته نفسه أبين المحال وإنما
ضمنت النجاة لمن حكم هدى الله على غيره وتزود التقوى وائتم بالدليل وسلك الصراط المستقيم
واستمسك من الوحي بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها والله سميع عليم



وبعد فلما كان كمال الإنسان إنما هو بالعلم النافع والعمل الصالح
وهما الهدى ودين الحق وبتكميله لغيره في هذين الأمرين كما قال تعالى والعصر إن الإنسان
لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر أقسم سبحانه
أن كل أحد خاسر إلا من كمل قوته العلمية بالإيمان وقوته العملية بالعمل الصالح وكمل
غيره بالتوصية بالحق والصبر عليه فالحق هو الإيمان والعمل ولا يتمان إلا بالصبر عليهما
والتواصي بهما كان حقيقا بالإنسان أن ينفق ساعات عمره بل أنفاسه فيما ينال به المطالب
العالية ويخلص به من الخسران المبين وليس ذلك إلا بالإقبال على القرآن وتفهمه وتدبره









واستخراج كنوزه وإثارة دفائنه وصرف العناية إليه والعكوف بالهمة
عليه فإنه الكفيل بمصالح العباد في المعاش والمعاد والموصل لهم إلى سبيل الرشاد فالحقيقة
والطريقة والأذواق والمواجيد الصحيحة كلها لا تقتبس إلا من مشكاته ولا تستثمر إلا من
شجراته



ونحن بعون الله ننبه على هذا بالكلام على فاتحة الكتاب وأم القرآن
وعلى بعض ما تضمنته هذه السورة من هذه المطالب وما تضمنته من الرد على جميع طوائف أهل
البدع والضلال وما تضمنته من منازل السائرين ومقامات العارفين والفرق بين وسائلها وغاياتها
ومواهبها وكسبياتها وبيان أنه لا يقوم غير هذه السورة مقامها ولا يسد مسدها ولذلك لم
ينزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها



والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم



أعلم أن هذه السورة اشتملت على أمهات المطالب العالية أتم اشتمال
وتضمنتها أكمل تضمن



فاشتملت على التعريف بالمعبود تبارك وتعالى بثلاثة أسماء مرجع
الأسماء الحسنى والصفات العليا إليها ومدارها عليها وهي الله والرب الرحمن وبنيت السورة
على الإلهية والربوبية والرحمة ف إياك نعبد مبنى على الإلهية وإياك نستعين على الربوبية
وطلب الهداية إلى الصراط المستقيم بصفة الرحمة والحمد يتضمن الأمور الثلاثة فهو المحمود
في إلهيته وربوبيته ورحمته والثناء والمجد كمالان لجده



وتضمنت إثبات المعاد وجزاء العباد بأعمالهم حسنها وسيئها وتفرد
الرب تعالى بالحكم إذ ذاك بين الخلائق وكون حكمه بالعدل وكل هذا تحت قوله مالك يوم
الدين



وتضمنت إثبات النبوات من جهات عديدة








أحدها كونه رب العالمين فلا يليق به أن يترك عباده سدى هملا
لا يعرفهم ما ينفعهم في معاشهم ومعادهم وما يضرهم فيهما فهذا هضم للربوبية ونسبة الرب
تعالى إلى ما لا يليق به وما قدره حق قدره من نسبه إليه



الثاني أخذها من اسم الله وهو المألوه المعبود ولا سبيل للعباد
إلى معرفة عبادته إلا من طريق رسله



الموضع الثالث من اسمه الرحمن فإن رحمته تمنع إهمال عباده وعدم
تعريفهم ما ينالون به غاية كما لهم فمن أعطى اسم الرحمن حقه عرف أنه متضمن لإرسال الرسل
وإنزال الكتب أعظم من تضمنه إنزال الغيث وإنبات الكلأ وأخراج الحب فاقتضاء الرحمة لما
تحصل به حياة القلوب والأرواح أعظم من اقتضائها لما تحصل به حياة الأبدان والأشباح
لكن المحجوبون إنما أدركوا من هذا الإسم حظ البهائم والدواب وأدرك منه أولو الألباب
أمرا وراء ذلك









الموضع الرابع من ذكر يوم الدين فإنه اليوم الذي يدين الله العباد
فيه بأعمالهم فيثيبهم على الخيرات ويعاقبهم على المعاصي والسيئات وما كان الله ليعذب
أحدا قبل إقامة الحجة عليه والحجة إنما قامت برسله وكتبه وبهم استحق الثواب والعقاب
وبهم قام سوق يوم الدين وسيق الأبرار إلى النعيم والفجار إلى الجحيم



الموضع الخامس من قوله إياك نعبد فإن ما يعبد به الرب تعالى
لا يكون إلا على ما يحبه ويرضاه وعبادته وهي شكره وحبه وخشيته فطرى ومعقول للعقول السليمة
لكن طريق التعبد وما يعبد به لا سبيل إلى معرفته إلا برسله وبيانهم وفي هذا بيان أن
إرسال الرسل أمر مستقر في العقول يستحيل تعطيل العالم عنه كما يستحيل تعطيله عن الصانع
فمن أنكر الرسول فقد أنكر المرسل ولم يؤمن به ولهذا جعل الله سبحانه الكفر برسله كفرا
به



الموضع السادس من قوله اهدنا الصراط المستقيم فالهداية هي البيان
والدلالة ثم التوفيق والإلهام وهو بعد البيان والدلالة ولا سبيل إلى البيان والدلالة
إلا من جهة الرسل فإذا حصل البيان والدلالة والتعريف ترتب عليه هداية التوفيق وجعل
الإيمان في القلب وتحبيبه إليه وتزيينه في القلب وجعله مؤثرا له راضيا به راغبا فيه



وهما هدايتان مستقلتان لا يحصل الفلاح إلا بهما وهما متضمنتان
تعريف مالم نعلمه من الحق تفصيلا وإجمالا وإلهامنا له وجعلنا مريدين لإتباعه ظاهرا
وباطنا ثم خلق القدرة لنا على القيام بموجب الهدى بالقول والعمل والعزم ثم إدامة ذلك
لنا وتثبيتنا عليه إلى الوفاة



ومن هنا يعلم اضطرار العبد إلى سؤال هذه الدعوة فوق كل ضرورة
وبطلان قول من يقول إذا كنا مهتدين فكيف نسأل الهداية فإن المجهول لنا من الحق أضعاف
المعلوم وما لا نريد فعله تهاونا وكسلا مثل ما نريده









أو أكثر منه أو دونه وما لا نقدر عليه مما نريده كذلك وما نعرف
جملته ولا نهتدي لتفاصيله فأمر يفوت الحصر ونحن محتاجون إلى الهداية التامة فمن كملت
له هذه الأمور كان سؤال الهداية له سؤال التثبيت والدوام



وللهداية مرتبة أخرى وهي آخر مراتبها وهي الهداية يوم القيامة
إلى طريق الجنة وهو الصرط الموصل إليها فمن هدى في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم
الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه هدى هناك إلى الصراط المستقيم الموصل إلى جنته ودار
ثوابه وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار
يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم وعلى قدر سيره على هذه الصراط يكون
سيره على ذاك الصراط فمنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالطرف ومنهم من يمر كالريح
ومنهم من يمر كشد الركاب ومنهم من يسعى سعيا ومنهم من يمشي مشيا ومنهم من يحبوا حبوا
ومنهم المخدوش المسلم ومنهم المكردس في النار فلينظر العبد سيره على ذلك الصراط من
سيره على هذا حذو القذة بالقذة جزاء وفاقا هل تجزون إلا ما كنتم تعملون



ولينظر الشبهات والشهوات التي تعوقه عن سيره على هذا الصراط
المستقيم فإنها الكلاليب التي بجنبتي ذاك الصراط تخطفه وتعوقه عن المرور عليه فإن كثرت
هنا وقويت فكذلك هي هناك وما ربك بظلام للعبيد



فسؤال الهداية متضمن لحصول كل خير والسلامة من كل شر


الموضع السابع من معرفة نفس المسئول وهو الصراط المستقيم ولا
تكون الطريق صراطا حتى تتضمن خمسة أمور الإستقامة والإيصال إلى المقصود والقرب وسعته
للمارين عليه وتعينه طريقا للمقصود ولا يخفى تضمن الصراط المستقيم لهذه الأمور الخمسة



فوصفه بالإستقامة يتضمن قربه لأن الخط المستقيم هو أقرب خط فاصل








بين نقطتين وكلما تعوج طال وبعد واستقامته تتضمن إيصاله إلى
المقصود ونصبه لجميع من يمر عليه يستلزم سعته وإضافته إلى المنعم عليهم ووصفه بمخالفة
صراط أهل الغضب والضلال يستلزم تعينه طريقا



والصراط تارة يضاف إلى الله إذ هو الذي شرعه ونصبه كقوله تعالى
6 153 وأن هذا صراطي مستقيما وقوله42 153 وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله وتارة
يضاف إلى العباد كما في الفاتحة لكونهم أهل سلوكه وهو المنسوب لهم وهم المارون عليه



الموضع الثامن من ذكر المنعم عليهم وتمييزهم عن طائفتي الغضب
والضلال



فانقسم الناس بحسب معرفة الحق والعمل به إلى هذه الأقسام الثلاثة
لأن العبد إما أن يكون عالما بالحق أو جاهلا به والعالم بالحق إما أن يكون عاملا بموجبه
أو مخالفا له فهذه أقسام المكلفين لا يخرجون عنها ألبتة فالعالم بالحق العامل به هو
المنعم عليه وهو الذي زكى نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح وهو المفلح 91 9 قد أفلح
من زكاها والعالم به المتبع هواه هو المغضوب عليه والجاهل بالحق هو الضال والمغضوب
عليه ضال عن هداية العمل والضال مغضوب عليه لضلاله عن العلم الموجب للعمل فكل منهما
ضال مغضوب عليه ولكن تارك العمل بالحق بعد معرفته به أولى بوصف الغضب وأحق به



ومن ههنا كان اليهود أحق به وهو متغلظ في حقهم كقوله تعالى في
حقهم 2 90 بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله
على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وقال تعالى 5 60 قل هل أنبئكم بشر من ذلك
مثوبة من عندالله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبدالطاغوت أولئك
شر مكانا وأضل عن سواء السبيل والجاهل بالحق أحق باسم الضلال ومن هنا وصفت النصارى
به في قوله تعالى 5 77 قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق









ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن
سواء السبيل فالأولى في سياق الخطاب مع اليهود والثانية في سياقه مع النصارى وفي الترمذي
وصحيح ابن حبان من حديث عدي بن حاتم قال قال رسول الله اليهود مغضوب عليهم والنصارى
ضالون / ح
/


ففي ذكر المنعم عليهم وهم من عرف الحق واتبعه والمغضوب عيهم
وهم من عرفه واتبع هواه والضالين وهم من جهله ما يستلزم ثبوت الرسالة والنبوة لأن انقسام
الناس إلى ذلك هو الواقع المشهود وهذه القسمة إنما أوجبها ثبوت الرسالة



وأضاف النعمة إليه وحذف فاعل الغضب لوجوه


منها أن النعمة هي الخير والفضل والغضب من باب الإنتقام والعدل
والرحمة تغلب الغضب فأضاف إلى نفسه أكمل الأمرين وأسبقهما وأقواهما وهذه طريقة القرآن
في إسناد الخيرات والنعم إليه وحذف الفاعل في مقابلتهما كقول مؤمني الجن 72 10 وأنا
لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ومنه قول الخضر في شأن الجدار
واليتيمين 18 82 فأراد ربك أن يبلغا أشدهم ويستخرجا كنزهما وقال في خرق السفينة 18
79 فأردت أن أعيبها ثم قال بعد ذلك وما فعلته عن أمري وتأمل قوله تعالى 2 187 أحل لكم
ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم وقوله 5 3 حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وقوله
4 23 حرمت عليكم أمهاتكم ثم قال 4 24 وأحل لكم ما رواء ذلكم



وفي تخصيصه لأهل الصراط المستقيم بالنعمة ما دل على أن النعمة
المطلقة هي الموجبة للفلاح الدائم وأما مطلق النعمة فعلى المؤمن والكافر فكل الخلق
في نعمه وهذا فصل النزاع في مسألة هل لله على الكافر من نعمة أم لا



فالنعمة المطلقة لأهل الإيمان ومطلق النعمة تكون للمؤمن والكافر








كما قال تعالى 14 34 وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان
لظلوم كفار



والنعمة من جنس الإحسان بل هي الإحسان والرب تعالى إحسانه على
البر والفاجر والمؤمن والكافر



وأما الإحسان المطلق فللذين اتقوا والذين هم محسنون


الوجه الثاني أن الله سبحانه هو المنفرد بالنعم 16 53 وما بكم
من نعمة فمن الله فأضيف إليه ما هو منفرد به وإن أضيف إلى غيره فلكونه طريقا ومجرى
للنعمة وأما الغضب على أعدائه فلا يختص به تعالى بل ملائكته وأنبياؤه ورسله وأولياؤه
يغضبون لغضبه فكان في لفظة المغضوب عليهم بموافقة أوليائه له من الدلالة على تفرده
بالإنعام وأن النعمة المطلقة منه وحده هوالمنفرد بها ما ليس في لفظة المنعم عليهم



الوجه الثالث أن في حذف فاعل الغضب من الإشعار بإهانة المغضوب
عليه وتحقيره وتصغير شأنه ما ليس في ذكر فاعل النعمة من إكرام المنعم عليه والإشادة
بذكره ورفع قدره ما ليس في حذفه فإذا رأيت من قد أكرمه ملك وشرفه ورفع قدره فقلت هذا
الذي أكرمه السلطان وخلع عليه وأعطاه ما تمناه كان أبلغ في الثناء والتعظيم من قولك
هذا الذي أكرم وخلع عليه وشرف وأعطى



وتأمل سرا بديعا في ذكر السبب والجزاء للطوائف الثلاثة بأوجز
لفظ وأخصره فإن الإنعام عليهم يتضمن إنعامه بالهداية التي هي العلم النافع والعمل الصالح
وهي الهدى ودين الحق ويتضمن كمال الإنعام بحسن الثواب والجزاء فهذا تمام النعمة ولفظ
أنعمت عليهم يتضمن الأمرين



وذكر غضبه على المغضوب عليهم يتضمن أيضا أمرين الجزاء بالغضب
الذي موجبه غاية العذاب والهوان والسبب الذي استحقوا به غضبه سبحانه









فإنه أرحم وأرأف من أن يغضب بلا جناية منهم ولا ضلال فكأن الغضب
عليهم مستلزم لضلالهم وذكر الضالين مستلزم لغضبه عليهم وعقابه لهم فإن من ضل استحق
العقوبة التي هي موجب ضلاله وغضب الله عليه



فاستلزم وصف كل واحد من
الطوائف الثلاث للسبب والجزاء أبين استلزام واقتضاه أكمل اقتضاء في غاية الإيجاز والبيان
والفصاحة مع ذكر الفاعل في أهل السعادة وحذفة في أهل الغضب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3oloum.7olm.org
mimou
Admin
mimou


الدولـه : : مداج السالكيـــــــن 1 Jazaer10
ذكر عدد المساهمات : 1108
نقاط : 2272
السٌّمعَة : 0
تاريخ الميلاد : 06/12/1996
تاريخ التسجيل : 01/10/2011
العمر : 27

مداج السالكيـــــــن 1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مداج السالكيـــــــن 1   مداج السالكيـــــــن 1 I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 07, 2011 3:29 pm

وإسناد الفعل إلى السبب في أهل الضلال


وتأمل المقابلة بين الهداية والنعمة والغضب والضلال فذكر المغضوب
عليهم و الضالين في مقابلة المهتدين المنعم عليهم وهذا كثير في القرآن يقرن بين الضلال
والشقاء وبين الهدى والفلاح فالثاني كقوله 2 4 أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون
وقوله أولئك لهم الأمن وهم مهتدون والأول كقوله تعالى 54 47 إن المجرمين في ضلال وسعر
وقوله 2 7 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم وقد جمع
سبحانه بين الأمور الأربعة في قوله 20 123 فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداي فلا
يضل ولا يشقى فهذا الهدى والسعادة ثم قال 20 124 ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا
ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا
فنسيتها وكذلك اليوم تنسى فذكر الضلال والشقاء



فالهدى والسعادة متلازمان والضلال والشقاء متلازمان


فصل وذكر الصراط المستقيم مفردا معرفا تعريفين
تعريفا باللام



وتعريفا بالإضافة وذلك يفيد تعينه واختصاصه وأنه صراط واحد وأما
طرق أهل الغضب والضلال فإنه سبحانه يجمعها ويفردها كقوله 6 153 وأن هذا صراطي مستقيما
فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله فوحد لفظ









الصراط و سبيله وجمع السبل المخالفة له وقال ابن مسعود خط لنا
رسول الله خطا وقال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وعن يساره وقال هذه سبل على
كل سبيل شيطان يدعو إليه ثم قرأ قوله تعالى وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا
السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون وهذا لأن الطريق الموصل إلى الله
واحد وهو ما بعث به رسله وأنزل به كتبه لا يصل إليه أحد إلا من هذه الطريق



ولو أتى الناس من كل طريق واستفتحوا من كل باب فالطرق عليهم
مسدودة والأبواب عليهم مغلقة إلا من هذا الطريق الواحد فإنه متصل بالله موصل إلى الله
قال الله تعالى 15 14 هذا صراط علي مستقيم قال الحسن معناه صراط إلي مستقيم وهذا يحتمل
أمرين أن يكون أراد به أنه من باب إقامة الأدوات بعضها مقام بعض فقامت أداة على مقام
إلى والثاني أنه أراد التفسير على المعنى وهو الأشبه بطريق السلف أي صراط موصل إلي
وقال مجاهد الحق يرجع إلى الله وعليه طريقه لا يعرج على شيء وهذا مثل قول الحسن وأبين
منه وهو من أصح ما قيل في الآية وقيل علي فيه للوجوب أي علي بيانه وتعريفه والدلالة
عليه والقولان نظير القولين في آية النحل وهي 16 9 وعلى الله قصد السبيل والصحيح فيها
كالصحيح في آية الحجر أن السبيل القاصد وهو المستقيم المعتدل يرجع إلى الله ويوصل إليه
قال طفيل الغنوي



مضوا سلفا قصد السبيل عليهم ...
وصرف المنايا بالرجال تشقلب



أي ممرنا عليهم وإليهم وصولنا وقال الآخر


فهن المنايا أي واد سلكته ...
عليها طريقي أو علي طريقها



فإن قيل لو أريد هذا المعنى لكان الأليق به أداة إلى التي هي
للإنتهاء لا أداة على التي هي للوجوب ألا ترى أنه لما أراد الوصول قال









882223 - 3 إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم وقال 30 23 إلينا مرجعهم
وقال 6 108 ثم إلى ربهم مرجعهم وقال لما أراد الوجوب 88 26 ثم إن علينا حسابهم وقال
75 17 إن علينا جمعه وقرآنه وقال 6 38 وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ونظائر
ذلك



قيل في أداة على سر لطيف وهو الإشعار بكون السالك على هذا الصراط
على هدى وهو حق كما قال في حق المؤمنين 2 4 أولئك على هدى من ربهم وقال لرسوله 27
79 فتوكل على الله إنك على الحق المبين والله عز وجل هو الحق وصراطه حق ودينه حق فمن
استقام على صراطه فهو على الحق والهدى فكان في أداة على على هذا المعنى ما ليس في أداة
إلى فتأمله فإنه سر بديع



فإن قلت فما الفائدة في ذكر على في ذلك أيضا وكيف يكون المؤمن
مستعليا على الحق وعلى الهدى



قلت لما فيه من استعلائه وعلوه بالحق والهدى مع ثباته عليه واستقامته
إليه فكان في الإتيان بأداة على ما يدل على علوه وثبوته واستقامته وهذا بخلاف الضلال
والريب فإنه يؤتى فيه بأداة في الدالة على انغماس صاحبه وانقماعه وتدسسه فيه كقوله
تعالى 9 45 فهم في ريبهم يترددون وقوله 6 39 والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات
وقوله 23 24 فذرهم في غمرتهم حتى حين وقوله 42 14 وإنهم لفي شك منه مريب



