عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ
اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - ، وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ
وَيَسْتَكْثِرْنَهُ ، عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ فَلَمَّا
اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قُمْنَ فَبَادَرْنَ الْحِجَابَ
فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَدَخَلَ عُمَرُ
وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- يَضْحَكُ، فَقَالَ عُمَرُ
أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى
الله عليه وسلم - « عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاَءِ اللاَّتِى كُنَّ عِنْدِى فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابِ
» . فَقَالَ عُمَرُ فَأَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ .
ثُمَّ قَالَ عُمَرُ يَا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ ، أَتَهَبْنَنِى وَلاَ
تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْنَ نَعَمْ ، أَنْتَ
أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-:« إِيهًا
يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ
الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ » (1).
شرح المفردات(2):
(وعنده نسوة من قريش ) هن من أزواجه، والمراد أنهن يطلبن منه مما يعطيهن من النفقة.
(يُكلّمنه وَيَسْتكْثِرْنه) والمراد أنهن يطلبن منه مما يعطيهن من النفقة.
(عالية
أصواتهن على صوته) قال بعض أهل العلم: يحتمل أن يكون الرفع حصل من مجموعهن
لا أن كل واحدة منهن كان صوتها أرفع من صوته، أو كن في حال المخاصمة فلم
يتعمدن ، أو وثقن بعفوه، ويحتمل في الخلوة ما لا يحتمل في غيرها .
( أضحك الله سنك ) لم يرد به الدعاء بكثرة الضحك بل لازمه وهو السرور.
( أتهبنني ) من الهيبة أي توقرنني .
( أنت أفظ وأغلظ ) لأن عمر رضي الله عنه كان يبالغ في الزجر عن المكروهات مطلقا وطلب المندوبات، فلهذا قال النسوة له ذلك .
( إيها ابن الخطاب
) قال أهل اللغة " إيها " بالفتح والتنوين معناها لا تبتدئنا بحديث، وبغير
تنوين كف من حديث عهدناه، و" إيه " بالكسر والتنوين معناها حدثنا ما شئت
وبغير التنوين زدنا مما حدثتنا.
( فجا ) أي طريقا واسعا ، وقوله " قط " تأكيد للنفي .
من فوائد الحديث(3):
1- كمال خلق النبي صلى الله عليه وسلم وصبره وحلمه على أزواجه، ولين جانبه في معاملتهن.
2- فيه فضيلة عمر رضي الله عنه وصلابته في الدين ولذا يهرب منه الشيطان إذا رآه.
3-
أن هرب الشيطان من عمر رضي الله عنه لا يلزم منه عصمته ولكنها دليل على
استمرار حاله على الجد والسداد مع الصلابة في الدين - كما تقدم -.
4-
كمال توقير عمر رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم وسروره لسروره،
وغضبه على من قصر فيما يجب له صلى الله عليه وسلم من التعظيم والتوقير.
5- مشروعية الاستئذان لمن أراد الدخول على أحد.
6- مشروعية الحجاب من الرجال الأجانب.