وتأمل قوله تعالى 34 24 وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين
فإن طريق الحق تأخذ علوا صاعدة بصاحبها إلى العلي الكبير وطريق الضلال تأخذ سفلا هاوية
بسالكها في أسفل سافلين



وفي قوله تعالى 15 41 قال هذا صراط علي مستقيم قول ثالث وهو
قول الكسائي إنه على التهديد والوعيد نظير قوله 89 14 إن ربك لبالمرصاد كما يقال طريقك
على وممرك على لمن تريد إعلامه بأنه









غير فائت لك ولا معجز والسياق يأبى هذا ولا يناسبه لمن تأمله
فإنه قاله مجيبا لإبليس الذي قال 15 39 لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين فإنه
لا سبيل لي إلى إغوائهم ولا طريق لي عليهم



فقرر الله عز وجل ذلك أتم التقرير وأخبر أن الإخلاص صراط عليه
مستقيم فلا سلطان لك على عبادي الذين هم على هذا الصراط لأنه صراط علي ولا سبيل لإبليس
إلى هذا الصراط ولا الحوم حول ساحته فإنه محروس محفوظ بالله فلا يصل عدو الله إلى أهله



فليتأمل العارف هذا الموضع حق التأمل ولينظر إلى هذا المعنى
ويوازن بينه وبين القولين الآخرين أيهما أليق بالآيتين وأقرب إلى مقصود القرآن وأقوال
السلف



وأما تشبيه الكسائي له بقوله إن ربك لبالمرصاد فلا يخفى الفرق
بينهما سياقا ودلالة فتأمله ولا يقال في التهديد هذا طريق مستقيم علي لمن لا يسلكه
وليست سبيل المهدد مستقيمة فهو غير مهدد بصراط الله المستقيم وسبيله التي هو عليها
ليست مستقيمة على الله فلا يستقيم هذا القول ألبتة



وأما من فسره بالوجوب أي علي بيان استقامته والدلالة عليه فالمعنى
صحيح لكن في كونه هو المراد بالآية نظر لأنه حذف في غير موضع الدلالة ولم يؤلف الحذف
المذكور ليكون مدلولا عليه إذا حذف بخلاف عامل الظرف إذا وقع صفة فإنه حذف مألوف معروف
حتى إنه لا يذكر ألبتة فإذا قلت له درهم على كان الحذف معروفا مألوفا فلو أردت علي
نقده أو علي وزنه وحفظه ونحو ذلك وحذفت لم يسغ وهو نظير علي بيانه المقدر في الآية
مع أن الذي قاله السلف أليق بالسياق وأجل المعنيين وأكبرهما



وسمعت شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية رضي الله عنه يقول
وهما نظير قوله تعالى 92 12 13 إن علينا للهدى وإن لنا للآخرة والأولى قال فهذه ثلاثة
مواضع في القرآن في هذا المعنى









قلت وأكثر المفسرين لم يذكر في سورة والليل إذا يغشى إلا معنى
الوجوب أي علينا بيان الهدى من الضلال ومنهم من لم يذكر في سورة النحل إلا هذا المعنى
كالبغوي وذكر في الحجر الأقوال الثلاثة وذكر الواحدي في بسيطه المعنيين في سورة النحل
واختار شيخنا قول مجاهد والحسن في السور الثلاث



فصل والصراط المستقيم هو صراط الله وهو يخبر أن
الصراط عليه سبحانه



كما ذكرنا ويخبر أنه سبحانه على الصراط المستقيم وهذا في موضعين
من القرآن في هود والنحل قال في هود 11 56 ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على
صراط مستقيم وقال في النحل 16 76 وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء
وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط
مستقيم فهذا مثل ضربه الله للأصنام التي لا تسمع ولا تنطق ولا تعقل وهي كل على عابدها
يحتاج الصنم إلى أن يحمله عابده ويضعه ويقيمه ويخدمه فكيف يسوونه في العادة بالله الذي
يأمر بالعدل والتوحيد وهو قادر متكلم غنى وهو على صراط مستقيم في قوله وفعله فقوله
صدق ورشد ونصح وهدى وفعله حكمة وعدل ورحمة ومصلحة هذا أصح الأقول في الآية وهو الذي
لم يذكر كثير من المفسرين غيره ومن ذكر غيره قدمه على الأقوال ثم حكاها بعده كما فعل
البغوي فإنه جزم به وجعله تفسير الآية ثم قال وقال الكلبي يدلكم على صراط مستقيم



قلت ودلالته لنا على الصراط هي من موجب كونه سبحانه على الصراط








المستقيم فإن دلالته بفعله وقوله وهو على الصراط المستقيم في
أفعاله وأقواله فلا يناقض قول من قال إنه سبحانه على الصراط المستقيم



قال وقيل هو رسول الله يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم


قلت وهذا حق لا يناقض القول الأول فالله على الصراط المستقيم
ورسوله عليه فإنه لا يأمر ولا يفعل إلا مقتضاه وموجبه وعلى هذا يكون المثل مضروبا لإمام
الكفار وهاديهم وهو الصنم الذي هو أبكم لا يقدر على هدى ولا خير والإمام الأبرار وهو
رسول الله الذي يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم









وعلى القول الأول يكون مضروبا لمعبود الكفار ومعبود الأبرار
والقولان متلازمان فبعضهم ذكر هذا وبعضهم ذكر هذا وكلاهما مراد من الآية قال وقيل كلاهما
للمؤمن والكافر يرويه عطية عن ابن عباس وقال عطاء الأبكم أبي بن خلف ومن يأمر بالعدل
حمزة وعثمان بن عفان وعثمان بن مظعون



قلت والآية تحتمله ولا يناقض القولين قبله فإن الله على صراط
مستقيم ورسوله وأتباع رسوله وضد ذلك معبود الكفار وهاديهم والكافر التابع والمتبوع
والمعبود فيكون بعض السلف ذكر أعلى الأنواع وبعضهم ذكر الهادي وبعضهم ذكر المستجيب
القابل وتكون الآية متناولة لذلك كله ولذلك نظائر كثيرة في القرآن



وأما آية هود فصريحة لا تحتمل إلا معنى واحدا وهو أن الله سبحانه
على صراط مستقيم وهو سبحانه أحق من كان على صراط مستقيم فإن أقواله كلها صدق ورشد وهدى
وعدل وحكمة 6 115 وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا وأفعاله كلها مصالح وحكم ورحمة وعدل وخير
فالشر لا يدخل في أفعاله ولا أقواله ألبتة لخروج الشر عن الصراط المستقيم فكيف يدخل
في أفعال من هو على الصراط المستقيم أو أقواله وإنما يدخل في أفعال من خرج عنه وفي
أقواله



وفي دعائه عليه الصلاة والسلام لبيك وسعديك والخير كله بيديك
والشر ليس إليك ولا يلتفت إلى تفسير من فسره بقوله والشر لا يتقرب به









إليك أو لا يصعد إليك فإن المعنى أجل من ذلك وأكبر وأعظم قدرا
فإن من أسماؤه كلها حسنى وأوصافه كلها كمال وأفعاله كلها حكم وأقواله كلها صدق وعدل
يستحيل دخول الشر في أسمائه أو أوصافه أو أفعاله أو أقواله فطابق بين هذا المعنى وبين
قوله إن ربي على صراط مستقيم وتأمل كيف ذكر هذا عقيب قوله 11 56 إني توكلت على الله
ربي وربكم أي هو ربي فلا يسلمني ولا يضيعني وهو ربكم فلا يسلطكم علي ولا يمكنكم مني
فإن نواصيكم بيده لا تفعلون شيئا بدون مشيئته فإن ناصية كل دابة بيده لا يمكنها أن
تتحرك إلا بإذنه فهو المتصرف فيها ومع هذا فهو في تصرفه فيها وتحريكه لها ونفوذ قضائه
وقدره فيها على صراط مستقيم لا يفعل ما يفعل من ذلك إلا بحكمة وعدل ومصلحة ولو سلطكم
علي فله من الحكمة في ذلك ماله الحمد عليه لأنه تسليط من هو على صراط مستقيم لا يظلم
ولا يفعل شيئا عبثا بغير حكمة



فهكذا تكون المعرفة بالله لا معرفة القدرية المجوسية والقدرية
الجبرية نفاة الحكم والمصالح والتعليل والله الموفق سبحانه



فصل ولما كان طالب الصراط المستقيم طالب أمر أكثر
الناس ناكبون عنه



مريدا لسلوك طريق مرافقه فيها في غاية القلة والعزة والنفوس
مجبولة على وحشة التفرد وعلى الأنس بالرفيق نبه الله سبحانه على الرفيق في هذه الطريق
وأنهم هم الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك
رفيقا فأضاف الصراط إلى الرفيق السالكين له وهم الذين أنهم الله عليهم ليزول عن الطالب
للهداية وسلوك الصراط وحشة تفرده عن أهل زمانه وبنى جنسه



وليعلم أن رفيقه في هذا الصراط هم الذين أنعم الله عليهم فلا
يكترث بمخالفة









الناكبين عنه له فإنهم هم الأقلون قدرا وإن كانوا الأكثرين عددا
كما قال بعض السلف عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين وإياك وطريق الباطل ولا
تغتر بكثرة الهالكين وكلما استوحشت في تفردك فانظر إلى الرفيق السابق واحرص على اللحاق
بهم وغض الطرف عمن سواهم فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإذا صاحوا بك في طريق سيرك
فلا تلتفت إليهم فإنك متى التفت إليهم أخذوك وعاقوك



وقد ضربت لذلك مثلين فليكونا منك على بال


المثل الأول رجل خرج من بيته إلى الصلاة لا يريد غيرها فعرض
له في طريقه شيطان من شياطين الإنس فألقى عليه كلاما يؤذيه فوقف ورد عليه وتماسكا فربما
كان شيطان الإنس أقوى منه فقهره ومنعه عن الوصول إلى المسجد حتى فاتته الصلاة وربما
كان الرجل أقوى من شيطان الإنس ولكن اشتغل بمهاوشته عن الصف الأول وكمال إدراك الجماعة
فإن التفت إليه أطمعه في نفسه وربما فترت عزيمته فإن كان له معرفة وعلم زاد في السعي
والجمز بقدر التفاته أو أكثر فإن أعرض عنه واشتغل بما هو بصدده وخاف فوت الصلاة أوالوقت
لم يبلغ عدوه منه ما شاء



المثل الثاني الظبي أشد سعيا من الكلب ولكنه إذا أحس به التفت
إليه فيضعف سعيه فيدركه الكلب فيأخذه



والقصد أن في ذكر هذا الرفيق ما يزيل وحشة التفرد ويحث على السير
والتشمير للحاق بهم



وهذه إحدى الفوائد في دعاء القنوت اللهم اهدني فيمن هديت أي
أدخلني في هذه الزمرة واجعلني رفيقا لهم ومعهم



والفائدة الثانية أنه توسل إلى الله بنعمه وإحسانه إلى من أنعم
عليه بالهداية









أي قد أنعمت بالهداية على من هديت وكان ذلك نعمة منك فاجعل لي
نصيبا من هذه النعمة واجعلني واحدا من هؤلاء المنعم عليهم فهو توسل إلى الله بإحسانه



والفائدة الثالثة كما يقول السائل للكريم تصدق علي في جملة من
تصدقت عليهم وعلمني في جملة من علمته وأحسن إلي في جملة من شملته بإحسانك



فصل ولما كان سؤال الله الهداية إلى الصراط المستقيم
أجل المطالب



ونيله أشرف المواهب علم الله عباده كيفية سؤاله وأمرهم أن يقدموا
بين يديه حمده والثناء عليه وتمجيده ثم ذكر عبوديتهم وتوحيدهم فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم
توسل إليه بأسمائه وصفاته وتوسل إليه بعبوديته وهاتان الوسيلتان لا يكاد يرد معهما
الدعاء ويؤيدهما الوسيلتان المذكورتان في حديثي الإسم الأعظم اللذين رواهما ابن حبان
في صحيحه والإمام أحمد والترمذي



أحدهما حديث عبدالله بن بريدة عن أبيه قال سمع النبي رجلا يدعو
ويقول اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم
يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم
الذي إذا دعى به أجاب وإذا سئل به أعطى قال الترمذي حديث صحيح فهذا توسل إلى الله بتوحيده
وشهادة الداعي له بالواحدانية وثبوت صفاته المدلول عليها باسم الصمد وهو كما قال ابن
عباس العالم الذي كمل علمه القادر الذي كملت قدرته وفي رواية عنه هو السيد الذي قد
كمل فيه جميع أنواع السؤدد وقال أبو وائل هو السيد الذي انتهى سؤده وقال سعيد بن جبير
هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله وأقواله









وبنفي التشبيه والتمثيل عنه بقوله ولم يكن له كفوا أحد وهذه
ترجمة عقيدة أهل السنة والتوسل بالإيمان بذلك والشهادة به هو الإسم الأعظم



والثاني حديث أنس أن رسول الله سمع رجلا يدعو اللهم إني أسألك
بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام ياحي يا
قيوم فقال لقد سأل الله باسمه الأعظم فهذا توسل إليه بأسمائه وصفاته



وقد جمعت الفاتحة الوسيلتين وهما التوسل بالحمد والثناء عليه
وتمجيده والتوسل إليه بعبوديته وتوحيده ثم جاء سؤال أهم المطالب وأنجح الرغائب وهو
الهداية بعد الوسيلتين فالداعي به حقيق بالإجابة



ونظير هذا دعاء النبي الذي كان يدعو به إذا قام يصلي من الليل
رواه البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن
فيهن ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك
حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق والساعة حق ومحمد حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك
توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت
أنت إلهي لا إله إلا أنت فذكر التوسل إليه بحمده والثناء عليه وبعبوديته له ثم سأله
المغفرة



فصل في اشتمال هذه السورة على أنواع التوحيد الثلاثة
التي اتفقت



عليها الرسل صلوات الله وسلامه عليهم


التوحيد نوعان نوع في العلم والإعتقاد ونوع في الإرادة والقصد
ويسمى









الأول التوحيد العلمي والثاني التوحيد القصدي الإرادي لتعلق
الأول بالأخبار والمعرفة والثاني بالقصد والإرادة وهذا الثاني أيضا نوعان توحيد في
الربوبية وتوحيد في الإلهية فهذه ثلاثة أنواع



فأما توحيد العلم فمداره إلى إثبات صفات الكمال وعلى نفي التشبيه
والمثال والتنزيه عن العيوب والنقائص وقد دل على هذا شيئان مجمل ومفصل



أما المجمل فإثبات الحمد له سبحانه وأما المفصل فذكر صفة الإلهية
والربوبية والرحمة والملك وعلى هذه الأربع مدار الأسماء والصفات



فأما تضمن الحمد لذلك فإن الحمد يتضمن مدح المحمود بصفات كماله
ونعوت جلاله مع محبته والرضا عنه والخضوع له فلا يكون حامدا من جحد صفات المحمود ولا
من أعرض عن محبته والخضوع له وكلما كانت صفات كمال المحمود أكثر كان حمده أكمل وكلما
نقص من صفات كماله نقص من حمده بحسبها ولهذا كان الحمد لله حمدا لا يحصيه سواه لكمال
صفاته وكثرتها ولأجل هذا لا يحصى أحد من خلقه ثناء عليه لما له من صفات الكمال ونعوت
الجلال التي لا يحصيها سواه ولهذا ذم الله تعالى آلهة الكفار وعابها بسلب أوصاف الكمال
عنها فعابها بأنها لا تسمع ولا تبصر ولا تتكلم ولا تهدي ولا تنفع ولا تضر وهذه صفة
إله الجهمية التي عاب بها الأصنام نسبوها إليه تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون
علوا كبيرا فقال تعالى حكاية عن خليله إبراهيم عليه السلام في محاجته لأبيه 19 42 يا
أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا فلو كان إله إبراهيم بهذه الصفة
والمثابة لقال له آزر وأنت إلهك بهذه المثابة فكيف تنكر علي لكن كان مع شركه أعرف بالله
من الجهمية وكذلك كفار قريش كانوا مع شركهم مقرين بصفات الصانع سبحانه وعلوه على خلقه
وقال تعالى 7 148 واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا









جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه
وكانوا ظالمين فلو كان إله الخلق سبحانه كذلك لم يكن في هذا إنكار عليهم واستدلال على
بطلان الإلهية بذلك



فإن قيل فالله تعالى لا يكلم عباده


قيل بلى قد كلمهم فمنهم من كلمه الله من وراء حجاب منه إليه
بلا واسطة كموسى ومنهم من كلمه الله على لسان رسوله الملكي وهم الأنبياء وكلم الله
سائر الناس على ألسنة رسله فأنزل عليهم كلامه الذي بلغته رسله عنه وقالوا لهم هذا كلام
الله الذي تكلم به وأمرنا بتبليغه إليكم ومن ههنا قال السلف من أنكر كون الله متكلما
فقد أنكر رسالة الرسل كلهم لأن حقيقتها تبليغ كلامه الذي تكلم به إلى عباده فإذا انتفى
كلامه انتفت الرسالة وقال تعالى في سورة طه عن السامري 20 88 فأخرج لهم عجلا جسدا له
خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسى أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم
ضرا ولا نفعا ورجع القول هو التكلم والتكليم وقال تعالى 16 76 ضرب الله مثلا رجلين
أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو
ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم فجعل نفي صفة الكلام موجبا لبطلان الإلهية وهذا
أمر معلوم بالفطر والعقول السليمة والكتب السماوية أن فاقد صفات الكمال لا يكون إلها
ولا مدبرا ولا ربا بل هو مذموم معيب ناقص ليس له الحمد لا في الأولى ولا في الآخرة
وإنما الحمد في الأولى والآخرة لمن له صفات الكمال ونعوت الجلال التي لأجلها استحق
الحمد ولهذا سمى السلف كتبهم التي صنفوها في السنة وإثبات صفات الرب وعلوه على خلقه
وكلامه وتكليمه توحيدا لأن نفي ذلك وإنكاره والكفر به إنكار للصانع وجحد له وإنما توحيده
إثبات صفات كماله وتنزيهه عن التشبيه والنقائص فجعل المعطلة جحد الصفات وتعطيل الصانع
عنها









توحيدا وجعلوا إثباتها لله تشبيها وتجسيما وتركيبا فسموا الباطل
باسم الحق ترغييا فيه وزخرفا ينفقونه به وسموا الحق باسم الباطل تنفيرا عنه والناس
أكثرهم مع ظاهر السكة ليس لهم نقد النقاد 18 17 من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن
تجد له وليا مرشدا والمحمود لا يحمد على العدم والسكوت ألبتة إلا إذا كانت سلب عيوب
ونقائص تتضمن إثبات أضدادها من الكمالات الثبوتية وإلا فالسلب المحض لا حمد فيه ولا
مدح ولا كمال



وكذلك حمده لنفسه على عدم اتخاذ الولد المتضمن لكمال صمديته
وغناه وملكه وتعبيد كل شيء له فاتخاذ الولد ينافي ذلك كما قال تعالى 10 67 قالوا اتخذ
الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السموات وما في الأرض



وحمد نفسه على عدم الشريك المتضمن تفرده بالربوبية والإلهية
وتوحده بصفات الكمال التي لا يوصف بها غيره فيكون شريكا له فلو عدمها لكان كل موجود
أكمل منه لأن الموجود أكمل من المعدوم ولهذا لا يحمد نفسه سبحانه بعدم إلا إذا كان
متضمنا لثبوت كمال كما حمد نفسه بكونه لا يموت لتضمنه كمال حياته وحمد نفسه بكونه لا
تأخذه سنة ولا نوم لتضمن ذلك كمال قيوميته وحمد نفسه بأنه لا يعزب عن علمه مثقال ذرة
في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر لكمال علمه وإحاطته وحمد نفسه بأنه
لا يظلم أحدا لكمال عدله وإحسانه وحمد نفسه بأنه لا تدركه الأبصار لكمال عظمته يرى
ولا يدرك كما أنه يعلم ولا يحاط به علما فمجرد نفي الرؤية ليس بكمال لأن العدم لا يرى
فليس في كون الشيء لا يرى كمال ألبتة وإنما الكمال في كونه لا يحاط به رؤية ولا إدراكا
لعظمته في نفسه وتعاليه عن إدراك المخلوق له وكذلك حمد نفسه بعدم الغفلة والنسيان لكمال
علمه



فكل سلب في القرآن حمدالله به نفسه فلمضادته لثبوت ضده ولتضمنه
كمال ثبوت ضده









فعلمت أن حقيقة الحمد تابعة لثبوت أوصاف الكمال وأن
نفيها نفي لحمده ونفي الحمد مستلزم لثبوت ضده
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3oloum.7olm.org
mimou
Admin
mimou


الدولـه : : مداج السالكيـــــــن 1 Jazaer10
ذكر عدد المساهمات : 1108
نقاط : 2272
السٌّمعَة : 0
تاريخ الميلاد : 06/12/1996
تاريخ التسجيل : 01/10/2011
العمر : 27

مداج السالكيـــــــن 1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مداج السالكيـــــــن 1   مداج السالكيـــــــن 1 I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 07, 2011 3:31 pm

فصل فهذه دلالة على توحيد الأسماء والصفات وأما
دلالة الأسماء



الخمسة عليها وهي الله والرب والرحمن والرحيم والملك فمبنى على
أصلين



أحدهما أن أسماء الرب تبارك وتعالى دالة على صفات كماله فهي
مشتقة من الصفات فهي أسماء وهي أوصاف وبذلك كانت حسنى إذ لو كانت ألفاظا لا معانى فيها
لم تكن حسنى ولا كانت دالة على مدح ولا كمال ولساغ وقوع أسماء الإنتقام والغضب في مقام
الرحمة والإحسان وبالعكس فيقال اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت المنتقم واللهم
أعطني فإنك أنت الضار المانع ونحو ذلك



ونفي معاني أسمائه الحسنى من أعظم الإلحاد فيها قال تعالى 7
170 وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ولأنها لو لم تدل على معان
وأوصاف لم يجز أن يخبر عنها بمصادرها ويوصف بها لكن الله أخبر عن نفسه بمصادرها وأثبتها
لنفسه وأثبتها له رسوله كقوله تعالى 51 58 إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين فعلم
أن القوى من أسمائه ومعناه الموصوف بالقوة وكذلك قوله 35 10 فلله العزة جميعا فالعزيز
من له العزة فلولا ثبوت القوة والعزة له لم يسم قويا ولا عزيزا وكذلك قوله 4 166 أنزله
بعلمه 11 14 فاعلموا أنما أنزل بعلم الله 2 255 ولا يحيطون بشيء من علمه



وفي الصحيح عن النبي إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض
القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل









الليل حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه
بصره من خلقه فأثبت المصدر الذي اشتق منه اسمه البصير



وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها الحمد لله الذي وسع
سمعه الأصوات



وفي الصحيحح حديث الإستخارة اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك
بقدرتك فهو قادر بقدرة



وقال تعالى لموسى 7 144 إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي
فهو متكلم بكلام



وهو العظيم الذي له العظمة كما في الصحيح عنه يقول الله تعالىالعظمة
إزاري والكبرياء ردائي وهو الحكيم الذي له الحكم 40 12 فالحكم لله العلي الكبير وأجمع
المسلمون أنه لو حلف بحياة الله أو سمعه أو بصره أو قوته أو عزته أو عظمته انعقدت يمينه
وكانت مكفرة لأن هذه صفات كماله التي اشتقت منها أسماؤه



وأيضا لو لم تكن أسماؤه مشتملة على معان وصفات لم يسغ أن يخبر
عنه بأفعالها فلا يقال يسمع ويرى ويعلم ويقدر ويريد فإن ثبوت أحكام الصفات فرع ثبوتها
فإذا انتقى أصل الصفة استحال ثبوت حكمها



وأيضا فلو لم تسكن أسماؤه ذوات معان وأوصاف لكانت جامدة كالأعلام
المحضة التي لم توضع لمسماها باعتبار معنى قام به فكانت كلها سواء ولم يكن فرق بين
مدلولاتها وهذا مكابرة صريحة وبهت بين فإن من جعل معنى اسم القدير هو معنى اسم السميع
البصير ومعنى اسم التواب هو معنى اسم المنتقم ومعنى اسم المعطي هو معنى اسم المانع
فقد كابر العقل واللغة والفطرة



فنفي معاني أسمائه من أعظم الإلحاد فيها والإلحاد فيها أنواع
هذا أحدها









الثاني تسمية الأوثان بها كما يسمونها آلهة وقال ابن عباس ومجاهد
عدلوا بأسماء الله تعالى عما هي عليه فسموا بها أوثانهم فزادوا ونقصوا فاشتقوا اللات
من الله والعزى من العزيز ومناة من المنان وروي عن ابن عباس يلحدون في أسمائه يكذبون
عليه وهذا تفسير بالمعنى



وحقيقة الإلحاد فيها العدول بها عن الصواب فيها وإدخال ما ليس
من معانيها فيها وإخراج حقائق معانيها عنها هذا حقيقة الإلحاد ومن فعل ذلك فقد كذب
على الله ففسر ابن عباس الإلحاد بالكذب أو هو غاية الملحد في أسمائه تعالى فإنه إذا
أدخل في معانيها ما ليس منها وخرج بها عن حقائقها أو بعضها فقد عدل بها عن الصواب والحق
وهو حقيقة الإلحاد



فالإلحاد إما بجحدها وإنكارها وإما بجحد معانيها وتعطيلها وإما
بتحريفها عن الصواب وإخراجها عن الحق بالتأويلات الباطلة وإما بجعلها أسماء لهذه المخلوقات
المصنوعات كإلحاد أهل الإتحاد فإنهم جعلوها أسماء هذا الكون محمودها ومذمومها حتى قال
زعيمهم وهو المسمى بكل اسم ممدوح عقلا وشرعا وعرفا وبكل اسم مذموم عقلا وشرعا وعرفا
تعالى الله عما يقول الملحدون علوا كبيرا



فصل الأصل الثاني أن الإسم من أسمائه تبارك وتعالى
كما يدل على



الذات والصفة التي اشتق منها بالمطابقة فإنه يدل عليه دلالتين
أخريين بالتضمن واللزوم فيدل على الصفة بمفردها بالتضمن وكذلك على الذات المجردة عن
الصفة ويدل على الصفة الأخرى باللزوم فإن اسم السميع يدل على ذات الرب وسمعه بالمطابقة
وعلى الذات وحدها وعلى السمع وحده بالتضمن ويدل على اسم الحي وصفة الحياة بالإلتزام
وكذلك سائر أسمائه وصفاته ولكن يتفاوت الناس









في معرفة اللزوم وعدمه ومن ههنا يقع اختلافهم في كثير من الأسماء
والصفات والأحكام فإن من علم أن الفعل الإختياري لازم للحياة وأن السمع والبصر لازم
للحياة الكاملة وأن سائر الكمال من لوازم الحياة الكاملة أثبت من أسماء الرب وصفاته
وأفعاله ما ينكره من لم يعرف لزوم ذلك ولا عرف حقيقة الحياة ولوازمها وكذلك سائر صفاته



فإن اسم العظيم له لوازم ينكرها من لم يعرف عظمة الله ولوازمها



وكذلك اسم العلي واسم الحكيم وسائر أسمائه فإن من لوازم اسم
العلي العلو المطلق بكل اعتبار فله العلو المطلق من جميع الوجوه علو القدر وعلو القهر
وعلو الذات فمن جحد علو الذات فقد جحد لوازم اسمه العلي



وكذلك اسمه الظاهر من لوازمه أن لا يكون فوقه شيء كما في الصحيح
عن النبي وأنت الظاهر فليس فوقك شيء بل هو سبحانه فوق كل شيء فمن جحد فوقيته سبحانه
فقد جحد لوازم اسمه الظاهر ولا يصح أن يكون الظاهر هو من له فوقية القدر فقط كما يقال
الذهب فوق الفضة والجوهر فوق الزجاج لأن هذه الفوقية تتعلق بالظهور بل قد يكون المفوق
أظهر من الفائق فيها ولا يصح أن يكون ظهور القهر والغلبة فقط وإن كان سبحانه ظاهرا
بالقهر والغلبة لمقابلة الإسم الباطن وهو الذي ليس دونه شيء كما قابل الأول الذي ليس
قبله شيء ب الآخر الذي ليس بعده شيء



وكذلك اسم الحكيم من لوازمه ثبوت الغايات المحمودة المقصودة
له بأفعاله ووضعه الأشياء في مواضعها وإيقاعها على أحسن الوجوه فإنكار ذلك إنكار لهذا
الإسم ولوازمه وكذلك سائر أسمائه الحسنى









فصل إذا تقرر هذان الأصلان فاسم الله دال على جميع
الأسماء الحسنى



والصفات العليا بالدلالات الثلاث فإنه دال على إلهيته المتضمنة
لثبوت صفات الإلهية له مع نفي أضدادها عنه



وصفات الإلهية هي صفات الكمال المنزهة عن التشبيه والمثال وعن
العيوب والنقائص ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحسنى إلى هذا الإسم العظيم كقوله
تعالى 7 180 ولله الأسماء الحسنى ويقال الرحمن والرحيم والقدوس والسلام والعزيز والحكيم
من أسماء الله ولا يقال الله من أسماء الرحمن ولا من أسماء العزيز ونحو ذلك



فعلم أن اسمه الله مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى دال عليها
بالإجمال والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم الله واسم
الله دال على كونه مألوها معبودا تألهه الخلائق محبة وتعظيما وخضوعا وفزعا









إليه في الحوائج والنوائب وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته
المتضمنين لكمال الملك والحمد وإلهيته وربوبيته ورحمانيته وملكه مستلزم لجميع صفات
كماله إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي ولا سميع ولا بصير ولا قادر ولا متكلم ولا فعال
لما يريد ولا حكيم في أفعاله



وصفات الجلال والجمال أخص باسم الله



وصفات الفعل والقدرة والتفرد بالضر والنفع والعطاء والمنع ونفوذ
المشيئة وكمال القوة وتدبير أمر الخليقة أخص باسم الرب



وصفات الإحسان والجود والبر والحنان والمنة والرأفة واللطف أخص
باسم الرحمن وكرر إيذانا بثبوت الوصف وحصول أثره وتعلقه بمتعلقاته



فالرحمن الذي الرحمة وصفه والرحيم الراحم لعباده ولهذا يقول
تعالى 33 43 وكان بالمؤمنين رحيما 9 117 إنه بهم رءوف رحيم ولم يجيء رحمان بعباده ولا
رحمان بالمؤمنين مع ما في اسم الرحمن الذي هو على وزن فعلان من سعة هذا الوصف وثبوت
جميع معناه الموصوف به



ألا ترى أنهم يقولون غضبان للممتليء غضبا وندمان وحيران وسكران
ولهفان لمن ملىء بذلك فبناء فعلان للسعة والشمول ولهذا يقرن استواءه على العرش بهذا
الإسم كثيرا كقوله تعالى 20 5 الرحمن على العرش استوى 26 59 ثم استوى على العرش الرحمن
فاستوى على عرشه باسم الرحمن لأن العرش محيط بالمخلوقات قد وسعها والرحمة محيطة بالخلق
واسعة لهم كما قال تعالى 7 156 ورحمتي وسعت كل شيء فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع
الصفات فلذلك وسعت رحمته كل شيء وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال
رسول الله لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده موضوع على العرش إن رحمتي تغلب
غضبي وفي لفظ فهو عنده على العرش









فتأمل اختصاص هذا الكتاب بذكر الرحمة ووضعه عنده على العرش وطابق
بين ذلك وبين قوله الرحمن على العرش استوى وقوله 25 156 ثم استوى على العرش الرحمن
فاسأل به خبيرا ينفتح لك باب عظيم من معرفة الرب تبارك وتعالى إن لم يغلقه عنك التعطيل
والتجهم



وصفات العدل والقبض والبسط والخفض والرفع والعطاء والمنع والإعزاز
والإذلال والقهر والحكم ونحوها أخص باسم الملك وخصه بيوم الدين وهو الجزاء بالعدل لتفرده
بالحكم فيه وحده ولأنه اليوم الحق وما قبله كساعة ولأنه الغاية وأيام الدنيا مراحل
إليه



فصل وتأمل ارتباط الخلق والأمر بهذه الأسماء الثلاثة
وهي الله



والرب والرحمن كيف نشأ عنها الخلق والأمر والثواب والعقاب وكيف
جمعت الخلق وفرقتهم فلها الجمع ولها الفرق



فاسم الرب له الجمع الجامع لجميع المخلوقات فهو رب كل شيء وخالقه
والقادر عليه لا يخرج شيء عن ربوبيته وكل من في السموات والأرض عبد له في قبضته وتحت
قهره فاجتمعوا بصفة الربوبية وافترقوا بصفة الإلهية فألهه وحده السعداء وأقروا له طوعا
بأنه الله الذي لا إله إلا هو الذي لا تنبغي العبادة والتوكل والرجاء والخوف والحب
والإنابة والإخبات والخشية والتذلل والخضوع إلا له



وهنا افترق الناس وصاروا فريقين فريقا مشركين في السعير وفريقا
موحدين في الجنة



فالإلهية هي التي فرقتهم كما أن الربوبية هي التي جمعتهم



فالدين والشرع والأمر والنهي مظهره وقيامه من صفة الإلهية والخلق









والإيجاد والتدبير والفعل من صفة الربوبية والجزاء بالثواب والعقاب
والجنة والنار من صفة الملك وهو ملك يوم الدين فأمرهم بإلهيته وأعانهم ووفقهم وهداهم
وأضلهم بربوبيته وأثابهم وعاقبهم بملكه وعدله وكل واحدة من هذه الأمور لا تنفك عن الأخرى



وأما الرحمة فهي التعلق والسبب الذي بين الله وبين عباده فالتأليه
منهم له والربوبية منه لهم والرحمة سبب واصل بينه وبين عباده بها أرسل إليهم رسله وأنزل
عليهم كتبه وبها هداهم وبها أسكنهم دار ثوابه وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم فبينهم
وبينه سبب العبودية وبينه وبينهم سبب الرحمة



واقتران ربوبيته برحمته كاقتران استوائه على عرشه برحمته ف الرحمن
على العرش استوى مطابق لقوله رب العالمين الرحمن الرحيم فإن شمول الربوبية وسعتها بحيث
لا يخرج شيء عنها أقصى شمول الرحمة وسعتها فوسع كل شيء برحمته وربوبيته مع أن في كونه
ربا للعالمين ما يدل على علوه على خلقه وكونه فوق كل شيء كما يأتي بيانه إن شاء الله



فصل في ذكر هذه الأسماء بعد الحمد وإيقاع الحمد
على مضمونها



ومقتضاها ما يدل على أنه محمود في إلهيته محمود في ربوبيته محمود
في رحمانيته محمود في ملكه وأنه إله محمود ورب محمود ورحمان محمود وملك محمود فله بذلك
جميع أقسام الكمال كمال من هذا الإسم بمفرده وكمال من الآخر بمفرده وكمال من اقتران
أحدهما بالآخر



مثال ذلك قوله تعالى والله غني حميد والله عليم حكيم والله قدير
والله غفور رحيم فالغنى صفة كمال والحمد صفة كمال واقتران غناه بحمده كمال









أيضا وعلمه كمال وحكمته كمال واقتران العلم بالحكمة كمال أيضا
وقدرته كمال ومعفرته كمال واقتران القدرة بالمغفرة كمال وكذلك العفو بعد القدرة 4
14 إن الله كان عفوا قديرا واقتران العلم بالحلم 4 11 والله عليم حليم



وحملة العرش أربعة اثنان يقولان سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد
على حلمك بعد علمك واثنان يقولان سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك
فما كل من قدر عفا ولا كل من عفا يعفو عن قدرة ولا كل من علم يكون حليما ولا كل حليم
عالم فما قرن شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم ومن عفو إلى قدرة ومن ملك إلى حمد ومن
عزة إلى رحمة 26 9 وإن ربك لهو العزيز الرحيم ومن ههنا كان قول المسيح عليه السلام
5 121 إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم أحسن من أن يقول
وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم أي إن غفرت لهم كان مصدر مغفرتك عن عزة وهي كمال
القدرة وعن حكمة وهي كمال العلم فمن غفر عن عجز وجهل بجرم الجاني لا يكون قادرا حكيما
عليما بل لا يكون ذلك إلا عجزا فأنت لا تغفر إلا عن قدرة تامة وعلم تام وحكمة تضع بها
الأشياء مواضعها فهذا أحسن من ذكر الغفور الرحيم في هذا الموضع الدال ذكره على التعريض
بطلب المغفرة في غير حينها وقد فاتت فإنه لو قال وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم
كان في هذا من الإستعطاف والتعريض بطلب المغفرة لمن لا يستحقها ما ينره عنه منصب المسيح
عليه السلام لا سيما والموقف موقف عظمة وجلال وموقف انتقام ممن جعل لله ولدا واتخذه
إلها من دونه فذكر العزة والحكمة فيه أليق من ذكر الرحمة والمغفرة وهذا بخلاف قول الخليل
عليه السلام 14 35 و36 واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس
فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ولم يقل









فإنك عزيز حكيم لأن المقام استعطاف وتعريض بالدعاء أي إن تغفر
لهم وترحمهم بأن توفقهم للرجوع من الشرك إلى التوحيد ومن المعصية إلى الطاعة كما في
الحديث اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون



وفي هذا أظهر الدلالة على أن أسماء الرب تعالى مشتقة من أوصاف
ومعان قامت به وأن كل اسم يناسب ما ذكر معه واقترن به من فعله وأمره والله الموفق للصواب



فصل في مراتب الهداية الخاصة والعامة وهي عشر مراتب
المرتبة



الأولى مرتبة تكليم الله عز وجل لعبده يقظة بلا واسطة بل منه
إليه وهذه أعلى مراتبها كما كلم موسى بن عمران صلوات الله وسلامه على نبينا وعليه قال
الله تعالى 4 163 وكلم الله موسى تكليما فذكر في أول الآية وحيه إلى نوح والنبيين من
بعده ثم خص موسى من بينهم بالإخبار بأنه كلمه وهذا يدل على أن التكليم الذي حصل له
أخصمن مطلق الوحي الذي ذكر في أول الآية ثم أكده بالمصدر الحقيقي الذي هو مصدر كلم
هو التكليم رفعا لما يتوهمه المعطلة والجهمية والمعتزلة وغيرهم من أنه إلهام أو إشارة
أو تعريف للمعنى النفسي بشيء غير التكليم فأكده بالمصدر المفيد تحقيق النسبة ورفع توهم
المجاز قال الفراء العرب تسمى ما يوصل إلى الإنسان كلاما بأي طريق وصل ولكن لا تحققه
بالمصدر فإذا حققته بالمصدر لم يكن إلا حقيقة الكلام كالإرادة يقال فلان أراد إرادة
يريدون حقيقة الإرادة ويقال أراد الجدار ولا يقال إرادة لأنه مجاز غير حقيقة هذا كلامه
وقال تعالى 7 142 ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك وهذا التكليم
غير التكليم الأول الذي أرسله به إلى فرعون وفي هذا التكليم









الثاني سأل النظر لا في الأول وفيه أعطى الألواح وكان عن مواعدة
من الله له والتكليم الأول لم يكن عن مواعدة وفيه قال الله له 7 143 يا موسى إني اصطفيتك
على الناس برسالاتي وبكلامي أي بتكليمي لك بإجماع السلف



وقد أخبر سبحانه في كتابه أنه ناداه وناجاه فالنداء من بعد والنجاء
من قرب تقول العرب إذا كبرت الحلقة فهو نداء أو نجاء وقال له أبوه آدم في محاجته أنت
موسى الذي اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده وكذلك يقوله له أهل الموقف إذا طلبوا
منه الشفاعة إلى ربه وكذلك في حديث الإسراء في رؤية موسى في السماء السادسة أو السابعة
على اختلاف الرواية قال وذلك بتفضيله بكلام الله ولو كان التكليم الذي حصل له من جنس
ما حصل لغيره من الأنبياء لم يكن لهذا التخصيص به في هذه الأحاديث معنى ولا كان يسمى
كليم الرحمن وقال تعالى 42 51 وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب
أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ففرق بين تكليم الوحي والتكليم بإرسال الرسول والتكليم
من وراء حجاب



فصل المرتبة الثانية مرتبة الوحي المختص بالأنبياء
قال الله تعالى



4 126 - إنا أوحينا إليك كما أوحينا
إلى نوح والنبيين من بعده وقال 42 51 وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء
حجاب الآية فجعل الوحي في هذه الآية قسما من أقسام التكليم وجعله في آية النساء قسيما
للتكليم وذلك باعتبارين فإنه قسيم التكليم الخاص الذي هو بلا واسطة وقسم من التكليم
العام الذي هو إيصال المعنى بطرق متعددة









والوحي في اللغة هو الإعلام السريع الخفي ويقال في فعله وحى
وأوحى قال رؤية وحى لها القرار فاستقرت وهو أقسام كما سنذكره



فصل المرتبة الثالثة إرسال الرسول الملكي إلى الرسول
البشري فيوحى



إليه عن الله ما أمره أن يوصله إليه



فهذه المراتب الثلاث خاصة بالأنبياء لا تكون لغيرهم



ثم هذا الرسول الملكي قد يتمثل للرسول البشرى رجلا يراه عيانا
ويخاطبه وقد يراه على صورته التي خلق عليها وقد يدخل فيه الملك ويوحى إليه ما يوحيه
ثم يفصم عنه أي يقلع والثلاثة حصلت لنبينا



فصل المرتبة الرابعة مرتبة التحديث وهذه دون مرتبة
الوحي الخاص



وتكون دون مرتبة الصديقين كما كانت لعمر بن الخطاب رضي الله
عنه كما قال النبي إنه كان في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في هذه الأمة فعمر بن الخطاب
/ ح

/



وسمعت شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية رحمه الله يقول جزم بأنهم
كائنون في الأمم قبلنا وعلق وجودهم في هذه الأمة ب إن الشرطية مع أنها أفضل الأمم لاحتياج
الأمم قبلنا إليهم واستغناء هذه الأمة عنهم بكمال نبيها ورسالته فلم يحوج الله الأمة
بعده إلى محدث ولا ملهم ولا صاحب كشف ولا منام فهذا التعليق لكمال الأمة واستغنائها
لا لنقصها



والمحدث هو الذي يحدث في سره وقلبه بالشيء فيكون كما يحدث به



قال شيخنا والصديق أكمل من المحدث لأنه استغنى بكمال صديقيته









ومتابعته عن التحديث والإلهام والكشف فإنه قد سلم قلبه كله وسره
وظاهره وباطنه للرسول فاستغنى به عما منه



قال وكان هذا المحدث يعرض ما يحدث به على ما جاء به الرسول فإن
وافقه قبله وإلا رده فعلم أن مرتبة الصديقية فوق مرتبة التحديث



قال وأما ما يقوله كثير من أصحاب الخيالات والجهالات حدثني قلبي
عن ربي فصحيح أن قلبه حدثه ولكن عمن عن شيطانه أو عن ربه فإذا قال حدثني قلبي عن ربي
كان مسندا الحديث إلى من لم يعلم أنه حدثه به وذلك كذب قال ومحدث الأمة لم يكن يقول
ذلك ولا تفوه به يوما من الدهر وقد أعاذه الله من أن يقول ذلك بل كتب كاتبه يوما هذا
ما أرى الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقال لا امحه واكتب هذا ما رأى عمر بن الخطاب
فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمن عمر والله ورسوله منه برىء وقال في الكلالة
أقول فيها برأيى فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان فهذا قول المحدث
بشهادة الرسول وأنت ترى الإتحادي والحلولي والإباحي الشطاح والسماعي مجاهر بالقحة والفرية
يقول حدثني قلبي عن ربي



فانظر إلى ما بين القائلين والمرتبتين والقولين والحالين وأعط
كل ذي حق حقه ولا تجعل الزغل والخالص شيئا واحدا









فصل المرتبة الخامسة مرتبة الإفهام قال الله تعالى
وداود



وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم
شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما فذكر هذين النبيين الكريمين وأثنى عليهما
بالعلم والحكم وخص سليمان بالفهم في هذه الواقعة المعينة وقال على ابن أبي طالب وقد
سئل هل خصكم رسول الله بشيء دون الناس فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلافهما
يؤتيه الله عبدا في كتابه وما في هذه الصحيفة وكان فيها العقل وهو الديات وفكاك الأسير
وأن لا يقتل مسلم بكافر وفي كتاب عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما والفهم
الفهم فيما أدلى إليك فالفهم نعمة من الله على عبده ونور يقذفه الله في قلبه يعرف به
ويدرك مالا يدركه غيره ولا يعرفه فيفهم من النص مالا يفهمه غيره مع استوائهما في حفظه
وفهم أصل معناه



فالفهم عن الله ورسوله عنوان الصديقية ومنشور الولاية النبوية
وفيه تفاوتت مراتب العلماء حتى عد ألف بواحد فانظر إلى فهم ابن عباس وقد سأله عمر ومن
حضر من أهل بدر وغيرهم عن سورة إذا جا نصر الله والفتح وما خص به ابن عباس من فهمه
منها أنها نعى الله سبحانه نبيه إلى نفسه وإعلامه بحضور أجله وموافقة عمر له على ذلك
وخفائه عن غيرهما من الصحابة وابن عباس إذ ذاك أحدثهم سنا وأين تجد في هذه السورة الإعلام
بأجله لولا الفهم الخاص ويدق هذا حتى يصل إلى مراتب تتقاصر عنها أفهام أكثر الناس فيحتاج
مع النص إلى غيره ولا يقع الإستغناء بالنصوص في حقه وأما في حق صاحب الفهم فلا يحتاج
مع النصوص إلى غيرها









فصل المرتبة السادسة مرتبة البيان العام وهو تبيين
الحق وتمييزه من



الباطل بأدلته وشواهده وأعلامه بحيث يصير مشهودا للقلب كشهود
العين للمرئيات وهذه المرتبة هي حجة الله على خلقه التي لا يعذب أحدا ولا يضله إلا
بعد وصوله إليها قال الله تعالى 9 115 وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين
لهم ما يتقون فهذا الإضلال عقوبة منه لهم حين بين لهم فلم يقبلوا ما بينه لهم ولم يعملوا
به فعاقبهم بأن أضلهم عن الهدى وما أضل الله سبحانه أحدا قط إلا بعد هذا البيان



وإذا عرفت هذا عرفت سر القدر وزالت عنك شكوك كثيرة وشبهات في
هذا الباب وعلمت حكمة الله في إضلاله من يضله من عباده والقرآن يصرح بهذا في غير موضع
كقوله 61 5 فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم 4 155 وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها
بكفرهم فالأول كفر عناد والثاني كفر طبع وقوله 6 110 ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم
يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون فعاقبهم على ترك الإيمان به حين تيقنوه
وتحققوه بأن قلب أفئدتهم وأبصارهم فلم يهتدوا له



فتأمل هذا الموضع حق التأمل فإنه موضع عظيم



وقال تعالى 41 17 وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى
فهذا هدى بعد البيان والدلالة وهو شرط لا موجب فإنه إن لم يقترن به هدى آخر بعده لم
يحصل به كمال الإهتداء وهو هدى التوفيق والإلهام



وهذا البيان نوعان بيان بالآيات المسموعة المتلوة وبيان بالآيات
المشهودة المرئية وكلاهما أدلة وآيات على توحيد الله وأسمائه وصفاته وكماله وصدق ما
أخبرت به رسله عنه ولهذا يدعو عباده بآياته المتلوة إلى التفكير في آياته المشهودة









ويحضهم على التفكر في هذه وهذه وهذا البيان هو الذي بعثت به
الرسل وجعل إليهم وإلى العلماء بعدهم وبعد ذلك يضل الله من يشاء قال الله تعالى 64
4 وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو
العزيز الحكيم فالرسل تبين والله هو الذي يضل من يشاء ويهدي من يشاء بعزته وحكمته



فصل المرتبة السابعة البيان الخاص وهو البيان المستلزم
للهداية



الخاصة وهو بيان تقارنه العناية والتوفيق والإجتباء وقطع أسباب
الخذلان وموادها عن القلب فلا تتخلف عنه الهداية ألبتة قال تعالى في هذه المرتبة
16 37 إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وقال 38 56 إنك لا تهدي من أحببت
ولكن الله يهدي من يشاء فالبيان الأول شرط وهذا موجب



فصل المرتبة الثامنة مرتبة الإسماع قال الله تعالى
ولو علم



الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون وقد قال
تعالى 35 22 وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما
يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور إن أنت
إلا نذير وهذا الإسماع أخص من إسماع الحجة والتبليغ فإن ذلك حاصل لهم وبه قامت الحجة
عليهم لكن ذاك إسماع الآذان وهذا إسماع القلوب فإن الكلام له لفظ ومعنى وله نسبة إلى
الآذان والقلب وتعلق بهما فسماع لفظه حظ الأذن وسماع حقيقة معناه ومقصوده حظ القلب
فإنه سبحانه نفى عن الكفار سماع المقصود والمراد الذي هو حظ القلب وأثبت لهم سماع الألفاظ
الذي هو حظ الأذن









في قوله 21 2 ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم
يلعبون لاهية قلوبهم وهذا السماع لا يفيد السامع إلا قيام الحجة عليه أو تمكنه منها



وأما مقصود السماع وثمرته والمطلوب منه فلا يحصل مع لهو القلب
وغفلته وإعراضه بل يخرج السامع قائلا للحاضر معه 47 16 ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع
الله على قلوبهم



والفرق بين هذه المرتبة ومرتبة الإفهام أن هذه المرتبة إنما
تحصل بواسطة الأذن ومرتبة الإفهام أعم فهي أخص من مرتبة الفهم من هذا الوجه ومرتبة
الفهم أخص من وجه آخر وهي أنها تتعلق بالمعنى المراد ولوازمه ومتعلقاته وإشاراته ومرتبة
السماع مدارها على إيصال المقصود بالخطاب إلى القلب ويترتب على هذا السماع سماع القبول



فهو إذن ثلاث مراتب سماع الأذن وسماع القلب وسماع القبول والإجابة



فصل المرتبة التاسعة مرتبة الإلهام قال تعالى ونفس
وما



سواها فألهمها فجورها وتقواها وقال النبي لحصير بن منذر الخزاعي
لما أسلم قل اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي



وقد جعل صاحب المنازل الإلهام هو مقام المحدثين قال وهو فوق
مقام الفراسة لأن الفراسة ربما وقعت نادرة واستصعبت على صاحبها وقتا أو استعصت عليه
والإلهام لا يكون إلا في مقام عتيد



قلت التحديث أخص من الإلهام فإن الإلهام عام للمؤمنين بحسب إيمانهم
فكل مؤمن فقد ألهمه الله رشده الذي حصل له به الإيمان فأما التحديث فالنبي قال فيه
إن يكن في هذه الأمة أحد فعمر يعني من المحدثين فالتحديث إلهام خاص وهو الوحي إلى غير
الأنبياء









إما من المكلفين كقوله تعالى 28 7 وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه
وقوله 5 111 وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي وإما من غير المكلفين كقوله
تعالى 16 29 وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون فهذا
كله وحي إلهام



وأما جعله فوق مقام الفراسة فقد احتج عليه بأن الفراسة ربما
وقعت نادرة كما تقدم والنادر لا حكم له وربما استعصت على صاحبها واستصعبت عليه فلم
تطاوعه والإلهام لا يكون إلا في مقام عتيد يعني في مقام القرب والحضور



والتحقيق في هذا أن كل واحد من الفراسة والإلهام ينقسم إلى عام
وخاص وخاص كل واحد منهما فوق عام الآخر وعام كل واحد قد يقع كثيرا وخاصة قد يقع نادرا
ولكن الفرق الصحيح أن الفراسة قد تتعلق بنوع كسب وتحصيل وأما الإلهام فموهبة مجردة
لا تنال بكسب ألبتة



فصل قال وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى نبأ
يقع وحيا قاطعا



مقرونا بسماع إذ مطلق النبأ الخبر الذي له شأن فليس كل خبر نبأ
وهو نبأ خبر عن غيب معظم



ويريد بالوحي والإلهام الإعلام الذي يقطع من وصل إليه بموجبه
إما بواسطة سمع أو هو الإعلام بلا واسطة



قلت أما حصوله بواسطة سمع فليس ذلك إلهاما بل هو من قبيل الخطاب
وهذا يستحيل حصوله لغير الأنبياء وهو الذي خص به موسى إذ كان المخاطب هو الحق عز وجل



وأما ما يقع لكثير من أرباب الرياضات من سماع فهو من أحد وجوه
ثلاثة لا رابع لها أعلاها أن يخاطبه الملك خطابا جزئيا فإن هذا يقع لغير الأنبياء فقد
كانت الملائكة تخاطب عمران بن حصين بالسلام فلما اكتوى تركت خطابه فلما ترك الكي عاد
إليه خطاب ملكي وهو نوعان









أحدها خطاب يسمعه بأذنه وهو نادر بالنسبة إلى عموم المؤمنين



والثاني خطاب يلقى في قلبه يخاطب به الملك روحه كما في الحديث
المشهور إن للملك لمة بقلب ابن آدم وللشيطان لمة فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالوعد
ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالوعد ثم قرأ 2 268 الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم
بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا وقال تعالى 8 12 إذ يوحى ربك إلى الملائكة أني
معكم فثبتوا الذين آمنوا قيل في تفسيرها قووا قلوبهم وبشروهم بالنصر وقيل احضروا معهم
القتال والقولان حق فإنهم حضروا معهم القتال وثبتوا قلوبهم



ومن هذا الخطاب واعظ الله عز وجل في قلوب عباده المؤمنين كما
في جامع الترمذي ومسند أحمد من حديث النواس بن سمعان عن النبي إن الله تعالى ضرب مثلا
صراطا مستقيما وعلى كنفتي الصراط سوران لهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وداع
يدعو على رأس الصراط وداع يدعو فوق الصراط فالصراط المستقيم الإسلام والسوران حدود
الله والأبواب المفتحة محارم الله فلا يقع أحد في حد من حدود الله حتى يكشف الستر والداعي
على رأس الصراط كتاب الله والداعي فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مؤمن فهذا الواعظ
في قلوب المؤمنين هو الإلهام الإلهي بواسطة الملائكة



وأما وقوعه بغير واسطة فمما لم يتبين بعد والجزم فيه بنفي أو
إثبات موقوف على الدليل والله أعلم



فصل النوع الثاني من الخطاب المسموع خطاب الهواتف
من الجان وقد



يكون المخاطب جنيا مؤمنا صالحا وقد يكون شيطانا وهذا أيضا نوعان
أحدهما أن يخاطبه خطابا يسمعه بأذنه









والثاني أن يلقى في قلبه عند ما يلم به ومنه وعده وتمنيته حين
يعد الإنسى ويمنيه ويأمره وينهاه كما قال تعالى 4 120 يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان
إلا غرورا وقال الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء وللقلب من هذا الخطاب نصيب وللأذن
أيضا منه نصيب والعصمة منتفية إلا عن الرسل ومجموع الأمة



فمن أين للمخاطب أن هذا الخطاب رحماني أو ملكي بأي برهان أو
بأي دليل والشيطان يقذف في النفس وحيه ويلقى في السمع خطابه فيقول المغرور المخدوع
قيل لي وخوطبت صدقت لكن الشأن في القائل لك والمخاطب وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله
عنه لغيلان بن سلمة وهو من الصحابة لما طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه إني لأظن الشيطان
فيما يسترق من السمع سمع بموتك فقذفه في نفسك فمن يأمن القراء بعدك يا شهر



فصل النوع الثالث خطاب حالي تكون بدايته من النفس
وعوده إليها



فيتوهمه من خارج وإنما هو من نفسه منها بدا وإليها يعود



وهذا كثيرا ما يعرض للسالك فيغلط فيه ويعتقد أنه خطاب من الله
كلمه به منه إليه وسبب غلطه أن اللطيفة المدركة من الإنسان إذا صفت بالرياضة وانقطعت
علقها عن الشواغل الكثيفة صار الحكم لها بحكم إستيلاء الروح والقلب على البدن ومصير
الحكم لهما فتنصرف عناية النفس والقلب إلى تجريد المعاني التي هي متصلة بهما وتشتد
عناية الروح بها وتصير في محل









تلك العلائق والشواغل فتملأ القلب فتصرف تلك المعاني إلى المنطق
والخطاب القلبي الروحي بحكم العادة ويتفق تجرد الروح فتتشكل تلك المعاني للقوة السامعة
بشكل الأصوات المسموعة وللقوة الباصرة بشكل الأشخاص المرئية فيرى صورها ويسمع الخطاب
وكله في نفسه ليس في الخارج منه شيء ويحلف أنه رأى وسمع وصدق لكن رأى وسمع في الخارج
أو في نفسه ويتفق ضعف التمييز وقلة العلم واستيلاء تلك المعاني على الروح وتجردها عن
الشواغل



فهذه الوجوه الثلاثة هي وجوه الخطاب ومن سمع نفسه غيرها فإنما
هو غرور وخدع وتلبيس وهذا الموضع مقطع القول وهو من أجل المواضع لمن حققه وفهمه والله
الموفق للصواب



فصل قال الدرجة الثانية إلهام يقع عيانا وعلامة
صحته أنه لا يخرق



سترا ولا يجاوز حدا ولا يخطىء أبدا



الفرق بين هذا وبين الإلهام في الدرجة الأولى أن ذلك علم شبيه
بالضروري الذي لا يمكن دفعه عن القلب وهذا معاينة ومكاشفة فهو فوقه في الدرجة وأتم
منه ظهورا ونسبته إلى القلب نسبة المرئي إلى العين وذكر له ثلاث علامات



إحداها أنه لا يخرق سترا أي صاحبه إذا كوشف بحال غير المستور
عنه لا يخرق ستره ويكشفه خيرا كان أو شرا أو أنه لا يخرق ما ستره الله من نفسه عن الناس
بل يستر نفسه ويستر من كوشف بحاله



الثانية أنه لا يجاوز حدا يحتمل وجهين



أحدهما أنه لا يتجاوز به إلى ارتكاب المعاصي وتجاوز حدود الله
مثل الكهان وأصحاب الكشف الشيطاني



الثاني أنه لا يقع على خلاف الحدود الشرعية مثل أن يتجسس به
على









العورات التي نهى الله عن التجسس عليها وتتبعها فإذا تتبعها
وقع عليها بهذا الكشف فهو شيطاني لا رحماني



الثالثة أنه لا يخطىء أبدا بخلاف الشيطاني فإن خطأه كثير كما
قال النبي لابن صائد ما ترى قال أرى صادقا وكاذبا فقال لبس عليك فالكشف الشيطاني لا
بد أن يكذب ولا يستمر صدقه ألبتة



فصل قال الدرجة الثالثة إلهام يجلو عين التحقيق
صرفا وينطق عن عين



الأزل محضا والإلهام غاية تمتنع الإشارة إليها



عين التحقيق عنده هي الفناء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3oloum.7olm.org
mimou
Admin
mimou


الدولـه : : مداج السالكيـــــــن 1 Jazaer10
ذكر عدد المساهمات : 1108
نقاط : 2272
السٌّمعَة : 0
تاريخ الميلاد : 06/12/1996
تاريخ التسجيل : 01/10/2011
العمر : 27

مداج السالكيـــــــن 1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مداج السالكيـــــــن 1   مداج السالكيـــــــن 1 I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 07, 2011 3:33 pm

أنفسها الخبيثة بتلك الكيفية الغضبية أحدث لها ذلك طبيعة سمية
تجد راحة ولذة في إلقائها إلى المحل القابل كما يجد الشرير من الناس راحة ولذة في إيصال
شره إلى من يوصله إليه وكثير من الناس لا يهنأ له عيش في يوم لا يؤذي فيه أحدا من بني
جنسه ويجد في نفسه تأذيا بحمل تلك السمية والشر الذي فيه حتى يفرغه في غيره فيبرد عند
ذلك أنينه وتسكن نفسه ويصيبه في ذلك نظير ما يصيب من اشتدت شهوته إلى الجماع فيسوء
خلقه وتثقل نفسه حتى يقضي وطره هذا في قوة الشهوة وذاك في قوة الغضب



وقد أقام الله تعالى بحكمته السلطان وازعا لهذه النفوس الغضبية
فلولا هو لفسدت الأرض وخرجت 2 251 ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن
الله ذو فضل على العالمين وأباح الله بلطفه ورحمته لهذه النفوس من الأزواج وملك اليمين
ما يكسر حدتها



والمقصود أن هذه النفوس الغضبية إذا اتصلت بالمحل القابل أثرت
فيه ومنها ما يؤثر في المحل بمجرد مقابلته له وإن لم يمسه فمنها ما يطمس البصر ويسقط
الحبل



ومن هذا نظر العائن فإنه إذا وقع بصره على المعين حدثت في نفسه
كيفية سمية أثرت في المعين بحسب عدم استعداده وكونه أعزل من السلاح وبحسب قوة تلك النفس
وكثير من هذه النفوس يؤثر في المعين إذا وصف له فتتكيف نفسه وتقابله على البعد فيتأثر
به ومنكر هذا ليس معدودا من بني آدم إلا بالصورة









والشكل فإذا قابلت النفس الزكية العلوية الشريفة التي فيها غضب
وحمية للحق هذه النفوس الخبيثة السمية وتكيفت بحقائق الفاتحة وأسرارها ومعانيها وما
تضمنته من التوحيد والتوكل والثناء على الله وذكر أصول أسمائه الحسنى وذكر اسمه الذي
ما ذكر على شر إلا أزاله ومحقه ولا على خير إلا نماه وزاده دفعت هذه النفس بما تكيفت
به من ذلك أثر تلك النفس الخبيثة الشيطانية فحصل البرء فإن مبنى الشفاء والبرء على
دفع الضد بضده وحفظ الشيء بمثله فالصحة تحفظ بالمثل والمرض يدفع بالضد أسباب ربطها
بمسبباتها الحكيم العليم خلقا وأمرا ولا يتم هذا إلا بقوة من النفس الفاعلة وقبول من
الطبيعة المنفعلة فلو لم تنفعل نفس الملدوغ لقبول الرقية ولم تقو نفس الراقي على التأثير
لم يحصل البرء



فهنا أمور ثلاثة موافقة الدواء للداء وبذل الطبيب له وقبول طبيعة
العليل فمتى تخلف واحد منها لم يحصل الشفاء وإذا اجتمعت حصل الشفاء ولا بد بإذن الله
سبحانه وتعالى



ومن عرف هذا كما ينبغي تبين له أسرار الرقي وميز بين النافع
منها وغيره ورقى الداء بما يناسبه من الرقي وتبين له أن الرقية براقيها وقبول المحل
كما أن السيف بضاربه مع قبول المحل للقطع وهذه إشارة مطلعة على ما وراءها لمن دق نظره
وحسن تأمله والله أعلم



وأما شهادة التجارب بذلك فهي أكثر من أن تذكر وذلك في كل زمان
وقد جربت أنا من ذلك في نفسي وفي غيري أمورا عجيبة ولا سيما مدة









المقام بمكة فإنه كان يعرض لي آلام مزعجة بحيث تكاد تقطع الحركة
مني وذلك في أثناء الطواف وغيره فأبادر إلى قراءة الفاتحة وأمسح بها على محل الألم
فكأنه حصاة تسقط جربت ذلك مرارا عديدة وكنت آخذ قدحا من ماء زمزم فأقرأ عليه الفاتحة
مرارا فأشربه فأجد به من النفع والقوة ما لم أعهد مثله في الدواء والأمر أعظم من ذلك
ولكن بحسب قوة الإيمان وصحة اليقين والله المستعان



فصل في اشتماله الفاتحة على الرد على جميع المبطلين
من أهل الملل



والنحل والرد على أهل البدع والضلال من هذه الأمة


وهذا يعلم بطريقين مجمل ومفصل


أما المجمل فهو أن الصراط المستقيم متضمن معرفة الحق وإيثاره
وتقديمه على غيره ومحبته والإنقياد له والدعوة إليه وجهاد أعدائه بحسب الإمكان



والحق هو ما كان عليه رسول الله وأصحابه وما جاء به علما وعملا
في باب صفات الرب سبحانه وأسمائه وتوحيده وأمره ونهيه ووعده ووعيده وفي حقائق الإيمان
التي هي منازل السائرين إلى الله تعالى وكل ذلك مسلم إلى رسول الله دون آراء الرجال
وأوضاعهم وأفكارهم واصطلاحاتهم



فكل علم أو عمل أو حقيقة أو حال أو مقام خرج من مشكاة نبوته
وعليه السكة المحمدية بحيث يكون من ضرب المدينة فهو من الصراط المستقيم وما لم يكن
كذلك فهو من صراط أهل الغضب والضلال فما ثم خروج عن هذه الطرق الثلاث طريق الرسول وما
جاء به وطريق أهل









الغضب وهي طريق من عرف الحق وعانده وطريق أهل الضلال وهي طريق
من أضله الله عنه ولهذا قال عبدالله ابن عباس وجابر بن عبدالله رضي الله عنهم الصراط
المستقيم هو الإسلام وقال عبدالله بن مسعود وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما هو القرآن
وفيه حديث مرفوع في الترمذي وغيره وقال سهل بن عبدالله طريق السنة والجماعة وقال بكر
بن عبدالله المزني طريق رسول الله



ولا ريب أن ما كان عليه رسول الله وأصحابه علما وعملا وهو معرفة
الحق وتقديمه وإيثاره على غيره فهو الصراط المستقيم



وكل هذه الأقوال المتقدمة دالة عليه جامعة له


فبهذا الطريق المجمل يعلم أن كل ما خالفه فباطل وهو من صراط
الأمتين الأمة الغضبية وأمة أهل الضلال



فصل وأما المفصل فبمعرفة المذاهب الباطلة واشتمال
كلمات الفاتحة



على إبطالها فنقول


الناس قسمان مقر بالحق تعالى وجاحد له فتضمنت الفاتحة إثبات
الخالق تعالى والرد على من جحده بإثبات ربوبيته تعالى للعالمين



وتأمل حال العالم كله علويه وسفليه بجميع أجزائه تجده شاهدا
بإثبات صانعه وفاطره ومليكه فإنكار صانعه وجحده في العقول والفطر بمنزلة إنكار العلم
وجحده لا فرق بينهما بل دلالة الخالق على المخلوق والفعال على الفعل والصانع على أحوال
المصنوع عند العقول الزكية المشرقة العلوية والفطر الصحيحة أظهر من العكس



فالعارفون أرباب البصائر يستدلون بالله على أفعاله وصنعه إذا
استدل الناس









بصنعه وأفعاله عليه ولا ريب أنهما طريقان صحيحان كل منهما حق
والقرآن مشتمل عليهما



فأما الإستدلال بالصنعة فكثير وأما الإستدلال بالصانع فله شأن
وهو الذي أشارت إليه الرسل بقولهم لأممهم 14 10 أفي الله شك أي أيشك في الله حتى يطلب
إقامة الدليل على وجوده وأي دليل أصح وأظهر من هذا المدلول فكيف يستدل على الأظهر بالأخفى
ثم نبهوا على الدليل بقولهم فاطر السموات والأرض



وسمعت شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية قدس الله روح يقول كيف
يطلب الدليل على من هو دليل على كل شيء وكان كثيرا ما يتمثل بهذا البيت



وليس يصح في الأذهان شيء ...
إذا احتاج النهار إلى دليل



ومعلوم أن وجود الرب تعالى أظهر للعقول والفطر من وجود النهار
ومن لم ير ذلك في عقله وفطرته فليتهمها



وإذا بطل قول هؤلاء بطل قول أهل الإلحاد القائلين بوحدة الوجود
وأنه ما ثم وجود قديم خالق ووجود حادث مخلوق بل وجود هذا العالم هو عين وجود الله وهو
حقيقة وجود هذا العالم فليس عند القوم رب وعبد ولا مالك ومملوك ولا راحم ومرحوم ولا
عابد ومعبود ولا مستعين ومستعان به ولا هاد ولا مهدي ولا منعم ولا منعم عليه ولا غضبان
ومغضوب عليه بل الرب هو نفس العبد وحقيقته والمالك هو عين المملوك والراحم هو عين المرحوم
والعابد هو نفس المعبود وإنما التغاير أمر اعتباري









بحسب مظاهر الذات وتجلياتها فتظهر تارة في صورة معبود كما ظهرت
في صورة فرعون وفي صورة عبد كما ظهرت في صورة العبيد وفي صورة هاد كما في صورة الأنبياء
والرسل والعلماء والكل من عين واحدة بل هو العين الواحدة فحقيقة العابد ووجوده أو إنيته
هي حقيقة المعبود ووجوده وإنيته



والفاتحة من أولها إلى آخرها تبين بطلان قول هؤلاء الملاحدة
وضلالهم



فصل والمقرون بالرب سبحانه وتعالى أنه صانع العالم
نوعان نوع



ينفي مباينته لخلقه ويقولون لا مباين ولا محايث ولا داخل العالم
ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا عن يمينه ولا عن يساره ولا خلفه ولا أمامه ولا فيه
ولا بائن عنه



فتضمنت الفاتحة الرد على هؤلاء من وجهين


أحدهما إثبات ربوبيته تعالى للعالم فإن الربوبية المحضة تقتضي
مباينة الرب للعالم بالذات كما باينهم بالربوبية وبالصفات والأفعال فمن لم يثبت ربا
مباينا للعالم فما أثبت ربا فإنه إذا نفى المباينة لزمه أحد أمرين لزوما لا انفكاك
له عنه ألبتة إما أن يكون هو نفس هذا العالم وحينئذ يصح قوله فإن العالم لا يباين ذاته
ونفسه ومن ههنا دخل أهل الوحدة وكانوا معطلة أولا واتحادية ثانيا



وإما أن يقول ما ثم رب يكون مباينا ولا محايثا ولا داخلا ولا
خارجا كما قالته الدهرية المعطلة للصانع



وأما هذا القول الثالث المشتمل على جمع النقيضين إثبات رب مغاير
للعالم مع نفي مباينته للعالم وإثبات خالق قائم بنفسه لا في العالم ولا خارج العالم
ولا فوق العالم ولا تحته ولا خلفه ولا أمامه ولا يمنته ولا يسرته فقول له









خبىء والعقول لا تتصوره حتى تصدق به فإذا استحال في العقل تصوره
فاستحالة التصديق به أظهر وأظهر وهو منطبق على العدم المحض والنفي الصرف وصدقه عليه
أظهر عند العقول والفطر من صدقه على رب العالمين



فضع هذا النفي وهذه الألفاظ الدالة عليه على العدم المستحيل
ثم ضعها على الذات العلية القائمة بنفسها التي لم تحل في العالم ولا حل العالم فيها
ثم انظر أي المعلومين أولى به



واستيقظ لنفسك وقم لله قومة مفكر في نفسه في الخلوة في هذا الأمر
متجرد عن المقالات وأربابها وعن الهوى والحمية والعصبية صادقا في طلب الهداية من الله
فالله أكرم من أن يخيب عبدا هذا شأنه وهذه المسألة لا تحتاج إلى أكثر من إثبات رب قائم
بنفسه مباين لخلقه بل هذا نفس ترجمتها



فصل ثم المثبتون للخالق تعالى نوعان أهل توحيد
وأهل إشراك وأهل



الإشراك نوعان


أحدهما أهل الإشراك به في ربوبيته وإلهيته كالمجوس ومن ضاهاهم
من القدرية فإنهم يثبتون مع الله خالقا آخر وإن لم يقولوا إنه مكافىء له والقدرية المجوسيه
تثبت مع الله خالقين للأفعال ليس أفعالهم مقدورة لله ولا مخلوقة لهم وهي صادرة بغير
مشيئته ولا قدرة له عليها ولا هو الذي جعل أربابها فاعلين لها بل هم الذين جعلوا أنفسهم
شائين مريدين فاعلين



فربوبية العالم الكاملة المطلقة الشاملة تبطل أقوال هؤلاء كلهم
لأنها تقتضي ربوبيته لجميع ما فيه من الذوات والصفات والحركات والأفعال



وحقيقة قول القدرية المجوسية أنه تعالى ليس ربا لأفعال الحيوان
ولا تناولتها ربوبيته وكيف تتناول مالا يدخل تحت قدرته ومشيئته وخلقه مع أن في عموم
حمده ما يقتضي حمده على طاعات خلقه إذ هو المعين عليها والموفق لها وهو









الذي شاءها منهم كما قال في غير موضع من كتابه 76 30 وما تشاءون
إلا أن يشاء الله فهو محمود على أن شاءها لهم وجعلهم فاعليها بقدرته ومشيئته فهو المحمود
عليها في الحقيقة وعندهم أنهم هم المحمودون عليها ولهم الحمد على فعلها وليس لله حمد
على نفس فاعليتها عندهم ولا على ثوابه وجزائه عليها



أما الأول فلأن فاعليتها بهم لا به وأما الثاني فلأن الجزاء
مستحق عليه استحقاق الأجرة على المستأجر فهو محض حقهم الذي عاوضوه عليه



وفي قوله وإياك نستعين رد ظاهر عليهم إذ استعانتهم به إنما تكون
عن شيء هو بيده وتحت قدرته ومشيئته فكيف يستعين من بيده الفعل وهو موجده إن شاء أوجده
وإن شاء لم يوجده بمن ليس ذلك الفعل بيده ولا هو داخل تحت قدرته ولا مشيئته



وفي قوله إهدنا الصراط المستقيم أيضا رد عليهم فإن الهداية المطلقة
التامة هي المستلزمة لحصول الإهتداء ولولا أنها بيده تعالى دونهم لما سألوه إياها وهي
المتضمنة للإرشاد والبيان والتوفيق والإقدار وجعلهم مهتدين وليس مطلوبهم مجرد البيان
والدلالة كما ظنته القدرية لأن هذا القدر وحده لا يوجب الهدى ولا ينجي من الردى وهو
حاصل لغيرهم من الكفار الذين استحبوا العمى على الهدى واشتروا الضلالة بالهدى



فصل النوع الثاني أهل الإشراك به في إلهيته وهم
المقرون بأنه وحده



رب كل شيء ومليكه وخالقه وأنه ربهم ورب آبائهم الأولين ورب السموات
السبع ورب العرش العظيم وهم مع هذا يعبدون غيره ويعدلون به سواه في المحبة والطاعة
والتعظيم وهم الذين اتخذوا من دون الله أندادا فهؤلاء لم يوفوا إياك نعبد حقه وإن كان
لهم نصيب من نعبدك لكن ليس لهم نصيب من إياك نعبد المتضمن معنى لا نعبد إلا إياك حبا
وخوفا ورجاء









وطاعة وتعظيما ف إياك نعبد تحقيق لهذا التوحيد وإبطال للشرك
في الإلهية كما أن إياك نستعين تحقيق لتوحيد الربوبية وإبطال للشرك به فيها وكذلك قوله
اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم فإنهم أهل التوحيد وهم أهل تحقيق إياك
نعبد وإياك نستعين وأهل الإشراك هم أهل الغضب والضلال



فصل في تضمنها الرد على الجهمية معطلة الصفات وذلك
من وجوه



أحدها من قوله الحمد لله فإن إثبات الحمد الكامل له يقتضي ثبوت
كل ما يحمد عليه من صفات كماله ونعوت جلاله إذ من عدم صفات الكمال فليس بمحمود على
الإطلاق وغايته أنه محمود من وجه دون وجه ولا يكون محمودا بكل وجه وبكل اعتبار بجميع
أنواع الحمد إلا من استولى على صفات الكمال جميعها فلو عدم منها صفة واحدة لنقص من
حمده بحسبها



وكذلك في إثبات صفة الرحمة له ما يتضمن إثبات الصفات التي تستلزم
من الحياة والإرادة والقدرة والسمع والبصر وغيرها



وكذلك صفة الربوبية تستلزم جميع صفات الفعل وصفة الإلهية تسلتزم
جميع أوصاف الكمال ذاتا وأفعالا كما تقدم بيانه



فكونه محمودا إلها ربا رحمانا رحيما ملكا معبودا مستعانا هاديا
منعما يرضى ويغضب مع نفي قيام الصفات به جمع بين النقيضين وهو من أمحل المحال



وهذه الطريق تتضمن إثبات الصفات الخبرية من وجهين


أحدهما أنها من لوازم كماله المطلق فإن استواءه على عرشه من
لوازم علوه ونزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا في نصف الليل الثاني من لوازم رحمته وربوبيته
وهكذا سائر الصفات الخبرية









الوجه الثاني أن السمع ورد بها ثناء على الله ومدحا له وتعرفا
منه إلى عباده بها فجحدها وتحريفها عما دلت عليه وعما أريد بها مناقض لما جاءت به فلك
أن تستدل بطريق السمع على أنها كمال وأن تستدل بالعقل كما تقدم



فصل في تضمنها للرد على الجبرية وذلك من وجوه أحدها
من



إثبات عموم حمده سبحانه فإنه يقتضي أن لا يعاقب عبيده على مالا
قدرة لهم عليه ولا هو من فعلهم بل هو بمنزلة ألوانهم وطولهم وقصرهم بل هو يعاقبهم على
نفس فعله بهم فهو الفاعل لقبائحهم في الحقيقة وهو المعاقب لهم عليها فحمده عليها يأبى
ذلك أشد الإباء وينفيه أعظم النفي فتعالى من له الحمد كله عن ذلك علوا كبيرا بل إنما
يعاقبهم على نفس أفعالهم التي فعلوها حقيقة فهي أفعالهم لا أفعاله وإنما أفعاله العدل
والإحسان والخيرات



الوجه الثاني إثبات رحمته ورحمانيته ينفي ذلك إذ لا يمكن اجتماع
هذين الأمرين قط أن يكون رحمانا رحيما ويعاقب العبد على مالا قدرة له عليه ولا هو من
فعله بل يكلفه ما لا يطيقه ولا له عليه قدرة ألبتة ثم يعاقبه عليه وهل هذا إلا ضد الرحمة
ونقض لها وإبطال وهل يصح في معقول أحد اجتماع ذلك والرحمة التامة الكاملة في ذات واحدة



الوجه الثالث إثبات العبادة والإستعانة لهم ونسبتها إليهم بقولهم
نعبد ونستعين وهي نسبة حقيقية لا مجازية والله لا يصح وصفه بالعبادة والإستعانة التي
هي من أفعال عبيده بل العبد حقيقة هو العابد المستعين والله هو المعبود المستعان به









فصل في بيان تضمنها للرد على القائلين بالموجب
بالذات دون الإختيار



والمشيئة وبيان أنه سبحانه فاعل مختار وذلك من وجوه


أحدها من إثبات حمده إذ كيف يحمد على ما ليس مختارا لوجوده ولا
هو بمشيئته وفعله وهل يصح حمد الماء على آثاره وموجباته أو النار والحديد وغيرها في
عقل أو فطرة وإنما يحمد الفاعل المختار بقدرته ومشيئته على أفعاله الحميدة هذا الذي
ليس يصح في العقول والفطر سواه فخلافه خارج عن الفطرة والعقل وهو لا ينكر خروجه عن
الشرائع والنبوات بل يتبجح بذلك ويعده فخرا



الثاني إثبات ربوبيته تعالى يقتضي فعله بمشيئته واختياره وتدبيره
وقدرته وليس يصح في عقل ولا فطرة ربوبية الشمس لضوئها والماء لتبريده وللنبات الحاصل
به ولا ربوبية شيء أبدا لما لا قدرة له عليه ألبتة وهل هذا إلا تصريح بجحد الربوبية



فالقوم كنوا للأغمار وصرحوا لأولي الأفهام


الثالث إثبات ملكه وحصول ملك لمن لا اختيار له ولا فعل ولا مشيئة
غير معقول بل كل مملوك له مشيئة واختيار وفعل أتم من هذا الملك وأكمل 16 17 أفمن يخلق
كمن لا يخلق أفلا تذكرون



الرابع من كونه مستعانا فإن الإستعانة بمن لا اختيار له ولا
مشيئة ولا قدرة محال



الخامس من كونه مسئولا أن يهدي عباده فسؤال من لا اختيار له
محال وكذلك من كونه منعما









فصل في بيان تضمنها للرد على منكري تعلق علمه تعالى
بالجزئيات وذلك



من وجوه


أحدها كمال حمده وكيف يستحق الحمد من لا يعلم شيئا من العالم
وأحواله وتفاصيله ولا عدد الأفلاك ولا عدد النجوم ولا من يطيعه ممن يعصيه ولا من يدعوه
ممن لا يدعوه



الثاني أن هذا مستحيل أن يكون إلها وأن يكون ربا فلا بد للإله
المعبود والرب المدبر من أن يعلم عابده ويعلم حاله



الثالث من إثبات رحمته فإنه يستحيل أن يرحم من لا يعلم


الرابع إثبات ملكه فإن ملكا لا يعرف أحدا من رعيته ألبتة ولا
شيئا من أحوال مملكته ألبتة ليس بملك بوجه من الوجوه



الخامس كونه مستعانا


السادس كونه مسئولا أن يهدي سائله ويجيبه


السابع كونه هاديا


الثامن كونه منعما


التاسع كونه غضبانا على من خالفه


العاشر كونه مجازيا يدين الناس بأعمالهم يوم الدين فنفي علمه
بالجزيئات مبطل لذلك كله









فصل في بيان تضمنها للرد على منكري النبوات وذلك
من وجوه أحدها



إثبات حمده التام فإنه يقتضي كمال حكمته وأن لا يخلق خلقه عبثا
ولا يتركهم سدى لا يؤمرون ولا ينهون ولذلك نزه الله نفسه عن هذا في غير موضع من كتابه
وأخبر أن من أنكر الرسالة والنبوة وأن يكون ما أنزل على بشر من شيء فإنه ما عرفه حق
معرفته ولا عظمه حق تعظيمه ولا قدره حق قدره بل نسبه إلى ما لا يليق به ويأباه حمده
ومجده



فمن أعطى الحمد حقه علما ومعرفة وبصيرة استنبط منه أشهد أن محمدا
رسول الله كما يستنبط منه أشهد أن لا إله إلا الله وعلم قطعا أن تعطيل النبوات في منافاته
للحمد كتعطيل صفات الكمال وكإثبات الشركاء والأنداد



الثاني إلهيته وكونه إلها فإن ذلك مستلزم لكونه معبودا مطاعا
ولا سبيل إلى معرفة ما يعبد به ويطاع إلا من جهة رسله



الثالث كونه ربا فإن الربوبية تقتضي أمر العباد ونهيهم وجزاء
محسنهم بإحسانه ومسيئهم بإساءته هذا حقيقة الربوبية وذلك لا يتم إلا بالرسالة والنبوة



الرابع كونه رحمانا رحيما فإن من كمال رحمته أن يعرف عباده نفسه
وصفاته ويدلهم على ما يقربهم إليه ويباعدهم منه ويثيبهم على طاعته ويجزيهم بالحسنى
وذلك لا يتم إلا بالرسالة والنبوة فكانت رحمته مقتضية لها



الخامس ملكه فإن الملك يقتضي التصرف بالقول كما أن الملك يقضي
التصرف بالفعل فالملك هو المتصرف بأمره وقوله فتنفذ أوامره ومراسيمه حيث شاء والمالك
هو المتصرف في ملكه بفعله والله له الملك وله الملك فهو المتصرف في خلقه بالقول والفعل









وتصرفه بقوله نوعان تصرف بكلماته الكونية وتصرف بكلماته الدينية
وكمال الملك بهما



فإرسال الرسل موجب كمال ملكه وسلطانه وهذا هو الملك المعقول
في فطر الناس وعقولهم فكل ملك لا تكون له رسل يبثهم في أقطار مملكته فليس بملك



وبهذه الطريق يعلم وجود ملائكته وأن الإيمان بهم من لوازم الإيمان
بملكه فإنهم رسل الله في خلقه وأمره



السادس ثبوت يوم الدين وهو يوم الجزاء الذي يدين الله فيه العباد
بأعمالهم خيرا وشرا وهذا لايكون إلا بعد ثبوت الرسالة والنبوة وقيام الحجة التي بسببها
يدان المطيع والعاصي



السابع كونه معبودا فإنه لا يعبد إلا بما يحبه ويرضاه ولا سبيل
للخلق إلى معرفة ما يحبه ويرضاه إلا من جهة رسله فإنكار رسله إنكار لكونه معبودا



الثامن كونه هاديا إلى الصراط المستقيم وهو معرفة الحق والعمل
به وهو أقرب الطرق الموصلة إلى المطلوب فإن الخط المستقيم هو أقرب خط موصل بين نقطتين
وذلك لا يعلم إلا من جهة الرسل فتوقفه على الرسل ضروري أعظم من توقف الطريق الحسى على
سلامة الحواس



التاسع كونه منعما على أهل الهداية إلى الصراط المستقيم فإن
إنعامه عليهم إنما تم بإرسال الرسل إليهم وجعلهم قابلين الرسالة مستجيبين لدعوته وبذلك
ذكرهم منته عليهم وإنعامه في كتابه



العاشر انقسام خلقه إلى منعم عليهم ومغضوب عليهم وضالين فإن
هذا الإنقسام ضروري بحسب إنقسامهم في معرفة الحق والعمل به إلى عالم به









عامل بموجبه وهم أهل النعمة وعالم به معاند له وهم أهل الغضب
وجاهل به وهم الضالون هذا الإنقسام إنما نشأ بعد إرسال الرسل فلولا الرسل لكانوا أمة
واحدة فانقسامهم إلى هذه الأقسام مستحيل بدون الرسالة وهذا الإنقسام ضروري بحسب الواقع
فالرسالة ضرورية وقد تبين لك بهذه الطريق والتي قبلها بيان تضمنها للرد على من أنكر
المعاد الجسماني وقيامة الأبدان وعرفت اقتضاءها ضرورة لثبوت الثواب والعقاب والأمر
والنهي وهو الحق الذي خلقت به وله السموات والأرض والدنيا والآخرة وهو مقتضى الخلق
والأمر ونفيه نفي لهما



فصل إذا ثبتت النبوات والرسالة ثبتت صفة التكلم
والتكليم فإن



حقيقة الرسالة تبليغ كلام المرسل فإذا لم يكن ثم كلام فماذا
يبلغ الرسول بل كيف يعقل كونه رسولا ولهذا قال غير واحد من السلف من أنكر أن يكون الله
متكلما أو يكون القرآن كلامه فقد أنكر رسالة محمد بل ورسالة جميع الرسل التي حقيقتها
تبليغ كلام الله تبارك وتعالى ولهذا قال منكرو رسالته عن القرآن 74 24 25 إن هذا إلا
سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر وإنما عنوا القرآن المسموع الذي بلغوه وأنذروا به



فمن قال إن الله لم يتكلم به فقد ضاهأ قوله قولهم تعالى الله
عما يقول الظالمون علوا كبيرا









فصل في بيان تضمنها للرد على من قال بقدم العالم
وذلك من وجوه



أحدها إثبات حمده فإنه يقتضي ثبوت أفعاله لا سيما وعامة مواد
الحمد في القرآن أو كلها إنما هي على الأفعال وكذلك هو ههنا فإنه حمد نفسه على ربوبيته
المتضمنة لأفعاله الإختيارية ومن المستحيل مقارنة الفعل لفاعله هذا ممتنع في كل عقل
سليم وفطرة مستقيمة فالفعل متأخر عن فاعله بالضرورة



وأيضا فإنه متعلق الإرادة والتأثير والقدرة ولا يكون متعلقها
قديما ألبتة



الثاني إثبات ربوبيته للعالمين وتقريرما ذكرناه والعالم كل ما
سواه فثبت أن كل ما سواه مربوب والمربوب مخلوق بالضرورة وكل مخلوق حادث بعد أن لم يكن
فإذا ربوبيته تعالى لكل ماسواه تستلزم تقدمه عليه وحدوث المربوب ولا يتصور أن يكون
العالم قديما وهو مربوب أبدا فإن القديم مستغن بأزليته عن فاعل له وكل مربوب فهو فقير
بالذات فلا شيء من المربوب بغنى ولا قديم



الثالث إثبات توحيده فإنه يقتضي عدم مشاركة شيء من العالم له
في خصائص الربوبية والقدرة من خصائص الربوبية فالتوحيد ينفى ثبوته لغيره ضرورة كما
ينفى ثبوت الربوبية والإلهية لغيره









فصل في بيان تضمنها للرد على الرافضة وذلك من قوله
اهدنا الصراط



المستقيم إلى آخرها


ووجه تضمنه إبطال قولهم أنه سبحانه قسم الناس إلى ثلاثة أقسام
منعم عليهم وهم أهل الصراط المستقيم الذين عرفوا الحق واتبعوه ومغضوب عليهم وهم الذين
عرفوا الحق ورفضوه وضالون وهم الذين جهلوه فأخطأوه



فكل من كان أعرف للحق وأتبع له كان أولى بالصراط المستقيم


ولا ريب أن أصحاب رسول الله ورضي الله عنهم هم أولى بهذه الصفة
من الروافض فإنه من المحال أن يكون أصحاب رسول الله ورضى الله عنهم جهلوا الحق وعرفه
الروافض أو رفضوه وتمسك به الروافض



ثم إنا رأينا آثار الفريقين تدل على أهل الحق منهما فرأينا أصحاب
رسول الله فتحوا بلاد الكفر وقلبوها بلاد إسلام وفتحوا القلوب بالقرآن والعلم والهدى
فآثارهم تدل على أنهم هم أهل الصراط المستقيم ورأينا الرافضة بالعكس في كل زمان ومكان
فإنه قط ما قام للمسلمين عدو من غيرهم إلا كانوا أعوانهم على الإسلام وكم جروا على
الإسلام وأهله من بلية وهل عاثت سيوف المشركين عباد الأصنام من عسكر هولاكو وذويه من
التتار إلا من تحت رءوسهم وهل عطلت المساجد وحرقت المصاحف وقتل سروات المسلمين وعلماؤهم
وعبادهم وخليفتهم إلا بسببهم ومن جرائهم ومظاهرتهم للمشركين والنصارى معلومة عند الخاصة
والعامة وآثارهم في الدين معلومة



فأي الفريقين أحق بالصراط المستقيم وأيهم أحق بالغضب والضلال
إن كنتم تعلمون



ولهذا فسر السلف الصراط المستقيم وأهله بأبي بكر وعمر وأصحاب








رسول الله ورضى الله عنهم وهو كما فسروه فإنه صراطهم الذي كانوا
عليه وهو عين صراط نبيهم وهم الذين أنعم الله عليهم وغضب على أعدائهم وحكم لأعدائهم
بالضلال وقال أبو العالية رفيع الرياحي والحسن البصري وهما من أجل التابعين الصراط
المستقيم رسول الله وصاحباه وقال أبو العالية أيضا في قوله صراط الذين أنعمت عليهم
هم آل رسول الله وأبو بكر وعمر وهذا حق فإن آله وأبا بكر وعمر على طريق واحدة ولا خلاف
بينهم وموالاة بعضهم بعضا وثناؤهم عليهما ومحاربة من حاربا ومسالمة من سالما معلومة
عند الأمة خاصها وعامها وقال زيد بن أسلم الذين أنعم الله عليهم هم رسول الله وأبو
بكر وعمر



ولا ريب أن المنعم عليهم هم أتباعه والمغضوب عليهم هم الخارجون
عن أتباعه وأتبع الأمة له وأطوعهم أصحابه وأهل بيته وأتبع الصحابة له السمع والبصر
أبو بكر وعمر وأشد الأمة مخالفة له هم الرافضة فخلافهم له معلوم عند جميع فرق الأمة
ولهذا يبغضون السنة وأهلها ويعادونها ويعادون أهلها فهم أعداء سنته وأهل بيته وأتباعه
من بنيهم أكمل ميراثا بل هم ورثته حقا









فقد تبين أن الصراط المستقيم طريق أصحابه وأتباعه وطريق أهل
الغضب والضلال طريق الرافضة



وبهذه الطريق بعينها يرد على الخوارج فإن معاداتهم الصحابة معروفة


فصل وسر الخلق والأمر والكتب والشرائع والثواب
والعقاب انتهى إلى



هاتين الكلمتين وعليهما مدار العبودية والتوحيد حتى قيل أنزل
الله مائة كتاب وأربعة كتب جمع معانيها في التوراة والإنجيل والقرآن وجمع معاني هذه
الكتب الثلاثة في القرآن وجمع معاني القرآن في المفصل وجمع معاني المفصل في الفاتحة
ومعاني الفاتحة في إياك نعبد وإياك نستعين



وهما الكلمتان المقسومتان بين الرب وبين عبده نصفين فنصفهما
له تعالى وهو إياك نعبد ونصفهما لعبده وهو إياك نستعين



وسيأتي سر هذا ومعناه إن شاء الله في موضعه


والعبادة تجمع أصلين غاية الحب بغاية الذل والخضوع والعرب تقول
طريق معبد أي مذلل والتعبد التذلل والخضوع فمن أحببته ولم تكن خاضعا له لم تكن عابدا
له ومن خضعت له بلا محبة لم تكن عابدا له حتى تكون محبا خاضعا ومن ههنا كان المنكرون
محبة العباد لربهم منكرين حقيقة العبودية والمنكرون لكونه محبوبا لهم بل هو غاية مطلوبهم
ووجهه الأعلى نهاية بغيتهم منكرين لكونه إلها وإن أقروا بكونه ربا للعالمين وخالقا
لهم فهذا غاية توحيدهم وهو توحيد الربوبية الذي اعترف به مشركو العرب ولم يخرجوا به
عن الشرك كما قال تعالى 43 87 ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله وقال تعالى 39 38 ولئن
سألتهم من خلق









السموات والأرض ليقولن الله 22 84 89 قل لمن الأرض ومن فيها
إلى قوله سيقولون لله قل فأنى تسحرون ولهذا يحتج عليهم به على توحيد إلهيته وأنه لا
ينبغي أن يعبد غيره كما أنه لا خالق غيره ولا رب سواه



والإستعانة تجمع أصلين الثقة بالله والإعتماد عليه فإن العبد
قد يثق بالواحد من الناس ولا يعتمد عليه في أموره مع ثقته به لإستغنائه عنه وقد يعتمد
عليه مع عدم ثقته به لحاجته إليه ولعدم من يقوم مقامه فيحتاج إلى اعتماده عليه مع أنه
غير واثق به



والتوكل معنى يلتئم من أصلين من الثقة والإعتماد وهو حقيقة إياك
نعبد وإياك نستعين وهذان الأصلان وهما التوكل والعبادة قد ذكرا في القرآن في عدة مواضع
قرن بينهما فيها هذا أحدها



الثاني قول شعيب 11 88 وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه
أنيب



الثالث قوله تعالى 10 123 ولله غيب السموات والأرض وإليه يرجع
الأمر كله فاعبده وتوكل عليه



الرابع قوله تعالى حكاية عن المؤمنين 60 4 ربنا عليك توكلنا
وإليك أنبنا وإليك المصير



الخامس قوله تعالى 73 8 9 واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا رب
المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا



السادس قوله تعالى 43 10 قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت
وإليه أنيب



فهذه ستة مواضع يجمع فيها بين الأصلين وهما إياك نعبد وإياك
نستعين وتقديم العبادة على الإستعانة في الفاتحة من باب تقديم الغايات على الوسائل
إذ العبادة غاية العباد التي خلقوا لها والإستعانة وسيلة إليها









ولأن إياك نعبد متعلق بألوهيته واسمه الله وإياك نستعين متعلق
بربوبيته واسمه الرب فقدم إياك نعبد على إياك نستعين كما قدم اسم الله على الرب في
أول السورة ولأن إياك نعبد قسم الرب فكان من الشطر الأول الذي هو ثناء على الله تعالى
لكونه أولى به وإياك نستعين قسم العبد فكان من الشطر الذي له وهو اهدنا الصراط المستقيم
إلى آخر السورة



ولأن العبادة المطلقة تتضمن الإستعانة من غير عكس فكل عابد لله
عبودية تامة مستعين به ولا ينعكس لأن صاحب الأغراض والشهوات قد يستعين به على شهواته
فكانت العبادة أكمل وأتم ولهذا كانت قسم الرب



ولأن الإستعانة جزء من العبادة من غير عكس ولأن الإستعانة طلب
منه والعبادة طلب له



ولأن العبادة لا تكون إلا من مخلص والإستعانة تكون من مخلص ومن
غير مخلص



ولأن العبادة حقه الذي أوجبه عليك والإستعانة طلب العون على
العبادة وهو بيان صدقته التي تصدق بها عليك وأداء حقه أهم من التعرض لصدقته



ولأن العبادة شكر نعمته عليك والله يحب أن يشكر والإعانة فعله
بك وتوفيقه لك فإذا التزمت عبوديته ودخلت تحت رقها أعانك عليها فكان التزامها والدخول
تحت رقها سببا لنيل الإعانة وكلما كان العبد أتم عبودية كانت الإعانة من الله له أعظم



والعبودية محفوفة بإعانتين إعانة قبلها على التزامها والقيام
بها وإعانة بعدها على عبودية أخرى وهكذا أبدا حتى يقضي العبد نحببه



ولأن إياك نعبد له وإياك نستعين به وماله مقدم على ما به








لأن ماله متعلق بمحبته ورضاه وما به متعلق بمشيئته وما تعلق
بمحبته أكمل مما تعلق بمجرد مشيئته فإن الكون كله متعلق بمشيئته والملائكة والشياطين
والمؤمنون والكفار والطاعات والمعاصي والمتعلق بمحبته طاعاتهم وإيمانهم فالكفار أهل
مشيئته والمؤمنون أهل محبته ولهذا لا يستقر في النار شيء لله أبدا وكل ما فيها فإنه
به تعالى وبمشيئته



فهذه الأسرار يتبين بها حكمة تقديم إياك نعبد على إياك نستعين


وأما تقديم المعبود والمستعان على الفعلين ففيه أدبهم مع الله
بتقديم اسمه على فعلهم وفيه الإهتمام وشدة العناية به وفيه الإيذان بالإختصاص المسمى
بالحصر فهو في قوة لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك والحاكم في ذلك ذوق العربية
والفقه فيها واستقراء موارد استعمال ذلك مقدما وسيبويه نص على الإهتمام ولم ينف غيره



ولأنه يقبح من القائل أن يعتق عشرة أعبد مثلا ثم يقول لأحدهم
إياك أعتقت ومن سمعه أنكر ذلك عليه وقال وغيره أيضا أعتقت ولولا فهم الإختصاص لما قبح
هذا الكلام ولا حسن إنكاره



وتأمل قوله تعالى 2 40 وإياي فارهبون 2 41 وإياي فاتقون كيف
تجده في قوة لا ترهبوا غيري لا تتقوا سواي وكذلك إياك نعبد وإياك نستعين هو في قوة
لا نعبد غيرك ولا نستعين بسواك وكل ذي ذوق سليم يفهم هذا الإختصاص من علة السياق



ولا عبرة بجدل من قل فهمه وفتح عليه باب الشك والتشكيك فهؤلاء
هم آفة العلوم وبلية الأذهان والفهوم مع أن في ضمير إياك من الإشارة إلى نفس الذات
والحقيقة ما ليس في الضمير المتصل ففي إياك قصدت وأحببت من الدلالة على معنى حقيقتك
وذاتك قصدي ما ليس في قولك قصدتك وأحببتك وإياك أعني فيه معنى نفسك وذاتك وحقيقتك أعني









ومن ههنا قال من قال من النحاة إن إيا اسم ظاهر مضاف إلى الضمير
المتصل ولم يرد عليه برد شاف



ولولا أنا في شأن وراء هذا لأشبعنا الكلام في هذه المسألة وذكرنا
مذاهب النحاة فيها ونصرنا الراجح ولعلنا أن نعطف على ذلك بعون الله



[right][right][b][font="]وفي إعادة إياك مرة أخرى دلالة على
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3oloum.7olm.org
mimou
Admin
mimou


الدولـه : : مداج السالكيـــــــن 1 Jazaer10
ذكر عدد المساهمات : 1108
نقاط : 2272
السٌّمعَة : 0
تاريخ الميلاد : 06/12/1996
تاريخ التسجيل : 01/10/2011
العمر : 27

مداج السالكيـــــــن 1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مداج السالكيـــــــن 1   مداج السالكيـــــــن 1 I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 07, 2011 3:37 pm

وأصوبه قال إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا
كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا والخالص ما كان لله









والصواب ما كان على السنة وهذا هو المذكور في قوله تعالى 18
110 فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا وفي قوله 4
125 ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن فلا يقبل الله من العمل إلا ما كان خالصا
لوجهه على متابعة أمره وما عدا ذلك فهو مردود على عامله يرد عليه أحوج ما هو إليه هباء
منثورا وفي الصحيح من حديث عائشة عن النبي كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد / ح / وكل
عمل بلا اقتداء فإنه لا يزيد عامله من الله إلا بعدا فإن الله تعالى إنما يعبد بأمره
لا بالآراء والأهواء



فصل الضرب الثاني من لا إخلاص له ولا متابعة فليس
عمله موافقا لشرع



وليس هو خالصا للمعبود كأعمال المتزينين للناس المرائين لهم
بما لم يشرعه الله ورسوله وهؤلاء شرار الخلق وأمقتهم إلى الله عز وجل ولهم أوفر نصيب
من قوله 3 188 لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا
تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم يفرحون بما أتوا من البدعة والضلالة والشرك
ويحبون أن يحمدوا باتباع السنة والإخلاص



وهذا الضرب يكثر فيمن انحرف من المنتسبين إلى العلم والفقر والعبادة
عن الصراط المستقيم فإنهم يرتكبون البدع والضلالات والرياء والسمعة ويحبون أن يحمدوا
بما لم يفعلوه من الإتباع والإخلاص والعلم فهم أهل الغضب والضلال









فصل الضرب الثالث من هو مخلص في أعماله لكنها على
غير متابعة الأمر



كجهال العباد والمنتسبين إلى طريق الزهد والفقر وكل من عبد الله
بغير أمره واعتقد عبادته هذه قربة إلى الله فهذا حاله كمن يظن أن سماع المكاء والتصدية
قربة وأن الخلوة التي يترك فيها الجمعة والجماعة قربة وأن مواصلة صوم النهار بالليل
قربة وأن صيام يوم فطر الناس كلهم قربة وأمثال ذلك



فصل الضرب الرابع من أعماله على متابعة الأمر لكنها
لغير الله



كطاعة المرائين وكالرجل يقاتل رياء وحمية وشجاعة ويحج ليقال
ويقرأ القرآن ليقال فهؤلاء أعمالهم ظاهرها أعمال صالحة مأمور بها لكنها غير صالحة فلا
تقبل 98 5 وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين فكل أحد لم يؤمر إلا بعبادة
الله بما أمر والإخلاص له في العبادة وهم أهل إياك نعبد وإياك نستعين



فصل ثم أهل مقام إياك نعبد لهم في أفضل العبادة
وأنفعها



وأحقها بالإيثار والتخصيص أربع طرق فهم في ذلك أربعة أصناف



الصنف الأول عندهم أنفع العبادات وأفضلها أشقها على النفوس وأصعبها



قالوا لأنه أبعد الأشياء عن هواها وهو حقيقة التعبد



قالوا والأجر على قدر المشقة ورووا حديثا لا أصل له أفضل الأعمال
أحمرها أي أصعبها وأشقها



وهؤلاء هم أهل المجاهدات والجور على النفوس









قالوا وإنما تستقيم النفوس بذلك إذ طبعها الكسل والمهانة والإخلاد
إلى الأرض فلا تستقيم إلا بركوب الأهوال وتحمل المشاق



الصنف الثاني قالوا أفضل العبادات التجرد والزهد في الدنيا والتقلل
منها غاية الإمكان واطراح الإهتمام بها وعدم الإكتراث بكل ما هو منها



ثم هؤلاء قسمان



فعوامهم ظنوا أن هذا غاية فشمروا إليه وعملوا عليه ودعوا الناس
إليه وقالوا هو أفضل من درجة العلم والعبادة فرأوا الزهد في الدنيا غاية كل عبادة ورأسها



وخواصهم رأوا هذا مقصودا لغيره وأن المقصود به عكوف القلب على
الله وجمع الهمة عليه وتفريغ القلب لمحبته والإنابة إليه والتوكل عليه والإشتغال بمرضاته
فرأوا أن أفضل العبادات في الجمعية على الله ودوام ذكره بالقلب واللسان والإشتغال بمراقبته
دون كل ما فيه تفريق للقلب وتشتيت له



ثم هؤلاء قسمان فالعارفون المتبعون منهم إذا جاء الأمر والنهي
بادروا إليه ولو فرقهم وأذهب جمعيتهم والمنحرفون منهم يقولون المقصود من العبادة جمعية
القلب على الله فإذا جاء ما يفرقه عن الله لم يلتفت إليه وربما يقول قائلهم



يطالب بالأوراد من كان غافلا ...
فكيف بقلب كل أوقاته ورد ثم هولاء أيضا قسمان منهم من يترك الواجبات والفرائض لجمعيته
ومنهم من يقوم بها ويترك السنن والنوافل وتعلم العلم النافع لجمعيته



وسأل بعض هؤلاء شيخا عارفا فقال إذا أذن المؤذن وأنا في جمعيتي
على الله فإن قمت وخرجت تفرقت وإن بقيت على حالي بقيت على جمعيتي فما الأفضل في حقي









فقال إذا أذن المؤذن وأنت تحت العرش فقم وأجب داعي الله ثم عد
إلى موضعك وهذا لأن الجمعية على الله حظ الروح والقلب وإجابة الداعي حق الرب ومن آثر
حظ روحه على حق ربه فليس من أهل إياك نعبد



الصنف الثالث رأوا أن أنفع العبادات وأفضلها ما كان فيه نفع
متعد فرأوه أفضل من ذي النفع القاصر فرأوا خدمة الفقراء والإشتغال بمصالح الناس وقضاء
حوائجهم ومساعدتهم بالمال والجاه والنفع أفضل فتصدوا له وعملوا عليه واحتجوا بقول النبي
الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله / ح / رواه أبو يعلى



واحتجوا بأن عمل العابد قاصر على نفسه وعمل النفاع متعد إلى
الغير وأين أحدهما من الآخر



قالوا ولهذا كان فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر
الكواكب



قالوا وقد قال رسول الله لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لأن
يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم / ح / وهذا التفضيل إنما هو للنفع المتعدي
واحتجوا بقوله من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من
أجورهم شيء / ح / واحتجوا بقوله إن الله وملائكته يصلون على معلمي الناس الخير / ح
/ وبقوله إن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في البحر والنملة
في جحرها / ح
/



واحتجوا بأن صاحب العبادة إذا مات انقطع عمله وصاحب النفع لا
ينقطع عمله ما دام نفعه الذي نسب إليه









واحتجوا بأن الأنبياء إنما بعثوا بالإحسان إلى الخلق وهدايتهم
ونفعم في معاشهم ومعادهم لم يبعثوا بالخلوات والإنقطاع عن الناس والترهب ولهذا أنكر
النبي على أولئك النفر الذين هموا بالإنقطاع للتعبد وترك مخالطة الناس ورأى هؤلاء التفرق
في أمر الله ونفع عباده والإحسان إليهم أفضل من الجمعية عليه بدون ذلك



الصنف الرابع قالوا إن أفضل العبادة العمل على مرضاة الرب في
كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته فأفضل العبادات في وقت الجهاد الجهاد وإن آل
إلى ترك الأوراد من صلاة الليل وصيام النهار بل ومن ترك إتمام صلاة الفرض كما في حالة
الأمن



والأفضل في وقت حضور الضيف مثلا القيام بحقه والإشتغال به عن
الورد المستحب وكذلك في أداء حق الزوجة والأهل



والأفضل في أوقات السحر الإشتغال بالصلاة والقرآن والدعاء والذكر
والإستغفار



والأفضل في وقت استرشاد الطالب وتعليم الجاهل الإقبال على تعليمه
والإشتغال به



والأفضل في أوقات الأذان ترك ما هو فيه من ورده والإشتغال بإجابة
المؤذن والأفضل في أوقات الصلوات الخمس الجد والنصح في إيقاعها على أكمل الوجوه والمبادرة
إليها في أول الوقت والخروج إلى الجامع وإن بعد كان أفضل



والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج إلى المساعدة بالجاه أو البدن
أو المال الإشتغال بمساعدته وإغاثة لهفته وإيثار ذلك على أورادك وخلوتك



والأفضل في وقت قراءة القرآن جمعية القلب والهمة على تدبره وتفهمه
حتى كأن الله تعالى يخاطبك به فتجمع قلبك على فهمه وتدبره والعزم على









تنفيذ أوامره أعظم من جمعية قلب من جاءه كتاب من السلطان على
ذلك



والأفضل في وقت الوقوف بعرفة الإجتهاد في التضرع والدعاء والذكر
دون الصوم المضعف عن ذلك



والأفضل في أيام عشر ذي الحجة الإكثار من التعبد لا سيما التكبير
والتهليل والتحميد فهو أفضل من الجهاد غير المتعين



والأفضل في العشر الأخير من رمضان لزوم المسجد فيه والخلوة والإعتكاف
دون التصدي لمخالطة الناس والإشتغال بهم حتى إنه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلم
وإقرائهم القرآن عند كثير من العلماء



والأفضل في وقت مرض أخيك المسلم أو موته عيادته وحضور جنازته
وتشييعه وتقديم ذلك على خلوتك وجمعيتك



والأفضل في وقت نزول النوازل وأذاة الناس لك أداء واجب الصبر
مع خلطتك بهم دون الهرب منهم فإن المؤمن الذي يخالط الناس ليصبر على أذاهم أفضل من
الذي لا يخالطهم ولا يؤذونه



والأفضل خلطتهم في الخير فهي خير من اعتزالهم فيه واعتزالهم
في الشر فهو أفضل من خلطتهم فيه فإن علم أنه إذا خالطهم أزاله أو قلله فخلطتهم حينئذ
أفضل من اعتزالهم فالأفضل في كل وقت وحال إيثار مرضاة الله في ذلك الوقت والحال والإشتغال
بواجب ذلك الوقت ووظيفته ومقتضاه



وهؤلاء هم أهل التعبد المطلق والأصناف قبلهم أهل التعبد المقيد
فمتى خرج أحدهم عن النوع الذي تعلق به من العبادة وفارقه يرى نفسه كأنه قد نقص وترك
عبادته فهو يعبدالله على وجه واحد وصاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبد بعينه يؤثره
على غيره بل غرضه تتبع مرضاة الله تعالى أين كانت



فمدار تعبده عليها فهو لا يزال متنقلا في منازل العبودية كلما
رفعت له منزلة









عمل على سيره إليها واشتغل بها حتى تلوح له منزلة أخرى فهذا
دأبه في السير حتى ينتهي سيره فإن رأيت العلماء رأيته معهم وإن رأيت العباد رأيته معهم
وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم وإن رأيت المتصدقين المحسنين
رأيته معهم وإن رأيت أرباب الجمعية وعكوف القلب على الله رأيته معهم فهذا هو العبد
المطلق الذي لم تملكه الرسوم ولم تقيده القيود ولم يكن عمله على مراد نفسه وما فيه
لذتها وراحتها من العبادات بل هو على مراد ربه ولو كانت راحة نفسه ولذتها في سواه فهذا
هو المتحقق ب إياك نعبد وإياك نستعين حقا القائم بهما صدقا ملبسه ما تهيأ ومأكله ما
تيسر واشتغاله بما أمر الله به في كل وقت بوقته ومجلسه حيث انتهى به المكان ووجده خاليا
لا تملكه إشارة ولا يتعبده قيد ولا يستولي عليه رسم حر مجرد دائر مع الأمر حيث دار
يدين بدين الآمر أني توجهت ركائبه ويدور معه حيث استقلت مضاربه يأنس به كل محق ويستوحش
منه كل مبطل كالغيث حيث وقع نفع وكالنخلة لا يسقط ورقها وكلها منفعة حتى شوكها وهو
موضع الغلظة منه على المخالفين لأمر الله والغضب إذا انتهكت محارم الله فهو لله وبالله
ومع الله قد صحب الله بلا خلق وصحب الناس بلا نفس بل إذا كان مع الله عزل الخلائق عن
البين وتخلى عنهم وإذا كان مع خلقه عزل نفسه من الوسط وتخلى عنها فواها له ما أغربه
بين الناس وما أشد وحشته منهم وما أعظم أنسه بالله وفرحه به وطمأنينته وسكونه إليه
والله المستعان وعيه التكلان









فصل ثم للناس في منفعة العبادة وحكمتها ومقصودها
طرق أربعة وهم في



ذلك أربعة أصناف



الصنف الأول نفاة الحكم والتعليل الذين يردون الأمر إلى محض
المشيئة وصرف الإرادة فهؤلاء عندهم القيام بها ليس إلا لمجرد الأمر من غير أن تكون
سببا لسعادة في معاش ولا معاد ولا سببا لنجاة وإنما القيام بها لمجرد الأمر ومحض المشيئة
كما قالوا في الخلق إنه لم يخلق ما خلقه لعلة ولا لغاية هي المقصودة به ولا لحكمة تعود
إليه منه وليس في المخلوقات أسباب مقتضيات لمسبباتها ولا فيها قوى ولا طبائع فليست
النار سببا للإحراق ولا الماء سببا للإرواء والتبريد وإخراج النبات ولا فيه قوة ولا
طبيعة تقتضي ذلك وحصول الإحراق والري ليس بهما لكن بإجراء العادة الإقترانية على حصول
هذا عند هذا لا بسبب ولا بقوة قامت به وهكذا الأمر عندهم في أمره الشرعي سواء لا فرق
في نفس الأمر بين المأمور والمحظور ولكن المشيئة اقتضت أمره بهذا ونهيه عن هذا من غير
أن يقوم بالمأمور به صفة اقتضت حسنه ولا المنهي عنه صفة اقتضت قبحه



ولهذا الأصل لوازم وفروع كثيرة فاسدة وقد ذكرناها في كتابنا
الكبير المسمى مفتاح دار السعادة ومطلب أهل العلم والإرادة وبينا فساد هذا الأصل من
نحو ستين وجها وهو كتاب بديع في معناه وذكرناه أيضا في كتابنا المسمى سفر الهجرتين
وطريق السعادتين



وهؤلاء لا يجدون حلاوة العبادة ولا لذتها ولا يتنعمون بها وليست
الصلاة قرة أعينهم وليست الأوامر سرور قلوبهم وغذاء أرواحهم وحياتهم ولهذا يسمونها
تكاليف أي قد كلفوا بها ولو سمى مدع لمحبة ملك من الملوك أو غيره ما يأمره به تكليفا
وقال إني إنما أفعله بكلفة لم يعده أحد محبا له ولهذا









أنكر هؤلاء أو كثير منهم محبة العبد لربه وقالوا إنما يحب ثوابه
وما يخلقه له من النعيم الذي يتمتع به لا أنه يحب ذاته فجعلوا المحبة لمخلوقه دونه
وحقيقة العبودية هي كمال المحبة فأنكروا حقيقة العبودية ولبها وحقيقة الإلهية كونه
مألوها محبوبا بغاية الحب المقرون بغاية الذل والخضوع والإجلال والتعظيم فأنكروا كونه
محبوبا وذلك إنكار لإلهيته وشيخ هؤلاء هو الجعد بن درهم الذي ضحى به خالد بن عبدالله
القسري في يوم أضحى وقال إنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليما ولم يتخذ إبراهيم خليلا
وإنما كان إنكاره لكونه تعالى محبوبا محبا لم ينكر حاجة إبراهيم إليه التي هي الخلة
عند الجهمية التي يشترك فيها جميع الخلائق فكلهم أخلاء لله عندهم



وقد بينا فساد قولهم هذا وإنكارهم محبة الله من أكثر من ثمانين
وجها في كتابنا المسمى قرة عيون المحبين وروضة قلوب العارفين وذكرنا فيه وجوب تعلق
المحبة بالحبيب الأول من جميع طرق الأدلة النقلية والعقلية والذوقية والفطرية وأنه
لا كمال للإنسان بدون ذلك ألبتة كما أنه لا كمال لجسمه إلا بالروح والحياة ولا لعينه
إلا بالنور الباصر ولا لأذنه إلا بالسمع وأن الأمر فوق ذلك وأعظم



فصل الصنف الثاني القدرية النفاة الذين يثبتون
نوعا من الحكمة



والتعليل ولكن لا يقوم بالرب ولا يرجع إليه بل يرجع إلى مجرد
مصلحة المخلوق ومنفعته



فعندهم أن العبادات شرعت أثمانا لما يناله العباد من الثواب
والنعيم وأنها بمنزلة استيفاء أجرة الأجير



قالوا ولهذا يجعلها الله تعالى عوضا كقوله 7 43 ونودوا أن تلكم
الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون وقوله ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون وقوله هل تجزون
إلا ما كنتم تعملون وقوله فيما يحكى عن ربه









عز وجل يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها
/ ح / وقوله تعالى 39 10 إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب



قالوا وقد سماه الله سبحانه جزاء وأجرا وثوابا لأنه يثوب إلى
العامل من عمله أي يرجع إليه منه



قالوا ولولا ارتباطه بالعمل لم يكن لتسميته جزاءا ولا أجرا ولا
ثوابا معنى



قالوا ويدل عليه الوزن فلولا تعلق الثواب والعقاب بالأعمال واقتضائها
لها وكونها كالأثمان لها لم يكن للوزن معنى وقد قال تعالى 7 8 9 والوزن يومئذ الحق
فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما
كانوا بآياتنا يظلمون



وهاتان الطائفتان متقابلتان أشد التقابل وبينهما أعظم التباين



فالجبرية لم تجعل للأعمال ارتباطا بالجزاء ألبتة وجوزت أن يعذب
الله من أفنى عمره في طاعته وينعم من أفنى عمره في معصيته وكلاهما بالنسبة إليه سواء
وجوزت أن يرفع صاحب العمل القليل على من هو أعظم منه عملا وأكثر وأفضل درجات والكل
عندهم راجع إلى محض المشيئة من غير تعليل ولا سبب ولا حكمة تقتضي تخصيص هذا بالثواب
وهذا بالعقاب



والقدرية أوجبت على الله سبحانه رعاية الأصلح وجعلت ذلك كله
بمحض الأعمال وثمنا لها وأن وصول الثواب إلى العبد بدون عمله فيه تنغيص بإحتمال منة
الصدقة عليه بلا ثمن









فقاتلهم الله ما أجهلهم بالله وأغرهم به جعلوا تفضله وإحسانه
إلى عبده بمنزلة صدقة العبد على العبد حتى قالوا إن إعطاءه ما يعطيه أجرة على عمله
أحب إلى العبد وأطيب له من أن يعطيه فضلا منه بلا عمل



فقابلتهم الجبرية أشد المقابلة ولم يجعلوا للأعمال تأثيرا في
الجزاء ألبتة



والطائفتان جائرتان منحرفتان عن الصراط المستقيم الذي فطر الله
عليه عباده وجاءت به الرسل ونزلت به الكتب وهو أن الأعمال أسباب موصلة إلى الثواب والعقاب
مقتضية لهما كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها وأن الأعمال الصالحة من توفيق الله وفضله
ومنه وصدقته على عبده إن أعانه عليها ووفقه لها وخلق فيه إرادتها والقدرة عليها وحببها
إليه وزينها في قلبه وكره إليه أضداها ومع هذا فليست ثمنا لجزائه وثوابه ولا هي على
قدره بل غايتها إذا بذل العبد فيها نصحه وجهده وأوقعها على أكمل الوجوه أن تقع شكرا
له على بعض نعمه عليه فلو طالبه بحقه لبقى عليه من الشكر على تلك النعمة بقية لم يقم
بشكرها فلذلك لو عذب أهل سمواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم لكانت
رحمته خيرا لهم من أعمالهم كما ثبت ذلك عن النبي ولهذا نفى النبي دخول الجنة بالعمل
كما قال لن يدخل أحدا منكم الجنة عمله وفي لفظ لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله وفي لفظ
لن ينجى أحدا منكم عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله
برحمة منه وفضل / ح / وأثبت سبحانه دخول الجنة بالعمل كما في قوله 16 32 ادخولا الجنة
بما كنتم تعملون ولا تنافي بينها إذا توارد النفي والإثبات ليس على معنى واحد فالمنفي
استحقاقها بمجرد الأعمال وكون الأعمال ثمنا وعوضا لها ردا على القدرية المجوسية التي
زعمت أن التفضل بالثواب ابتداء متضمن لتكرير المنة



وهذه الطائفة من أجهل الخلق بالله وأغلظهم عنه حجابا وحق لهم









أن يكونوا مجوس هذه الأمة ويكفي في جهلهم بالله أنهم لم يعلموا
أن أهل سمواته وأرضه في منته وأن من تمام الفرح والسرور والغبطة واللذة اغتباطهم بمنة
سيدهم ومولاهم الحق وأنهم إنما طاب لهم عيشهم بهذه المنة وأعظمهم منه منزلة وأقربهم
إليه أعرفهم بهذه المنة وأعظمهم إقرارا بها وذكرا لها وشكرا عليها ومحبة له لأجلها
فهل يتقلب أحد قط إلا في منته 49 17 يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم
بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنت صادقين



واحتمال منة المخلوق إنما كانت نقصا لأنه نظيره فإذا من عليه
استعلى عليه ورأى الممنون عليه نفسه دونه هذا مع أنه ليس في كل مخلوق فلرسول الله المنة
على أمته وكان أصحابه يقولون الله ورسوله أمن ولا نقص في منة الوالد على ولده ولا عار
عليه في احتمالها وكذلك السيد على عبده فكيف برب العالمين الذي إنما يتقلب الخلائق
في بحر منته عليهم ومحض صدقته عليهم بلا عوض منهم ألبتة وإن كانت أعمالهم أسبابا لما
ينالونه من كرمه وجوده فهو المنان عليهم بأن وفقهم لتلك الأسباب وهداهم لها وأعانهم
عليها وكملها لهم وقبلها منهم على ما فيها وهذا هو المعنى الذي أثبت به دخول الجنة
في قوله بما كنتم تعملون



فهذه باء السببية ردا على القدرية والجبرية الذين يقولون لا
ارتباط بين الأعمال والجزاء ولا هي أسباب له وإنما غايتها أن تكون أمارات



قالوا وليست أيضا مطردة لتخلف الجزاء عنها في الخير والشر فلم
يبق إلا محض الأمر الكوني والمشيئة فالنصوص مبطلة لقول هؤلاء كما هي مبطلة لقول أولئك
وأدلة المعقول والفطرة أيضا تبطل قول الفريقين وتبين لمن له قلب ولب مقدار قول أهل
السنة وهم الفرقة الوسط المثبتون لعموم مشيئة الله وقدرته وخلقه العباد









وأعمالهم ولحكمته التامة المتضمنة ربط الأسباب بمسبباتها وانعقادها
بها شرعا وقدرا وترتيبها عليها عاجلا وآجلا



وكل واحدة من الطائفتين المنحرفتين تركت نوعا من الحق وارتكبت
لأجله نوعا من الباطل بل أنواعا وهدى الله أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه
2 213 والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم و ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل
العظيم



فصل الصنف الثالث الذين زعموا أن فائدة العبادة
رياضة النفوس



واستعدادها لفيض العلوم عليها وخروج قواها عن قوى النفوس السبعية
والبهيمية فلو عطلت عن العبادات لكانت من جنس نفوس السباع والبهائم والعبادات تخرجها
عن مألوفاتها وعوائدها وتنقلها إلى مشابهة العقول المجردة فتصير عالمة قابلة لانتقاش
صور العلوم والمعارف فيها وهذا يقوله طائفتان



إحداهما من يقرب إلى النبوات والشرائع من الفلاسفة القائلين
بقدم العالم وعدم إنشقاق الأفلاك وعدم الفاعل المختار



الطائفة الثانية من تفلسفت من صوفية الإسلام وتقرب إلى الفلاسفة
فإنهم يزعمون أن العبادات رياضات لإستعداد النفوس وتجردها ومفارقتها العالم الحسى ونزول
الواردات والمعارف عليها



ثم من هؤلاء من لا يوجب العبادات إلا لهذا المعنى فإذا حصل لها
بقي مخيرا في حفظه أورده أو الإشتغال بالوارد عنها ومنهم من يوجب القيام بالأوراد والوظائف
وعدم الإخلال بها وهم صنفان أيضا









أحدهما من يوجبونه حفظا للقانون وضبطا للنفوس



والآخرون الذين يوجبونه حفظا للوارد وخوفا من تدرج النفس بمفارقتها
له إلى حالتها الأولى من البهيمية



فهذه نهاية أقدام المتكلمين على طريق السلوك وغاية معرفتهم بحكم
العبادة وما شرعت لأجله ولا تكاد تجد في كتب القوم غير هذه الطرق الثلاثة على سبيل
الجمع أو على سبيل البدل



فصل وأما الصنف الرابع فهم الطائفة المحمدية الإبراهيمية
أتباع



الخليلين العارفون بالله وحكمته في أمره وشرعه وخلقه وأهل البصائر
في عبادته ومراده بها



فالطوائف الثلاث محجوبون عنهم بما عندهم من الشبه الباطلة والقواعد
الفاسدة ما عندهم وراء ذلك شيء قد فرحوا بما عندهم من المحال وقنعوا بما ألفوه من الخيال
ولو علموا أن وراءه ما هو أجل منه وأعظم لما ارتضوا بدونه ولكن عقولهم قصرت عنه ولم
يهتدوا إليه بنور النبوة ولم يشعروا به ليجتهدوا في طلبه ورأوا أن ما معهم خير من الجهل
ورأوا تناقض ما مع غيرهم وفساده



فتركب من هذه الأمور إيثار ما عندهم على ما سواه وهذه بلية الطوائف
والمعافى من عافاه الله



فصل فاعلم أن سر العبودية وغايتها وحكمتها إنما
يطلع عليها من عرف



صفات الرب عز وجل ولم يعطلها وعرف معنى الإلهية وحقيقتها ومعنى
كونه إلها بل هو الإله الحق وكل إله سواه فباطل بل أبطل الباطل وأن حقيقة الإلهية لا
تنبغي إلا له وأن العبادة موجب إلهيته وأثرها ومقتضاها وارتباطها بها كإرتباط متعلق
الصفات بالصفات وكإرتباط المعلوم بالعلم والمقدور بالقدرة والأصوات بالسمع والإحسان
بالرحمة والعطاء بالجود









فمن أنكر حقيقة الإلهية ولم يعرفها كيف يستقيم له معرفة حكمة
العبادات وغاياتها ومقاصدها وما شرعت لأجله وكيف يستقيم له العلم بأنها هي الغاية المقصودة
بالخلق والتي لها خلقوا ولها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب ولأجلها خلقت الجنة والنار وأن
فرض تعطيل الخليقة عنها نسبة لله إلى مالا يليق به ويتعالى عنه من خلق السموات والأرض
بالحق ولم يخلقهما باطلا ولم يخلق الإنسان عبثا ولم يتركه سدى مهملا قال تعالى 23
115 أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون أي لغير شيء ولا حكمة ولا لعبادتي
ومجازاتي لكم وقد صرح تعالى بهذا في قوله وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فالعبادة
هي الغاية التي خلق لها الجن والإنس والخلائق كلها قال الله تعالى 75 36 أيحسب الإنسان
أن يترك سدى أي مهملا قال الشافعي لا يؤمر ولا ينهى وقال غيره لا يثاب ولا يعاقب والصحيح
الأمران فإن الثواب والعقاب مترتبان على الأمر والنهي والأمر والنهي طلب العبادة وإرادتها
وحقيقة العبادة امتثالهما وقال تعالى 3 191 ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما
خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار وقال وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا
بالحق وقال 45 22 وخلق الله السموات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت



فأخبر أنه خلق السموات والأرض بالحق المتضمن أمره ونهيه وثوابه
وعقابه فإذا كانت السموات والأرض وما بينهما خلقت لهذا وهو غاية الخلق فكيف يقال إنه
لا علة له ولا حكمة مقصودة هي غايته أو إن ذلك لمجرد استئجار العباد حتى لا ينكد عليهم
الثواب بالمنة أو لمجرد استعداد النفوس للمعارف العقلية وارتياضها بمخالفة العوائد



فليتأمل اللبيب الفرقان بين هذه الأقوال وبين ما دل عليه صريح
الوحي يجد أن أصحاب هذه الأقوال ما قدروا الله حق قدره ولا عرفوه حق معرفته









فالله تعالى إنما خلق الخلق لعبادته الجامعة لكمال محبته مع
الخضوع له والإنقياد لأمره



فأصل العبادة محبة الله بل إفراده بالمحبة وأن يكون الحب كله
لله فلا يحب معه سواه وإنما يحب لأجله وفيه كما يجب أنبياءه ورسله وملائكته وأولياءه
فمحبتنا لهم من تمام محبته وليست محبة معه كمحبة من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم
كحبه



وإذا كانت المحبة له هي حقيقة عبوديته وسرها فهي إنما تتحقق
باتباع أمره واجتناب نهيه فعند اتباع الأمر واجتناب النهي تتبين حقيقة العبودية والمحبة
ولهذا جعل تعالى اتباع رسوله علما عليها وشاهدا لمن ادعاها فقال تعالى 3 31 قل إن كنتم
تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله فجعل اتباع رسوله مشروطا بمحبتهم لله وشرطا لمحبة
الله لهم ووجود المشروط ممتنع بدون وجود شرطه وتحققه بتحققه فعلم انتفاء المحبة عند
انتفاء المتابعة فانتفاء محبتهم لله لازم لانتفاء المتابعة لرسوله وانتفاء المتابعة
ملزوم لإنتفاء محبة الله لهم فيستحيل إذا ثبوت محبتهم لله وثبوت محبة الله لهم بدون
المتابعة لرسوله



ودل على أن متابعة الرسول هي حب الله ورسوله وطاعة أمره ولا
يكفي ذلك في العبودية حتى يكون الله ورسوله أحب إلى العبد مما سواهما فلا يكون عنده
شيء أحب إليه من الله ورسوله ومتى كان عنده شيء أحب إليه منهما فهذا هو الشرك الذي
لا يغفره الله لصاحبه ألبتة ولا يهديه الله قال الله تعالى 9 24 قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم
وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها
أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي
القوم الفاسقين



فكل من قدم طاعة أحد من هؤلاء على طاعة الله ورسوله أو قول أحد









منهم على قول الله ورسوله أو مرضاة أحد منهم على مرضاة الله
ورسوله أو خوف أحد منهم ورجاءه والتوكل عليه على خوف الله ورجائه والتوكل عليه أو معاملة
أحدهم على معاملة الله فهو ممن ليس الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وإن قاله بلسانه
فهو كذب منه وإخبار بخلاف ما هو عليه وكذلك من قدم حكم أحد على حكم الله ورسوله فذلك
المقدم عنده أحب إليه من الله ورسوله لكن قد يشتبه الأمر على من يقدم قول أحد أو حكمه
أو طاعته أو مرضاته ظنا منه أنه لا يأمر ولا يحكم ولا يقول إلا ما قاله الرسول فيطيعه
ويحاكم إليه ويتلقى أقواله كذلك فهذا معذور إذا لم يقدر على غير ذلك وأما إذا قدر على
الوصول إلى الرسول وعرف أن غير من اتبعه هو أولى به مطلقا أو في بعض الأمور ولم يلتفت
إلى الرسول ولا إلى من هو أولى به فهذا الذي يخاف عليه وهو داخل تحت الوعيد فإن استحل
عقوبة من خالفه وأذله ولم يوافقه على اتباع شيخه فهو من الظلمة المعتدين وقد جعل الله
لكل شيء قدرا



فصل وبنى إياك نعبد على أربع قواعد التحقق بما
يحبه الله



ورسوله ويرضاه من قولاللسان والقلب وعمل القلب الجوارح



فالعبودية اسم جامع لهذه المراتب الأربع فأصحاب إياك نعبد حقا
هم أصحابها



فقول القلب هو اعتقاد ما أخبر الله سبحانه به عن نفسه وعن أسمائه
وصفاته وأفعاله وملائكته ولقائه على لسان رسله









وقول اللسان الإخبار عنه بذلك والدعوة إليه والذب عنه وتبيين
بطلان البدع المخالفة له والقيام بذكره وتبليغ أوامره



وعمل القلب كالمحبة له والتوكل عليه والإنابة إليه والخوف منه
والرجاء له وإخلاص الدين له والصبر على أوامره وعن نواهيه وعلى أقداره والرضى به وعنه
والموالاة فيه والمعاداة فيه والذل له والخضوع والإخبات إليه والطمأنينة به وغير ذلك
من أعمال القلوب التي فرضها أفرض من أعمال الجوارح ومستحبها أحب إلى الله من مستحبها
وعمل الجوارح بدونها إما عديم المنفعة أو قليل المنفعة



وأعمال الجوارح كالصلاة والجهاد ونقل الأقدام إلى الجمعة والجماعات
ومساعدة العاجز والإحسان إلى الخلق ونحو ذلك



ف إياك نعبد التزام لأحكام هذه الأربعة وإقرار بها و إياك نستعين
طلب للإعانة عليها والتوفيق لها و اهدنا الصراط المستقيم متضمن للتعريف بالأمرين على
التفصيل وإلهام القيام بهما وسلوك طريق السالكين إلى الله بها



فصل وجميع الرسل إنما دعوا إلى إياك نعبد وإياك
نستعين فإنهم



كلهم دعوا إلى توحيد الله وإخلاص عبادته من أولهم إلى آخرهم
فقال نوح لقومه 7 59 اعبدوا لله مالكم من إله غيره وكذلك قال هود وصالح وشعيب 7 65
73 85 وإبراهيم قال الله تعالى 16 36 ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا
الطاغوت وقال 21 25 وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدوا
وقال تعالى 23 51 52 يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم
وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون









فصل والله تعالى جعل العبودية وصف أكمل خلقه وأقربهم
إليه فقال



172 - لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا
لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا وقال
7 206 إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون وهذا يبين أن الوقف
التام في قوله في سورة الأنبياء 21 19 وله من في السموات والأرض ههنا ثم يبتدىء ومن
عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون فهما جملتان
تامتان مستقلتان أي إن له من في السموات ومن في الأرض عبيدا وملكا ثم استأنف جملة أخرى
فقال ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته يعني أن الملائكة الذين عنده لا يستكبرون عن عبادته
يعني لا يأنفون عنها ولا يتعاظمون ولا يستحسرون فيعيون وينقطعون يقال حسر واستحسر أيإذا
تعب وأعيا بل عبادتهم وتسبيحهم كالنفس لبني آدم فالأول وصف لعبيد ربوبيته والثاني وصف
لعبيد إلهيته وقال تعالى 25 63 77 وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا إلى آخر
السورة وقال 76 6 عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا وقال 38 17 واذكروا عبدنا
داود وقال 38 41 واذكر عبدنا أيوب وقال 38 45 واذكر عبادنا إبراهيم وإسحق ويعقوب وقال
عن سليمان 38 30 نعم العبد إنه أواب وقال عن المسيح 43 59 إن هو إلا عبد أنعمنا عليه
فجعل غايته العبودية لا الإلهية كما يقول أعداؤه النصارى ووصف أكرم خلقه عليه وأعلاهم
عنده منزلة بالعبودية في أشرف مقاماته فقال تعالى 2 25 وإن كنتم في ريب مما نزلنا على
عبدنا وقال تبارك وتعالى تبارك الذي نزل الفرقان على عبده وقال الحمد لله الذي أنزل
على عبده الكتاب فذكره بالعبودية في مقام إنزال الكتاب عليه وفي مقام التحدي بأن ياتوا
بمثله وقال وأنه لما قام عبدالله يدعوه









كادوا يكونون عليه لبدا فذكره بالعبودية في مقام الدعوة إليه
وقال سبحان الذي أسرى بعبده ليلا فذكره بالعبودية في مقام الإسراء وفي الصحيح عنه أنه
قال لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبدالله ورسوله
/ ح / وفي الحديث أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد / ح / وفي صحيح
البخاري عن عبدالله بن عمرو قال قرأت في التوراة صفة محمد محمد رسول الله عبدي ورسولي
سميته المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب بالأسواق ولا يجزى بالسيئة السيئة ولكن يعفو
ويغفر / ح
/



وجعل الله سبحانه البشارة المطلقة لعباده فقال تعالى فبشر عبادي
الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وجعل الأمن المطلق لهم فقال تعالى يا عباد لا خوف
عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين وعزل الشيطان عن سلطانه
عليهم خاصة وجعل سلطانه على من تولاه وأشرك به فقال إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا
من اتبعك من الغاوين وقال إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما
سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون



وجعل النبي إحسان العبودية أعلى مراتب الدين وهو الإحسان فقال
في حديث جبريل وقد سأله عن الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك
/ ح

/



فصل في لزوم إياك نعبد لكل عبد إلى الموت قال الله
تعالى



لرسوله واعبد ربك حتى يأتيك اليقين وقال أهل النار وكنا نكذب
بيوم الدين حتى أتانا اليقين واليقين ههنا هو الموت بإجماع أهل التفسير وفي الصحيح
في قصة موت عثمان بن مظعون









رضي الله عنه أن النبي قال أما عثمان فقد جاءه اليقين من ربه
أي الموت وما فيه فلا ينفك العبد من العبودية ما دام في دار التكليف بل عليه في البرزخ
عبودية أخرى لما يسأله الملكان من كان يعبد وما يقول في رسول الله ويلتمسان منه الجواب
وعليه عبودية أخرى يوم القيامة يوم يدعو الله الخلق كلهم إلى السجود فيسجد المؤمنون
ويبقى الكفار والمنافقون لا يستطيعون السجود فإذا دخلوا دار الثواب والعقاب انقطع التكليف
هناك وصارت عبودية أهل الثواب تسبيحا مقرونا بأنفاسهم لا يجدون له تعبا ولا نصبا



ومن زعم أنه يصل إلى مقام يسقط عنه فيه التعبد فهو زنديق كافر
بالله وبرسوله وإنما وصل إلى مقام الكفر بالله والإنسلاخ من دينه بل كلما تمكن العبد
في منازل العبودية كانت عبوديته أعظم والواجب عليه منها أكبر وأكثر من الواجب على من
دونه ولهذا كان الواجب على رسول الله بل على جميع الرسل أعظم من الواجب على أممهم والواجب
على أولى العزم أعظم من الواجب على من دونهم والواجب على أولى العلم أعظم من الواجب
على من دونهم وكل أحد بحسب مرتبته



[/cent
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3oloum.7olm.org
mimou
Admin
mimou


الدولـه : : مداج السالكيـــــــن 1 Jazaer10
ذكر عدد المساهمات : 1108
نقاط : 2272
السٌّمعَة : 0
تاريخ الميلاد : 06/12/1996
تاريخ التسجيل : 01/10/2011
العمر : 27

مداج السالكيـــــــن 1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مداج السالكيـــــــن 1   مداج السالكيـــــــن 1 I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 07, 2011 3:38 pm

ملـــــــــآآحظه : الموضوع هذا يكمل في موضوع ثاني
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3oloum.7olm.org
 
مداج السالكيـــــــن 1
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات آي ميس يو :: الأقســام الإسلامية :: المنتدى الاسلامي العام-
انتقل الى: